مات الاتحاد العام للنقابات ولا مجال لإحيائه - فاطمة رمضان - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 6:39 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مات الاتحاد العام للنقابات ولا مجال لإحيائه

نشر فى : الخميس 3 مارس 2016 - 11:20 م | آخر تحديث : الخميس 3 مارس 2016 - 11:20 م
فى عام 1958 تم إنشاء الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، كاتحاد وحيد وذلك لاحتكار والسيطرة على حركة نقابية كانت عفية رأى بعض قادتها أن حريق القاهرة كان جزءا من مستهدفاته هو عرقلة إنشاء اتحاد عام للنقابات. وقد وضعت قوانين ولوائح لهذا الاتحاد والنقابات المشكلة له بحيث يسهل السيطرة عليها من قبل النظام الحاكم، وذلك عبر فرض النظام الهرمى الذى تقبع النقابات القاعدية فى قاعدته منزوعة الصلاحيات، ويحتل قمته عدد قليل من النقابيين (23 عضوا فى مجلس إدارة الاتحاد العام حاليا) بيده كل الصلاحيات.

وقد كان الاحتكار النقابى جزءا من المشهد السياسى الأكبر فى مصر بعد أزمة الديمقراطية عام 1954. فكما تم تأسيس الاتحاد الاشتراكى كتنظيم سياسى وحيد يسيطر عليه النظام الحاكم، كذلك تم تأسيس اتحاد نقابات عمال مصر اتحاد وحيد للعمال، لا يحق لأحد الترشح لانتخابات نقاباته ما لم يكن عضوا فى الاتحاد الاشتراكى.

وعلى الرغم من تغيير كل السياسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والتحول لسياسات الانفتاح والتحرر الاقتصادى، وفتح الأفق السياسى بالسماح بتأسيس منابر، ثم السماح بتأسيس الأحزاب ــ بشروط تجعلها لا تستطيع القيام بدورها ــ إلا أن النظام السياسى رفض وبشكل قاطع السماح بتحرير النقابات، والسماح بالتعدد النقابى حتى ولو كان شكليا مثلما حدث مع الأحزاب. بل إننا رأينا أن القبضة الأمنية قد ازدادت على العمال والنقابات مع بدايات تفعيل سياسات الخصخصة فى بداية الألفية الحالية. فأصبحنا نرى بشكل واضح عربات الأمن المركزى تحيط بمديريات القوى العاملة أثناء كل مراحل الانتخابات النقابية، وأصبح من المألوف وجود قيادات أمن الدولة داخل مديريات القوى العاملة لتدير انتخابات النقابات، فتقوم بشطب من لا ترغب فى وجودهم فى إدارة النقابات.

ومع تغيير السياسات فقد قام الاتحاد العام وقياداته بالقيام بالدور المرسوم له، إن لم يكن تزيد فى ذلك، فتمت خصخصة الشركات والمصانع، وإجبار العمال على الخروج للمعاش المبكر ولم نسمع له صوت، ومن بقى فى عمله بعد الخصخصة قد عانوا من تحول وضعهم من الحماية فى ظل قانون القطاع العام، إلى قانون العاملين بالقطاع الخاص وتعديات أصحاب الأعمال على حقوقهم التى كانت مستقرة من قبل، لم يُسمع للاتحاد العام ونقاباته صوت. حتى إن بعض العمال قد طالبوا فى إضرابهم بإلغاء النقابات، مثلما حدث فى غزل كفر الدوار 2007 ــ 2008.، وقام آخرون بجمع آلاف التوقيعات للمطالبة بإقالة النقابة فى شركة غزل المحلة.

هذا على مستوى الشركات، وعلى المستوى العام فقد استولت الحكومة على مستحقات وأموال العمال فى صناديق التأمينات (التى يمثل الاتحاد العام بمجالس إدارتها) بموافقته، وتم تمرير قانون العمل 12 لسنة 2003، والذى سمح بالفصل التعسفى للعمال، وإغلاق المنشآت ولم نسمع له صوت، كما لم يسمع له صوت ضد محاولات الحكومة تعديل قانون التأمينات، والذى يزيد من الأعباء على المشتركين فى التأمينات، ويقلل من حقوق أصحاب المعاشات.

وعلى مستوى الولاء للسلطة السياسية، فقد اختار قيادات الاتحاد خندق نظام مبارك أثناء اعتصام التحرير، فشاركوا فى موقعة الجمل ضد المعتصمين، والذى اتهم رئيسه حسين مجاور، ووزيرة القوى العاملة (بنت الاتحاد) عائشة عبدالهادى فى التخطيط لها.

***

هذا ولم يكن لدى قيادات الاتحاد أى غضاضة فى تقديم فروض الولاء والطاعة لأى نظام حاكم، فقد ذهبوا عقب تولى محمد مرسى الحكم إليه معلنين مبادرة لوقف الإضرابات لمدة عام. ثم انتقل هذا الولاء بشكل طبيعى إلى الرئيس المؤقت عدلى منصور ثم الرئيس عبدالفتاح السيسى.

وقد كانت ثورة 25 يناير بمثابة مرحلة جديدة فى حياة الطبقة العاملة فى مصر، بعد إصدار قرار وزير القوى العاملة والذى سمح بإيداع أوراق النقابات المستقلة لدى وزارة القوى العاملة.

ولكن القرار كان بمثابة اعتراف منقوص، لم يتبعه إصدار قانون ينظم العملية برمتها، كما لم يتم تغيير القوانين والقرارات التى تتيح دخول النقابات المستقلة كطرف فاعل فى كل اللجان التى تدير شئون العمال مثل المجلس الأعلى للأجور وغيره.

كما ظل الاعتراف بالنقابات المستقلة فى المفاوضة الجماعية مرهونا بقدرة عمالها على الضغط على أصحاب الأعمال عبر الإضراب أو التهديد به. وأصبح الفصل التعسفى سلاح مسلط على رقاب كل قيادات العمال أضعاف ما كان يحدث أيام مبارك، وبالتالى تم إقصاء القيادات النقابية المناضلة من مواقع العمل.

فى حالة الفراغ القانونى عادت السيطرة على الوضع النقابى لوزارة القوى العاملة رويدا رويدا، تسمح لمن تشاء بإيداع الأوراق حتى لو لم يكن له وجود حقيقى على أرض الواقع وتمنعه عن النقابات الحقيقية، ليتطور الوضع بالنسبة للنقابات المستقلة من الاعتراف والقبول على المستوى العام (فى التصريحات للوزراء والمسئولين) إلى التشكك، والاتهام بالتحريض على الإضراب وتوقيف عجلة الإنتاج، وصولا للعمالة.

الآن يخرج علينا قيادات الاتحاد العام القديمة ــ الجديدة، لتتحدث عن أنها سوف تقاتل من أجل قانون يفرض الوحدة على العمال، معلنين أنهم أصبحوا كتلة داخل مجلس النواب يستطيعون تمرير ما يريدون، خصوصا وأن عددهم تعدى الأربعين عضوا بعد تعيينات السيسى لأعضاء مجلس النواب.

كما نرى بعضهم ممن يتحدثون على شاشات التلفاز (المحتكرة لهم) عن أهمية وحدة التنظيم النقابى من أجل مصلحة العمال، وأنه إذا تعددت النقابات على مستوى المنشأة فمع من يتفاوض صاحب العمل.

وفى الحقيقة لم يقل لنا أيا منهم لماذا لم ينجح فرض الوحدانية على الطبقة العاملة لما يقرب من الستين عاما من الحفاظ على حقوق العمال، ولماذا أدت الوحدانية بهذا الشكل إلى تحكم الأجهزة الأمنية فى مجمل العملية النقابية فى مصر، وإلى فقدان العمال الثقة فى النقابات التابعة للاتحاد العام، والبحث عن تنظيم بديل؟ ولماذا يتغاضون عن قصد عن أن قانون الحريات النقابية لعام 2011 ــ الذى أجرى عليه حوار اجتماعى ووفق عليه من مجلس الوزراء، ورفضه المجلس العسكرى وقتها ــ قد حل مسألة التمثيل والتفاوض فى حال التعدد النقابى داخل المنشأة.

***

فى بعض الأحيان تطل علينا بعض من الوجوه المنتمية للاتحاد الأصفر لتعترف على استحياء ببعض الأخطاء فى الماضى، ويؤكدون أن الاتحاد ونقاباته تغيرت وباتت تدافع عن حقوق العمال، ولم يقل لنا أيا منهم لماذا بعد أكثر من سنتين ونصف على إقرار الحد الأدنى للأجور فى القطاع الحكومى ولم يقر فى القطاع الخاص رغم العلاقة الطيبة بين الاتحاد الأصفر وأصحاب الأعمال، وبماذا نفسر كذب أعضاء البرلمان ممن ينتمون للاتحاد عندما ذكروا بأنهم قد صوتوا ضد قانون الخدمة المدنية بعد سقوطه، واتضح فيما بعد أنهم صوتوا لبقائه ضد رغبة العمال؟ لماذا لا نسمع لهم صوتا بشأن الفصل التعسفى الذى طال أعضاء لجان نقابية تابعة لهم؟

يا سادة الاتحاد العام لنقابات عمال مصر مات وشبع موت، ورائحة عفنه وتحلله تزكم الأنوف، ولا مجال لإحيائه، وإكرام الميت دفنه. وعليكم الآن أن تقروا قانون للحريات النقابية وترفعوا أيديكم عن النقابات، حتى يستطيع العمال تأسيس نقابات حقيقية تعبر عنهم وتدافع عن حقوقهم.
فاطمة رمضان باحثة في الشئون العمالية ومدير برنامج المشاركة السياسية للنساء والشباب في مؤسسة قضايا المرأة المصرية
التعليقات