إقرار هنا... وإقرار هناك - سامح فوزي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 2:10 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إقرار هنا... وإقرار هناك

نشر فى : الأربعاء 3 سبتمبر 2014 - 7:50 ص | آخر تحديث : الأربعاء 3 سبتمبر 2014 - 11:49 ص

تداولت الصحف إقرارا يوقع عليه الطلاب الجدد المقبولون بكلية الآداب جامعة عين شمس، يمثل التزاما من جانب الطالب بعدم ممارسة نشاط سياسى أو دينى إلا من خلال القنوات الشرعية التى يحددها قانون تنظيم الجامعات، ولائحة الطلاب التى تقرها الدولة، وفى حالة مخالفة ذلك يتعرض للعقوبات التى يحددها القانون.

نظريا لا يحمل «الإقرار» جديدا، فمن يلتحق بأى مؤسسة يُفترض أن يلتزم بما تقتضيه اللوائح المنظمة للعمل بها، ويبدو أن الغرض منه هو «ردع» الطلاب من الانخراط فى الاحتجاج والعنف الذى اجتاح الجامعة العام الماضى، وتدعيم موقف الإدارة الجامعية فى حالة الدخول فى خصومة قضائية مع الطلاب المخالفين.

وفى تصريحات صحفية نشرت لاحقا أشار الدكتور عبدالرازق بركات، عميد الكلية المذكورة إلى أنه تم سحب الإقرار الذى وقع عليه الطلاب الجدد من ملف كل منهم، بسبب قلق أولياء الأمور من توقيع أبنائهم على الإقرار.

حكاية «الإقرار» الذى أقر ثم سحب، والحديث برمته على عهدة الصحف التى تنشر الأخبار، ذكرنى بإقرار مختلف يوقع عليه طالب الدراسات العليا فى الجامعات البريطانية، هو إقرار «عدم الغش» ــ ويعنى التعهد بعدم اقتباس أى معلومة دون الإشارة إلى مصدرها، واحترام حقوق الملكية الفكرية للمؤلف بعدم اقتطاع جزء من إنتاجه، ونسبه للذات فى تعد صريح على الاجتهاد والابتكار. عقوبة مخالفة إقرار عدم الغش تصل إلى حرمان الطالب من الحصول على الماجستير أو الدكتوراه. وإذا كان الغش من الكبائر الأكاديمية فى الجامعات المتقدمة، فإن الروايات والحكايات المتواترة عن السرقات العلمية فى الوسط الأكاديمى المصرى كثيرة، ومثيرة، لا تخلو أحيانا من تبجح.

الفارق بين الإقرارين يلخص الهوة التى تفصل بين التعثر العلمى فى مجتمعنا، والتقدم الأكاديمى فى مجتمع مثل بريطانيا. كلا الإقرارين يحملان بصمة «الردع»، لكن مضمون كليهما مختلف، الأول يلخص حالة مجتمع يؤرقه العنف، والاحتجاج، والثانى يشغله التقدم العلمى، وسد المنافذ أمام الغش والتدليس.

مرة أخرى نجد أنفسنا نفكر فى حالة الجامعة المصرية التى يحيط بها البؤس من كل جانب. تجفيف السياسة، وملاحقة الحزبية، والتصدى للعنف قد يؤدى إلى استقرار أحوال الجامعة أمنيا، ولكن تقدمها علميا له مسار آخر، ملامحه معروفه: الارتقاء بقدرات هيئات التدريس، تطوير المناهج والبرامج التعليمية، إشاعة مناخ من الحرية فى البحث العلمى، وتطوير المكتبات بما يعين الباحث على التعرف على ما هو جديد فى مجال تخصصه.. الخ.

الجامعة هى مخرن أفكار التقدم لأى مجتمع. تقدم الجامعة يعنى تقدم المجتمع، وكلما كان التدريس والبحث فى الجامعة مرتبطا بتطوير الواقع، سعد بها المجتمع، واستنار بعطائها.

الجامعة فى بلادنا يشغلها الآن السياسة والعنف، وبالتالى تفكر فى حلول للتعامل معه، ولكن حين يكون شغلها الشاغل هو التعليم، سوف تتجه تلقائيا إلى تدعيم أركانه، ونراها تبحث عن إقرارات أخرى مثل «عدم الغش».

سامح فوزي  كاتب وناشط مدني
التعليقات