ثالوث المخاطر.. النفط والتضخم والتمويل - محمد الهوارى - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 9:10 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ثالوث المخاطر.. النفط والتضخم والتمويل

نشر فى : الجمعة 4 مارس 2022 - 10:10 م | آخر تحديث : الجمعة 4 مارس 2022 - 10:10 م
هناك علاقة اضطرادية بين حالة الظروف المالية والنقدية العالمية من جانب وبين سهولة التمويل وتقييم الأصول من الجانب الآخر. فكلما أصبحت تلك الظروف سهلة أصبح التمويل سهلا، حتى للجهات التى تعانى من ضعف فى مالياتها، وزادت المبالغات فى تقييم الأصول. والعكس صحيح: فكلما تم تشديد الظروف المالية والنقدية تزداد صعوبة التمويل وتعود التقييمات إلى المعدلات الطبيعية وتقل المبالغات فيها.
هذه هى خلاصة تجربة العالم الاقتصادية أثناء أزمة الكوفيد وما تلاها، وما نعيشه اليوم. بدأت التجربة بالبنك الفيدرالى الأمريكى ثم تبعه البنك المركزى الأوروبى وباقى البنوك المركزية، وكلهم قاموا بتسهيل السياسة النقدية خلال ضرب الكوفيد لاقتصادات العالم. فى الوقت نفسه، قام الكونجرس الأمريكى متبوعا بالبرلمان الأوروبى وباقى دول العالم بتسهيل السياسة المالية أيضا عن طريق إطلاق حزم تحفيزية مختلفة. أدى ذلك إلى عدة نتائج تهمنا منها نتيجتان:
سهولة التمويل حتى للجهات ذات المراكز المالية الضعيفة.
ارتفاع أسعار كل أنواع الأصول فى العالم بداية من العقارات مرورا بالأسهم والسلع الأساسية وحتى ما لا قيمة له مثل العملات المشفرة «الكريبتو» وهذا السراب المسمى بالـNFT (Non Fungible Tokens) وأنا هنا لا أتحدث عن التكنولوجيا المستخدمة فهى بالتأكيد ذات قيمة، ولكنى أتحدث عن سوق لبيع وشراء كيلوبايت من البيانات دون طريقة معيارية أو حتى معقولة لتقييم وتداول هذه البيانات، وهذا حديث لوقت آخر.
أما الآن وقد بدأت البنوك المركزية بقيادة الفيدرالى الأمريكى مرة أخرى فى تشديد السياسة النقدية، واختفت حزم التحفيز المالية خوفا من تفاقم التضخم، فقد بدأنا نرى انعكاس ذلك على أسواق المال والتمويل العالمية. بدأ سعر الفائدة فى الارتفاع وأصبح الممول أكثر تدقيقا فى الجهة التى تتلقى أمواله. سوق التمويل هو سوق قياس المخاطر، تشديد السياسة النقدية والمالية يؤدى إلى ارتفاع المخاطر خاصة لمن يعانون من ضعف موازناتهم. بدأت الأصول أيضا فى الدخول فى دورة إعادة تقييم. ارتفاع المخاطر يدفع لأن يكون المستثمر أكثر تدقيقا فى تقييم الأصول التى يشتريها. نتج عن ذلك بداية هبوط فى أسعار أغلب الأصول المتداولة مثل الأسهم والسندات. أهم أهداف الحكومة الأمريكية والبنك الفيدرالى هو كبح التضخم. التشديد فى السياستين المالية والنقدية لن يتوقف حتى ينال من أسعار الكثير من السلع والخدمات. فإذا صاحب التشديد فى السياستين إعادة تدوير عجلة سلاسل التوريد بكفاءة تقترب من المعدل الطبيعى، فالنتيجة الحتمية ستكون هبوطا ولو مؤقتا فى أسعار الكثير من السلع والخدمات. أيضا يتجه العالم حاليا لرفع العديد من القيود التى فرضها الكوفيد. بدأت معظم دول أوروبا فى إلغاء القرارات الاستثنائية وستتبعها الولايات المتحدة ثم دول أفريقيا وآسيا. هذا يعنى عودة الحركة السلسة لسلاسل التوريد حتى وإن تأخرت قليلا. مما يعنى أن العالم سيدخل مرحلة يزداد فيها الإنتاج، وبالتالى يزداد جانب العرض فى المعادلة الاقتصادية الشهيرة. فى الوقت نفسه، تشديد السياسة المالية والنقدية سيؤثر سلبا على جانب الطلب. النتيجة الحتمية ستكون كبح جماح التضخم ولو مؤقتا. أما بالنسبة لنا فى مصر، فبينما يعنى ذلك انخفاض الضغط على مالياتنا من جانب التضخم العالمى فهو يعنى أيضا ازدياد صعوبة الحصول على التمويل الأجنبى الذى سيصبح أكثر تدقيقا وأقل مرونة مع اقتصادات الدول النامية.
منذ نحو أربعة أشهر، نشرت مقالين بعنوان «عودة الانفلاشونيستا» توقعت فيهما أن التضخم العالمى لن يخرج عن السيطرة. أستثنى من ذلك بعض السلع والخدمات التى لها ديناميكية خاصة فى العرض والطلب، وأعطيت مثالا على ذلك النفط. أوضحت أن اهتمام الدول المتقدمة بمصادر الطاقة البديلة والمتجددة تسبب فى تراجع الاستثمار فى مجالات الوقود الحفرى Fossil Fuels وبدأنا نرى بوادر نتائج هذا التراجع الذى يبدو أنه كان مبكرا أكثر من اللازم فى توقعات استمرار ارتفاع أسعار النفط فى الفترة القادمة. والنفط بالذات له أهمية خاصة. هو أهم السلع على الاطلاق فهو يدخل فى تركيبة سعر جميع السلع والخدمات فى صورة تكلفة وقود للانتاج أو الانتقال أو كلاهما. يقال إن النظام الاقتصادى الحديث قائم على النفط ولذلك تسيطر الولايات المتحدة على تجارته عن طريق استخدام الدولار كعملة رئيسية لمعاملات النفط العالمية. منذ عشر سنوات يوجد لعبة قط وفأر يلعبها المنتجون التقليديون فى تحالف الأوبك+ (الأوبك مضافا إليه روسيا) ومنتجى النفط الصخرى فى الولايات المتحدة. الأوبك+ أثبتوا أن لديهم القدرة للتحكم فى حجم إنتاجهم بصورة معقولة، وفى نفس الوقت لديهم قدرة إنتاجية فائضة خاصة دول الخليج وأهمهم على الإطلاق السعودية. هذه القدرة الإنتاجية تجعل السعودية أهم منتج يستطيع التأثير على تأرجح حجم الانتاج، وبالتالى السعر ويسمونها Swing Producer. بعبارة أخرى اذا كان هناك بنك مركزى للنفط فى العالم فهو المملكة العربية السعودية. السعودية استطاعت فى مستهل أزمة الكوفيد أن تخيف منتجى النفط فى العالم عندما دخلت فى عناد مع روسيا نتج عنه هذه اللحظة الهزلية حين أصبح سعر برميل النفط بالسالب. بعد ذلك عاد جميع منتجى الأوبك+ إلى حظيرة التكتل ملتزمين ومستفيدين من استمرار ارتفاع السعر. على جانب آخر، منتجو النفط الصخرى عانوا سنوات فى منتصف العقد السابق من تدنى الأسعار مما نتج عنه إعادة تقييم أولوياتهم وتوقفهم عن الاستثمار فى تطوير حقول جديدة، وبالتالى هم الآن يستفيدون من ارتفاع الأسعار مما يدعم مكاسب المستثمرين وفى نفس الوقت ليسوا على عجالة لوضع استثمارات جديدة. يزيد على ذلك المواجهة العسكرية والسياسية الدائرة حول أوكرانيا والتى من شأنها أن تؤثر على ديناميكية أسواق النفط، فالنفط والسياسة متداخلان منذ عقود، عندما تحول النفط لمكون أساسى فى حياتنا اليومية. إن لم يتغير شىء فى هذه المعادلة، فسوف يعقب الانخفاض المتوقع فى أسعار النفط ارتفاعا مؤكدا مستفيدا من عدم وجود زيادة ملموسة فى حجم الإنتاج، وفى نفس الوقت ازدياد الطلب مع عودة عجلة الاقتصاد العالمى فى الدوران. كل هذا يزيد من أهمية خطوة الحكومة المصرية التى قامت بها أخيرا فى التحوط من أسعار النفط والمحروقات، وكذلك اتجاه الحكومة للتحول إلى الطاقة البديلة والمتجددة والتى ستقلل من تأثرنا بأسعار النفط العالمية ولعبة القط والفأر التى تحدث فى هذه السوق.
محمد الهوارى مدير صناديق استثمار دولية
التعليقات