«مسك التل».. سؤال الواقع من قلب الخيال - محمود عبد الشكور - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 6:12 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«مسك التل».. سؤال الواقع من قلب الخيال

نشر فى : الخميس 4 يناير 2018 - 9:10 م | آخر تحديث : الخميس 4 يناير 2018 - 9:10 م

هذه رواية من أهم وأفضل روايات 2017، فيها مكر الفن، وبراعة المعنى والمغزى، تضع مؤلفتها قدما فى الواقع، وقدما فى الخيال، لكى نرى الصورة أعمق وأوضح، وتقدم التحية للمرأة عموما، بنفس القدر الذى تقدم فيه التحية لبطلات الروايات، ولفن الرواية العابر للأزمان.

سحر الموجى مؤلفة رواية «مسك التل»، الصادرة عن دار الشروق، تختار بطلات روايات شهيرات، وتنسج من لقائهن حكاية واحدة، وتضيف إليهن شخصيات جديدة معاصرة، وتضع الجميع أمام سؤال الحياة بكل تجلياته: ماذا فعلت الشخصيات بحياتها؟ وهل يمكنها أن تستمر من دون مواجهة للماضى؟ وهل يمكن أن يصبح للحياة أصلا أى معنى من دون أن تتحقق وأن تتمرد وأن تخرج من ذاتك إلى العالم؟

ولأن هذه الأسئلة «وجودية» لا تختص بزمن أو بمكان محدد، فإن لعبة الرواية الأساسية هى تجاوز الزمان والمكان، وتجاور الحقيقة والخيال، وتلاقى شخصيات من روايات أجنبية ومصرية، وحضور الطبيعة الأوروبية بجوار السيدة زينب وجزيرة الروضة، واستدعاء أجواء الروايات التى جاءت منها البطلات، بذات الدرجة التى يستدعى فيها زمن الأحداث فى القاهرة المعاصرة (من مايو إلى ديسمبر 2010)، سؤال الحياة هروبا أم مواجهة، انكفاء على الذات، أم تحققا بالخروج إلى العالم، يظل دوما حاضرا فى كل مستويات السرد، وهى لعبة ممتعة حقا، تكشف عن روائية بارعة.

بطلاتنا ثلاث: «أمينة» بطلة ثلاثية محفوظ، و«كاثرين إرنشو» بطلة «مرتفعات ويذرنج» لإميلى برونتى، والطبيبة مريم التى هى أيضا شخصية روائية (صنعتها سحر الموجى). ظهور «أمينة» و«كاثرين» فى حياة مريم التى اعتزلت الحياة تقريبا، سيغير حياة الأخيرة، كما أن حضور أمينة وكاثرين من زمنهما الغابر لتعملا فى قاهرة 2010، سيغير منهما، وسيجعلهما فى قلب الحياة بكل تناقضاتها.

الطبيبة النفسية مريم التى حاولت الانتحار، لن تصدق حكايات أمينة وكاثرين عن بيت تسكنه أبطال الروايات معا، ولكن مريم ستجد نفسها يوما فى نفس البيت. فكرة البيت الذى يجمع بطلات الروايات تكسر مبكرا حاجز الزمان والمكان، ما يتيح اختبارا لسؤال الحياة بين أكثر من زمن وجيل وبلد، كما أن بيت بطلات الروايات يؤكد خلود الفن، الشخصيات صارت حية من جديد، أو بمعنى أدق بعثت مرة أخرى من خلال رواية معاصرة. وهكذا يعبر المسك المقبل من التلال القديمة، زمانا ومكانا، كل الأزمان، ليصل إلى البطلات فى القاهرة 2010، لعلها الرائحة التى تذكر كل امرأة (وكل إنسان) بأن يعيش حياته، وبأن يكسر قوقعته: تتحرر «مريم» من شعورها بالذنب، ومن اكتئابها، وتتحرر «كاثرين» من كوابيسها، وتتحرر «أمينة» من قيودها بالقراءة، وبالعمل، بل إنها تواجه مستقبلها وحفيدها، ولا شىء يمكن أن يحقق هذه القراءة الأعمق للواقع مثل خيال الرواية والروائيين، الذين يعيدون تشكيل الحياة مثل قطعة الصلصال.

البيت الذى تعيش فيه بطلات الروايات يطلقون عليه بيت السيرينت، أى تلك الكائنات الأسطورية الإغريقية، اللاتى تمتلكن أجساد الطيور، ووجوه النساء، يقولون إنهن مثل النداهات، تستدرجن البحارة إلى الهلاك بالصوت الجميل، وفى روايتنا حضور وصوت السيرينتات يستدرج بطلاتنا إلى التمرد والخروج والتحليق، إنه يشبه صوت الحياة التى تستحق أن تعاش، لا أن نخاف منها.

«مسك التل» تحتفى بفن الرواية باعتباره فن الحياة والسؤال، تنتهى الرواية بنهاية 2010، ولكنك تعلم أن العام التالى سيحمل تمردا جماعيا فى مصر، يتسق مع معنى الخروج من الشرنقة، وتنتهى الرواية بلقاء «أمينة» و«مريم» مع «فيرجينيا وولف» فى القاهرة القديمة، تتحدثن عن ساكنات بيت بطلات الروايات، وعن رائحة المسك، ولكنك تعلم أن تلك الرائحة لن تمنعها حدود أو حواجز، ما بقيت هناك روح تسأل، وعين ترى، ومهما كان وجع الشوف.

محمود عبد الشكور كاتب وناقد سينمائي وأدبي مصري
التعليقات