من أطلق الرصاص على السادات؟ - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 10:09 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من أطلق الرصاص على السادات؟

نشر فى : الأحد 3 أكتوبر 2021 - 7:45 م | آخر تحديث : الأحد 3 أكتوبر 2021 - 7:45 م
كان اغتيال الرئيس «أنور السادات» فى حادث المنصة الدموى قبل أربعين سنة بالضبط حدثا جوهريا فى التاريخ المصرى الحديث ألقى بظلاله على ما بعده.
فى (6) أكتوبر (1981) سجلت الكاميرات وقائع الاغتيال أثناء عرض احتفالى عسكرى بانتصار أكتوبر.
كانت تلك مفارقة أولى.
بأى حساب سياسى أو أمنى لم يكن مستبعدا احتمال الوصول للرئيس، لكنه لم يتوافر الحد الأدنى من الإجراءات الكفيلة بمنع ذلك الاحتمال.
وكانت تلك مفارقة اخري.
قبل شهر واحد من حادث المنصة جرت أخطر وأوسع حملة اعتقالات فى التاريخ المصرى الحديث، شملت قيادات فكرية وسياسية وصحفية من أجيال وتيارات مختلفة ورجال دين كبار مسلمين ومسحيين دون مسوغ مقنع باسم وأد الفتنة أطلق عليها فى الإعلام ثورة (5) سبتمبر.
أفلتت الحوادث عن كل قيد والتفاعلات عن أى احتمال.
بدا كل شىء محتملا فى أجواء عصبية سادت البلد، التصرفات والأفعال.
لم يكن أحد يعرف ما قد يحدث غدا، أو إلى أين تندفع الحوادث اللاهثة.
غلبت «السادات» عصبية مفرطة فى اللفظ والفعل إلى حدود يصعب أن يحتملها أى نظام دون اهتزازات عميقة تفضى إلى تقويضه.
باليقين فهو يتحمل المسئولية الأولى عن تسميم المجال العام وإشاعة الفتن فى جنباته.
كانت مقاليد السلطة استتبت له عندما داهمت نيران الفتنة الطائفية مصر يوم (٦) نوفمبر (١٩٧٢) فى مركز «الخانكة».
لماذا هبت الفتنة فى ذلك الوقت بعد عقود طويلة خمدت فيها نيرانها؟
ينسب لتجربة «جمال عبدالناصر» أنها ضربت الأساس الاجتماعى للنخبة القبطية وجردتها من أراض وممتلكات ومصانع بالقوانين الاشتراكية.
هذا اتهام شائع وله صدى، رغم أن القوانين نفسها طبقت بلا تمييز واستفادت من ثمارها الطبقة الوسطى والفئات المحرومة بغض النظر عن الانتماء الدينى.
بقدر عمق التحولات وما انطوت عليه من فلسفة اجتماعية تعمل بقدر ما تستطيع على إشاعة العدالة والمساواة وإعلاء قيمة المواطنة تأكد التماسك الوطنى وخفتت النزعات الطائفية إلى حدود كبيرة.
ما الذى استدعى الفتنة من مكامنها، ولم يكن النظام الجديد قد كشف عن توجهاته فى النظر إلى حقوق المواطنة والبلد يتأهب لخوض حرب تقرر مصيره؟
تبدى احتمال أن يكون هناك من طلب إرباك الوضع الداخلى، أو تفجيره بالفتن، قبل أية مواجهات عسكرية منتظرة، لكنه لم يثبت ولا قام عليه دليل.
أرجح الاحتمالات هو الجو العام نفسه.
لم يكن الرئيس الجديد مقنعًا لقطاعات كبيرة من المواطنين بقدرته على ملء فراغ سلفه الراحل، وريح المعارضة تهب عليه من داخل نظامه وخارجه على السواء.
بدأ التفكير مبكرًا، وهذا ثابت ومؤكد بشهادات واعترافات، فى استخدام الورقة الدينية لضرب التيارين الناصرى والماركسى.
جرت اتصالات لعودة أقطاب جماعة «الإخوان المسلمين» من الخارج والتصالح معها.
برز فى الحلقة المقربة «محمد عثمان اسماعيل» محافظ أسيوط الأسبق صاحب العبارة الشهيرة: «أعداء النظام ثلاثة، الشيوعيون والناصريون والأقباط».
وكان قد شرع فى تأسيس «الجماعة الإسلامية» بالجامعات المصرية لمواجهة الطلاب اليساريين الذين يعارضون «السادات».
كانت اللعبة فى بدايتها لم تأخذ بعد كامل أبعادها مثل إعلان «السادات» أنه «رئيس مسلم لدولة مسلمة»، لكنها وفرت بيئة سلبية احتضنت الفتنة وزكت نيرانها، التى داهمت المصريين على غير توقع أو انتظار.
شكلت لجنة برلمانية لتقصى الحقائق ترأسها الفقيه القانونى الدكتور «جمال العطيفى»، انتهت بعد عشرين يومًا إلى استخلاصات وتوصيات لاقت قبولًا عامًا، لكنها أودعت الأدراج إلى الأبد!
بمضى الوقت استقرت حقائق المشروع المضاد لثورة (23) يوليو.
تفكيك الاقتصاد الوطنى أسس لطبقة جديدة وظيفتها مساندة نوع معين من السلام.
وتفكيك نظرية الأمن القومى أسس لتراجع المكانة المصرية فى محيطها وقارتها وعالمها الثالث.
كان ذلك تكريسا للمناخ العام المسمم، الذى أفضت تداعياته إلى حادث المنصة.
«ـ هل ينفعنا قتل مليون؟».
«ـ قد ينفعنا قتل واحد فقط».
كان ذلك حوارا تخيليا فى رواية «نجيب محفوظ» «ليلة مقتل الزعيم» بين بطلى الرواية بداعى اليأس من إتمام مشروع زواجهما فى زمن الانفتاح بعدما خطبا فى زمن الناصرية.
فى ذلك النص الروائى جرت إدانة عملية اغتيال «السادات» على لسان الخطيبة «راندة سليمان مبارك»: «يا للفظاعة! ألا توجد وسيلة إلا القتل».
بتعبير وزير داخليته «النبوى اسماعيل» (٢٠٠٣): «الجماعات الأصولية عفريت أخرجه السادات من القمقم ولم يعرف كيف يصرفه».
بعد حادث المنصة دخلت مصر فى موجات متلاحقة من العنف والإرهاب أمكن السيطرة عليها بتكاليف باهظة، لكنها لم تستوعب ضرورات الانتقال إلى دولة مدنية ديمقراطية حديثة.
هاجس التيارات الإسلامية لم يصنع وحده مشهد الأعصاب المنفلتة.
بدت المعارضة المدنية المتزايدة هاجسا آخر دعا «السادات» إلى الزج برموزها فى السجون.
فى التوقيت نفسه ضغطت على أعصابه شكوك عميقة أن هناك من يحرض على التخلص منه داخل دائرة الحلفاء المفترضين.
مطلع يناير (1981) نشرت صحيفة «الجيروزاليم بوست» الإسرائيلية أن مسئولا مصريا بارزا فى ذلك الوقت نصح الرئيس «السادات» بـ«ضرورة تنظيف المنزل»، فـ«البلد لا يحتمل صراعًا سياسيًا ولا صراعًا على السلطة»، وأنه حذر الرئيس من أن السفارة الأمريكية بالقاهرة تبدى اهتمامًا كبيرًا بصراعات السلطة، وأن هناك تقريرًا جديدًا للاستخبارات الأمريكية يتوقع أن يغادر «السادات» السلطة بعد عشر سنوات من توليها، أى فى أكتوبر المقبل، وهو ما حدث بالفعل.
بغض النظر عن أى أسرار وخفايا فى قصة اغتيال «السادات» فإنه كان هناك فعلا من يرى أن التخلص منه يفضى للوصول إلى نقطة استقرار مستدامة دون أى اضطرابات تتسبب فيها طبيعة شخصيته.
الجماعات الإسلامية تولت إطلاق النار، هذا ثابت ومؤكد، لكن «السادات» يتحمل المسئولية الرئيسية عن الدفع بالحوادث إلى المنصة الدامية.