أولا:
انشغل العالم بتقييم المائة يوم الأولى لحكم الرئيس الأمريكى الجديد أوباما، وقد أتيح لى أن أشارك فى عدد من الندوات والمناقشات سواء فى مناسبات خاصة أو عامة، حول هذا الموضوع، وقد كان واضحا أن هذا الرجل الذى جاء إلى الحكم بعد أسوأ حكم لرئيس أمريكى تعيه الذاكرة، والذى تسلم إرثا من الكراهية العامة للولايات المتحدة حتى بين بعض أعز أصدقائها، وأوضاعا اقتصادية كارثية هددت أسس النظام الرأسمالى المتوحش الذى كانت الولايات المتحدة تفتخر به باعتباره مثالا يجب على العالم أن يتبعه سواء بإرادته أو غصبا عنه، وحربين فاشلتين لم تستطع فيها القوة الجبارة أن تقضى على جحافل من المناوئين، وتمخضتا عن تدمير دولتين، وإشاعة الفرقة والفتنة بين أبناء إحداهما وهى العراق الشقيق، وغير ذلك مما كان قد أصاب فى شبه مقتل روح التفاؤل التقليدية لدى الأمريكيين كما أصاب فى الصميم اقتناع الأمريكى العادى بأن بلاده تتبع ناموسا أخلاقيا عاليا، وذلك بعد اتضاح فضائح التعذيب فى السجون، وإدارة معسكرات اعتقال كان متصورا أنها لا تقوم إلا فى الدول الغازية والمتخلفة، وذلك استنادا إلى فتاوى قانونية زيفت الحقائق القانونية المتفق عليها، وضربت اسوأ الأمثلة من جانب دولة كانت تتباهى أنها حاملة لواء القانون وحقوق الإنسان والديمقراطية والشفافية.
وقد استطاع أوباما فى أشهر ثلاثة أن يغير الصورة ويفرض العدول عن ممارسات وسياسات خاطئة، وأن يحاول إصلاح الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، وأن يكسب شعبية تفوق الشعبية التى وصل بها إلى الحكم، وليس معنى هذا أن الأمور أصبحت وردية سواء فى التعامل مع الشئون الداخلية أو الخارجية، ولكنه يعنى أن هناك فرصة حقيقية أمام العالم ليتواصل مع الولايات المتحدة طهرت نفسها من بعض سوءات الماضى، وأصبحت أكثر استعدادا لأن تنفتح على الآخرين بمصداقية وتواضع واستعداد لكى تستمع وتقتنع وتقنع، ولعل هذه فرصة لنا ولغيرنا لأن نساعدها على أن تصحح أخطاء اساءت الينا وأن تنتهج منهجا أقدر على تحقيق العدل والسلام بين الشعوب على عكس ما كانت تمليه عليها انحيازات غير مبررة إلا بروح الفكر الذى يصل إلى حد العنصرية.
واتصالا بذلك كله فإنى أود أن أشير إلى ما سبق أن كتبت عنه حول الفرق بين مواقف الرئيس أوباما وبعض تصريحات ومواقف وزيرة خارجيته، وإذ يميل البعض إلى تفسير ذلك بأنه توزيع للأدوار فإنه قد يدل على بذور اختلاف فى الرؤى يستحق المتابعة ومراقبة تداعياته الممكنة.
ثانيا:
أتفق معه أحيانا وأختلف كثيرا، ولكن اتفاقنا واختلافنا لا يمنعانى علاقة شخصيته جيدة وإعجابى بقدراته كخبير فى العلوم السياسية التى يستفيد منها فى الدفاع عن قضايا يؤمن بها مقتنعا بأنه ينطلق من رؤية واقعية لمصلحة الوطن من زاويته الخاصة، ذلك هو الصديق العزيز الدكتور عبدالمنعم سعيد زميلى فى مجلس الشورى وزميلى فى كثير من الندوات ومستضيفى أحيانا فى بعض برامجه التليفزيونية المتميزة ولعل أقربها إلى قلبى البرنامج الافتتاحى لإحدى محطات التليفزيون الخاصة حول حرب أكتوبر وتداعياتها والذى استمر خمس ساعات وكان غير مسبوق فى قيمته التاريخية والسياسية.
ومع ذلك كله وبعده فلم أكن أتصور أن يمكن أن أختلف معه فى مجال تخصصه الأصلى وهو العلوم السياسية فهو أستاذ واسع العلم والاطلاع، وأنا ممارس مع ما قد تأتى به الممارسة أحيانا من تشويه ربما للنظريات السياسية، ولكنى هذه المرة مقتنع بأنى أقف على أرض صلبة، استطيع أن أنطلق منها لأحاجج الدكتور عبدالمنعم سعيد حول ما ورد فى مقاله الأخير فى جريدة الشرق الأوسط حول «الثلث المعطل» وأنا هنا أناقش المبدأ والنظرية بعيدا عما انطلق هو منه من ممارسات بعض الأطراف اللبنانية فهذا موضوع آخر.
نتفق جميعا على أن النظام الديمقراطى فى جوهره هو حكم الأغلبية، ولكن حتى لا يصبح هذا الحكم تسلطا للأغلبية فإن بعض الأنظمة الدستورية وضعت له ضوابط لعلى اشير إلى بعضها: بعض الدساتير تشترط صدور القرارات بأغلبية قد تصل إلى التلثين مثلا وليس الأغلبية المطلقة، وهذا يعنى فى النظم الديمقراطية حيث ليس من المعتاد أن تسيطر الحكومة على أغلبية تصل إلى هذه النسبة، إن هناك بالفعل نسبة ثلث معطل، وهو أمر ليس بالغريب، وكذلك فى النظام الدستورى الأمريكى يستطيع عضو برلمان واحد ــ وأكرر واحد ــ أن يعوق بحث موضوع معين، كما يستطيع عضو أو أكثر استخدام أسلوب «الحديث المطول» الذى يسمى Filibvster لتعطيل البت فى قانون، ولم يقل ــ فيما أعرف ــ أحد أن هذا مناف للديمقراطية بل لعله إحدى الضمانات لمنع السيطرة المطلقة للأغلبية، ولا أقول هذا الكلام دفاعا عن مواقف معينة لبعض الأطراف فى لبنان أو غيرها وإنما عرضا لما أظن أنى أعرفه عن بعض ضوابط حكم الأغلبية، وقد يساء استخدامها كما قد يساء استخدام الأغلبية الأوتوماتيكية، ولكن الأمر على أى حال ليس فيما أتصور مأساة من الناحية النظرية، واتحفظ فى النهاية بأنى لست خبيرا فى العلوم السياسية أو المسائل الدستورية ولكنى أجتهد كما يجتهد آخرون بعيدا عن اعتبارات سياسية محددة.
ثالثا:
أسعدنى أن حضرت مناسبة أقامها المنتدى الاقتصادى العالمى وتحدث فيها السيد عمرو موسى أمين عام جامعة الدول العربية، وعلى الرغم من أن إشادتى به فى مناسبة سابقة لقيت نقدا أو سخرية من عمود لا يوقعه صاحبه الذى يخصصه للنقد اللاذع والهجوم الذى يتجاوز حدود اللياقة، بحجة أنى كنت دائما على خلاف مع الزميل عمرو موسى «وهو أمر غير صحيح» أو قل على الرغم من ذلك فإنى لا أتردد فى أن أقول إن كلمته عن مستقبل العالم العربى كانت حكمة بليغة وعميقة وصريحة وقوية كعادته وقد أجاب بنعم على السؤال حول هل هناك مستقبل للعالم العربى؟ موضحا العقبات وأسلوب تجاوزها من متطلبات العمل العربى المشترك، وأثناء اللقاء وزعت على الحاضرين ورقة استفتاء عن الخطر الأكبر الذى يواجه العالم العربى هل هو الانقسام، أم إسرائيل، أم إيران، وطبيعى أن هذا الاستفتاء الذى طرح بطريقة يصعب معها وصف نتيجته بأنها علمية، ولكنه على أى حال كان تعبيرا استرشاديا عن رأى بعض الحاضرين من رجال الفكر والمال والصحافة والدبلوماسية فجاءت النتيجة أن 49٪ يرون أن الخطر هو الانقسام العربى، ومثله رأوا أنه إسرائيل، بينما جاء من يعطون أولوية للخطر الإيرانى 2٪.
رابعا:
صدر تقرير الأمم المتحدة حول قصف إسرائيل أثناء حربها القذرة ضد غزة لمدرسة تابعة للأمم المتحدة ترتب عليه وفاة أربعين فلسطينيا، وقد أشار التقرير إلى أنه امتنع عن إيراد معلومات سرية رفضت إسرائيل الافصاح عنها، ولكنه أشار أيضا إلى استخدام الأسلحة الفوسفورية، وفى نفس الوقت فقد بلغت بجاحة إسرائيل حدا إلى أنها ستوفد وزير خارجيتها إلى دول الاتحاد الأوروبى تهددهم بأنهم إذا استمروا فى توجيه النقد لإسرائيل فإنها ستعترض على أى مشاركة لهم فيما يسمى عملية السلام، وسوف نرى ماذا سيكون عليه الموقف الأوروبى؟.
خامسا:
فى الوقت الذى ورد فى بعض الإذاعات أن منظمة الصحة العالمية أعلنت استقرار الوضع بالنسبة لانتشار إنفلونزا الخنازير ــ الذى غيرت اسمها إلى إنفلونزا من صنف «أ» لأسباب لعلها تعنى أن الخنازير ليست وحدها المذنبة فى هذا الشأن ــ فقد اتخذت الحكومة المصرية قرارات حاسمة اعتقد أنها مهمة رغم أن دولا أخرى لم تتخذ مثلها ولم توص بها المنظمة العالمية، ولكن ذلك يثير أسئلة مهمة وهى هل لدينا الإمكانات للذبح السريع لثلثمائة ألف رأس خنزير، وهل لدينا بعد ذلك إمكانات الكشف عن الذبائح لنرى الصالح منها والطالح، وهل لدينا إمكانات التجميد للحوم غير المصابة لصالح أصحابها، وهل سيكون هناك نظام لتعويض المضارين لا يتأخر صرفه حتى لا ينقطع رزقهم تماما، وكيف سيتم تطهير ثم استخدام الأراضى التى ستخلى من الخنازير وهى أراض كانت تلقى فيها القمامة التى آن الأوان لاتخاذ قرارات حاسمة حول التخلص منها أو الاستفادة منها بأساليب سبقت إليها دول متقدمة كثيرة، وأسئلة حول ما قيل عن تخصيص أرض جديدة لتربية الخنازير على أسس صحيحة سليمة.
أسئلة كثيرة.. إضافة إلى القرارات الحاسمة التى صدرت والتى تشير إلى الاهتمام بصحة المواطنين وهو اهتمام له أولوية ويجب أن يمتد إلى المجالات الأخرى المتعلقة بالصحة العامة إضافة إلى أخطار إنفلونزا الطيور والخنازير وما قد يأتى من أخطار جديدة تضاف إلى الأخطار القديمة.