** خمس دببة أو«خمسة دبدوب، أو خمسة دباديب»، وضعت بليل حالك فى قلب ميدان التحرير فى إطار الاحتفال بافتتاح قناة السويس. أصابت الصدمة كل صاحب ذوق. لم تهتز شعرة طفل مصرى واحد إعجابا بتلك اللعبة العبيطة، البليدة، البلدى. وعندما أطل علينا النهار كانت جماعة الدبدوب قد رحلت، أو أزيلت، خجلا وخضوعا لرأى عام تشكل فى لحظة.. وقد كان ذلك مثالا حيا لذوق الذين يشوهون ميادين مصر وهم يظنون أنه تجميل. تماما كما انتشرت فى فترة النافورات السيراميك، التى جعلت الميادين مجرد حمامات.
** فارق الزمن والفكر والذوق تجسده أغنية فرقة رضا «فدادين خمسة خمس فدادين» فى الستينيات من القرن الماضى بمناسبة قانون الإصلاح الزراعى. وهذه السخرية التى انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعى بعناوين مثل: «دباديب خمسة خمس دباديب».
** صوتنا راح، وجفت الأحبار فى الأقلام، ونحن نقترح منذ زمن بتزيين ميادين القاهرة والمحافظات بأعمال فنية حقيقية، كما يزين تمثال نهضة مصر الطريق إلى جامعة القاهرة. وهو عمل فنى للفنان محمود مختار بدأ يعمل به عام 1918، وانتهى منه عام 1920، وتم عرضه فى معرض الفنون الجميلة السنوى فى باريس ونال إعجاب المحكمين والرواد من المهتمين بفن النحت. وعندما ذهب سعد زغلول إلى فرنسا وشاهد التمثال المصرى طلب وضعه فى قلب مصر. وأسهم الشعب المصرى فى اكتتاب عام لإقامته ثم أكملت الحكومة النفقات، وفى 20 مايو عام 1928 أقيمت حفلة كبرى فى ميدان باب الحديد ــ (رمسيس حاليا) لإزاحة الستار عن التمثال الذى نقل إلى ميدان جامعة القاهرة فى عام 1955.
** مصر بلد الحضارة الفرعونية، يمكن أن تزين ميادينها عشرات الأعمال الفنية التى ستكون متحفا مفتوحا.. وفى دول أخرى مثل اليونان ترى ميدان به قطعة حجر ضخمة، وتسلط عليها الأضواء ليلا، وتراهم يفخرون بالحجر باعتباره أثرا.. وإذا كنتم ستقولون إن الآثار قد تسرق، فهذا نرد عليه بأن تمثال نهضة مصر لم يسرق، وأن الميادين يمكن أن تزين بأعمال فرعونية عملاقة، وقد كان الكثير من أعمالهم عملاقا لا يمكن سرقته.. فمن هو هذا الحرامى الذى سيحمل تمثالا يزن عدة أطنان ويرحل به وهو كى يفعل ذلك يحتاج إلى ونش وعمال ووقت..؟ وصحيح أنه حدث فى نهاية القرن الماضى أن سرق ونش عملاق من ميدان، وأنه كان يمكن سرقة قطار وتهريبه إلى الصحراء فى ذلك الوقت، وأنه حدث منذ سنوات قليلة أن سرق منبر مسجد قايتباى، إلا أن اللصوص تركوا لنا مع جزيل الشكر لهم، المسجد الأثرى الذى يعود إلى العصر المملوكى فلم يكن الوقت كافيا لتفكيك المسجد والرحيل به.
** عقدة سرقة الآثار عطلت تجميل مياين مصر عشرات السنين.. ولا ننصحكم بوضع قناع توت عنخ آمون.. فقط حجارة تزن أطنانا، وتماثيل وأعمال عملاقة لا يمكن حملها وسرقتها.. ففى المخازن آلاف القطع الأثرية التى تصلح للعرض، وتأسيس متحف مصرى مفتوح ينثر الحضارة وينشر الجمال، بدلا من هذا القبح الذى كان فى صورة خمس دببة فى ميدان التحرير..!