إسرائيل الخاسرة على المدى الطويل - أيمن أبو المجد - بوابة الشروق
السبت 4 أكتوبر 2025 10:01 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. هل تنجح خطة الـ21 بندًا لترامب في إنهاء حرب غزة؟

إسرائيل الخاسرة على المدى الطويل

نشر فى : السبت 4 أكتوبر 2025 - 7:35 م | آخر تحديث : السبت 4 أكتوبر 2025 - 7:35 م

يظن البعض أن الصراع على القضية الفلسطينية في الطريق للانتهاء بعد مشاهدة ما تفعله إسرائيل حاليًا بوحشية تاريخية، ويظنون أنهم انتصروا ونجحوا في تحقيق أهدافهم، بينما التقييم الموضوعي في الحقيقة يختلف تمامًا عن ذلك، حيث إن قدرتهم على تحقيق ما يريدون في غزة تنخفض يومًا بعد يوم، والضفة الغربية يسكن فيها عدد أكبر من الفلسطينيين، وبالتالي فالقضية الفلسطينية ما زالت حية جدًا، بل ربما أكثر من أي وقت مضى، حيث يقف معها جميع، نعم، جميع شعوب العالم ويضغطون بقوة على حكوماتهم للتدخل.
نعم، تلك الحكومات تحت رحمة السيطرة الأمريكية، والأخيرة ما تزال تحت السيطرة الصهيونية، ولكن في النهاية لا يستطيع أي حاكم أن يصمد كثيرًا تحت ضغط شعبه، ولابد أن يرضخ لإرادته في النهاية.
نعم، الصهاينة يهتمون أكثر بالطبع بأمريكا، ومتغلغلون في المجتمع ومؤثرون جدًا عليه، أو للدقة كانوا مؤثرين جدًا عليه لضمان تحيزه التام لهم، حيث يدركون جيدًا أن أمريكا كل شيء لإسرائيل. ويرى الكثيرون أن ما يفعله نتنياهو ليس إلا السعي لتحقيق أهداف إسرائيلية قديمة ومعروفة، لكن في رأيي الشخصي هناك بُعد آخر وراء ما يحدث، حيث إن تلك الأهداف في السيطرة على المزيد من الأرض ليست جديدة، ولم يحدث شيء من قبل، فما الذي حدث ليؤدي إلى تلك التطورات الخرافية عبر العامين الماضيين؟
الدستور الأمريكي لا يسمح بأكثر من مدتين بإجمالي ٨ سنوات لرئيس الجمهورية إلا في ظروف نادرة، وذلك لأن دور الرئيس هو خدمة مصالح الشعب، ولكن عندما يجلس في السلطة لمدة طويلة، تدريجيًا يذوب الحاجز بين الرئيس بحدوده والدولة، ثم يظن أنه هو الدولة، وأن ما هو في مصلحته الشخصية يصبح مصلحة الشعب والدولة، وهناك بالطبع أمثلة كثيرة عن هذه الظاهرة عبر التاريخ العالمي.
نتنياهو يعتبر أطول من جلس على مقعد السلطة في المنطقة كلها، رغم ما يدعونه عن أهمية الديمقراطية وتداول السلطة، إلخ... إلخ... إلخ... وهو نرجسي شرس جدًا وعنيف جدًا في السعي بجميع الوسائل لتحقيق مصلحته الشخصية، وهو حاليًا يرى أنه "الدولة"، ومصلحته هي مصلحة الشعب، ودائمًا ما يضع الخطط لكل مرحلة تفاديًا لترك السلطة، خاصة بعد المشاكل القانونية المخيفة التي يتعرض لها والتي لن يستطيع أن يهرب منها، بل فقط يؤجلها طالما الدولة في حالة "حرب"!
بالطبع أي حرب لها دائمًا حسابات الربح والخسارة، فلا يريد أحد أبدًا أن تكون خسائره وخسائر شعبه أكبر من أي فائدة محتملة، ولنا في ذلك مثل اليابان التي اضطرت للاستسلام لأمريكا في الحرب العالمية الثانية بعد ضرب هيروشيما وناجازاكي بالقنبلة الذرية، رغبةً في عدم زيادة خسائرهم وخسائر شعبهم.
لكن إذا حسبنا كمّ الخسائر الإسرائيلية، سنجد أنها كثيرة جدًا جدًا جدًا، ومهولة في حجمها، وتجعل مستقبلها يواجه أكبر تحديات في تاريخها منذ عام ١٩٤٨، بل تزداد تلك الخسائر يومًا بعد يوم بسرعة مهولة لا يكترث لها نتنياهو النرجسي، الذي لا يبالي إلا بمصلحته قبل مصلحة شعبه، الذي سيتركه في يوم ما في وضع أسوأ مليون مرة من يوم دخوله السلطة!
كيف؟
أولًا: منذ عام ١٩٤٨ إلى أكتوبر ٢٠٢٣ نجحت إسرائيل في جعل نظرة جميع دول العالم لها أنها دولة صغيرة محبة للسلام، ظهرت بعد اضطهاد رجل الغرب الأبيض لها، وأنها نجحت في تحقيق معجزات علمية وتكنولوجية وأخلاقية وسط مجموعة من الدول العنصرية التي تكرهها وتريد القضاء عليها، وبالتالي أصبح العطف على الشعب الإسرائيلي هو أساس التعامل معهم، وأساس التعاون والاستجابة لكل طلباتهم ورغباتهم، بل وأطماعهم أيضًا. وسارت الأمور لصالحهم تمامًا بعد توغلهم في المجتمع الأمريكي حتى سيطروا تمامًا على فكر ونظرة الشعب لقضايا المنطقة العربية، بعد سيطرتهم التامة على معظم مرشحي الحزبين لضمان الولاء والطاعة التامة لهم، حتى إنه اتضح مؤخرًا أنه أثناء حرب الـ ١٢ يومًا مع إيران، كان من المعتاد أن يقتحم أعضاء الجيش الإسرائيلي غرف جنرالات البنتاغون محاولين فرض رغباتهم، مما أغضب الكثير منهم من هذه العنجهيّة المفرطة!!!
والحقيقة أن هذه العنجهيّة والغرور المرضي لم يكونا يظهران من قبل، فلماذا ظهرا الآن؟ خاصة من دولة اعتادت على تمثيل دور المسكين حتى أتقنته على مدى عشرات السنين، وأصبح عنصرًا رئيسيًا في تكوين الرأي العالمي الذي يمثل قمة الحيوية لهذه الدولة؟
في رأيي، إنهم فقدوا الأمل تمامًا في قدرتهم على السيطرة على الرأي العالمي بعد أن شاهد البلايين من البشر جرائمهم في غزة من خلال الإعلام التقليدي مثل الجرائد الكبرى والقنوات الإخبارية، وبدأوا تدريجيًا في محاولات فرض الرقابة التامة عليه، ثم على وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك، والتي أيضًا تفرض حاليًا الرقابة على ما يُنشر بخصوص غزة، وقد شاهدنا مؤخرًا نتنياهو وهو يتحدث إلى مجموعة من المؤثرين على السوشال ميديا (يدفعون بسذاجة وغباء ٧٠٠٠ دولار لكل بوست لهم يدافع عن إسرائيل)، حيث كان يلقّن الحضور، الذين قام بتسميتهم "فصل" (class)، بأن بعد السيطرة على تيك توك أصبح أهم شيء حاليًا هو العمل على السيطرة على تويتر X، حيث إنها آخر وأهم منصة سوشال ميديا تبث مناظر ما يحدث في غزة لجميع شعوب العالم التي أصبحت جميعها في حالة غضب غير مسبوق من إسرائيل، ومما يفعله نتنياهو في الشعب الفلسطيني.
وإن كان في ظني أن المعركة الكبرى الحالية مع إيلون ماسك تختلف تمامًا تمامًا عن أي معركة أخرى، نظرًا لأنه ليس فقط أغنى رجل في العالم، ولكن لأن عقيدته مضادة تمامًا لما تفعله إسرائيل، وهو بالطبع استوعب ما قاله نتنياهو وقام بالرد فورًا، حيث نشر على موقعه هجومًا عنيفًا على إحدى أهم وأكبر المؤسسات الصهيونية في أمريكا، ألا وهي الـ ADL ورئيسها جوناثان جرينبلات، وقام بوصفها بالعنصرية وأنها تعمل على تدمير الرجل الأبيض.
وسنرى الأيام القادمة تسارعًا شديدًا في هذه المعركة الحيوية جدًا، بل والمصيرية للشعب الأمريكي والإسرائيلي والعربي!!!!!!
ثانيًا: كي يحقق نتنياهو أهدافه بالقيام بحرب غزة الشرسة، كان يعلم أنه سيجد صعوبة في جعل جنوده يقومون بعملية قتل وحشية لشعب أعزل به الكثير جدًا من الأطفال، ولذلك قام منذ سنوات بحملة غسيل مخ لشباب شعبه حتى يصبحوا "مؤهلين" للقيام بأمور غير آدمية مثل إطلاق الرصاص على أطفال، وظن أنه نجح في ذلك، ولكن في المقابل جعل هؤلاء الشباب منزوعي الآدمية يتصرفون تصرفات شاذة سيكوباتية، فرأينا جنودًا يلبسون ملابس داخلية نسائية خاصة بأهل بيوت غزة، وشاهد العالم كله كيف ترقص بعض بنات جيشهم رقصات ماجنة وهن بملابس الجيش ويحملن الأسلحة فوق قبور الأطفال، والكثير من التصرفات الدالة على شذوذ أبناء هذا المجتمع، مثل السخرية من عدم وجود مدارس في غزة لأننا قتلنا كل الأطفال هناك!
من الغباء، أو بالأصح بسبب النرجسية المفرطة، يظنون أنه بالمال سيجعلون أتباعهم من المرتشين على الميديا يغيرون نظرة العالم، ليس فقط إلى نتنياهو، بل إلى أبناء شعبه الذي يدّعي أنه يعمل لمصلحته بنداء ديني تاريخي، بينما الحقيقة أنه ليس من المتدينين إطلاقًا، بل علماني. وهناك مقولة شهيرة تقول:
‏You cannot unsee what you have seen
فالعالم كله شاهد بعينه ما حدث على مدى سنوات، وهو لن يستطيع أن ينكر لنفسه ما شاهده.
ونتنياهو يدرك ذلك جيدًا، ولذلك غيّروا المنهج من أسلوبهم التقليدي بأنهم الضحية التاريخية منذ الحرب العالمية الثانية إلى أسلوب معاكس تمامًا، ألا وهو: "نعم، نحن الأقوياء والمسيطرون، وعليكم أن تخافوا منا، وإلا سنغتالكم أو سنحاربكم في مصدر قوتكم أو في زوجاتكم، بل وأولادكم أيضًا!"
بالطبع هذا أسلوب لن يصمد كثيرًا، وخسائره عليهم على المدى الطويل مهولة، حيث خسروا كل شباب العالم وقادة المستقبل الذين أصبحوا شديدي الحساسية من أي شيء صهيوني ولو من بعيد.
تضحيات نتنياهو بشعبه ليس لها حدود، حيث يرى أنه الدولة والشعب، ومصلحته الشخصية قصيرة الأجل أهم من أي شيء آخر، بما فيها مستقبل وطنه وشعبه!
هذه هي الإضافة:
وبالطبع شاهدت جميع شعوب العالم تلك التصرفات الغريبة التي جعلت شعب نتنياهو يجد نفسه في موقف صعب ومغضوب عليه أينما يذهب في جميع دول العالم، بل وأصبح من الصعب جدًا على حكام تلك الدول مساندة نتنياهو، وهم يتعرضون لحملات الغضب من شعوبهم.
الشعب الفلسطيني، رغم التضحيات المهولة، سيجد نفسه متماسكًا مؤمنًا بقضيته وإنسانيته، بدون عواقب نفسية، عكس شعب نتنياهو الذي ضحّى بكيان شعبه وعقليته ونفسيته، وأخرج أجيالًا من شبابه ستعاني حيثما تذهب في الكرة الأرضية. خسر الشعب الأمريكي والحكام القادمون هناك، ودمّر أبناء شعبه، لكن كل الخسائر تهون في سبيل مصلحة نتنياهو الشخصية فقط!

أيمن أبو المجد أستاذ أمراض القلب بجامعة الأزهر
التعليقات