بيت التفكير - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 1:42 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بيت التفكير

نشر فى : الأحد 5 فبراير 2012 - 9:10 ص | آخر تحديث : الأحد 5 فبراير 2012 - 9:10 ص

ثورتنا المصرية متعثرة الخطوات. وهذا يعود لأسباب عديدة، أهمها فقر الفكر الحاد لهذه الثورة. لم تمد الثقافة المصرية ثورتنا بأفكار يمكن أن تشكل حجر الزاوية لإحداث نقلة نوعية لهذه الثورة نحو تشكل وعى قادر على حسم تغييرات جذرية فى بنية النظام السياسى. الأفكار هى أساس عمليات التغيير، هى الأساس فى إحداث نهضة عامة. لن تكتمل ثورتنا قبل أن تستند على أفكار جديدة تكون نواة مشروع وطنى سياسى واجتماعى عام. لابد أن يعمل اليوم عدد من المثقفين والمفكرين المصريين وهم ينظرون إلى الغد، يطرحون أسئلة ممنوعة، ويُخضعون البديهيات داخل مختبر من النقد الجاد. أثق أن كل ما طرحته الإنسانية من أفكار تتعلق بإدارة السياسة أصبحت غير كافية للتعامل مع الواقع الحالى. مر عام على خلع مبارك من رئاسة الجمهورية، وكل ما تم طرحه من أفكار على المستوى السياسى والدستورى يدخل فى عالم القرن الثامن عشر أو ما قبله، فبين جهابذة قانون يتحدثون عن أهمية الدستور، ورجال سياسة يتكلمون عن حلاوة البرلمان، ونزاهة الانتخابات، وبين رجال يتحدثون عن ليبرالية قرون غابرة، وبين أناس محبوسين داخل زنزانة زمن واحد ومكان واحد وفكر واحد. لا جديد بين حزمة الأفكار التى تم طرحها ما بعد ثورة 1919 وبين الأفكار التى تم تداولها بعد ثورة 2011، عدا رحيل جلالة الملك وبزوغ جلالة الجنرال، وهو فارق غير مهم فيما نود مناقشته. أما قضية المحتل فمن بريطانيا إلى الولايات المتحدة (يا قلبى لا تحزن)، وقضايا البرلمان والدستور والأحزاب ونزاهة الانتخابات والليبرالية و«الإسلام وأصول الحكم» والفتك بالثوار وحديث البلطجية، و... و... نفس الكلام لم يتغير. مع الفارق أن طرح هذه الأفكار منذ مائة عام كان طرحا أكثر جدية وأكثر عمقا. فيكفى قراءة «على عبدالرازق» وما يكتب اليوم من هزال فكرى فى نفس الموضوع لندرك الهوة التى تفصلنا عن مرحلة ما بعد 1919. والكارثة أن قراء اليوم يتعاملون مع الغث المقدم لهم وكأنه فكر جديد. مرجعيات أسئلة الحضور فى الندوات التى أتحدث فيها لا تعود أبدا لما هو أقدم من عام 2000، أما معظم الكتاب فيتحدثون وكأنهم يبدعون الجديد. أقترح فى هذا الصدد أن تقوم الصحف باختيار مقالات تمت كتابتها بعد ثورة 1919 وتقوم بنشرها اليوم ولسوف تكون لها فائدة كبرى فى الشأن الآنى، ولسوف تكون مفيدة أيضا فى أقلمة الأنا المتضخمة لمعشر كتاب اليوم، ولكنها لن تقدم لثورة 2011 ما ينفعها.

 

●●●

 

أعود للغد. نحن اليوم فى أشد الحاجة إلى عملية نقد جادة للأفكار التى طرحتها البشرية لإدارة السياسة. فنحن فى مصر وفى الوطن العربى فى مأزق حاد على المستوى الفكرى وعلى المستوى التنظيرى. لابد أن نعمل ــ بداية ــ على دراسة متأنية للمحاولات الحالية لاستشراف مناهج جديدة فى الحوكمة، وفى الإدارة. هناك محاولات جادة فى هذا الشأن فى أيسلندا وكذلك فى روسيا. بدأ عدد من الكتاب عبر العالم يكتبون ويدرسون آفاق جديدة فى تعريف السياسى. لدى شعور، يصل إلى اليقين، أن العالم الذى نعيشه ــ الذى تشكلت مؤسساته الدولية بعد الحرب العالمية الثانية ــ فى مرحلة الاحتضار. أما الأزمة الهيكلية فى النظام الرأسمالى فقد وصلت إلى طريق مسدود، على الرغم من صراخ الليبراليين أن النظام الرأسمالى يمتلك من المرونة ما يسمح له من التحول والتشكل لتخطى أى أزمة. لدى العديد من الباحثين فى مجال السياسة يقين أن النظام الحزبى والبرلمانى لم يعد كافيا لتحقيق الكفاءة السياسية المطلوبة لتشغيل النظام العام. عشنا وعاش العالم منذ قرابة العشرين عاما الأخيرة فى طريق «الفكر الواحد». وهو طريق « تحالف واشنطن». أو ما سماه البعض بالليبرالية الجديدة. هذا الطريق الذى سار نظام مبارك على هداه. وهو طريق يرفض أتباعه الاستماع إلى أى وجهة نظر مختلفة فى التفاعل مع الواقع الاقتصادى والسياسى. هذا على الرغم من أن النظام السياسى والاقتصادى الحالى قد أوصل البشرية إلى مراحل من الفقر لم تشهدها الإنسانية. ففقراء القرن الواحد والعشرين هم أشد الفقراء بؤسا فى تاريخ الإنسانية. فى تقرير صدر عام 2007 عن الخريطة العالمية للفقر، هناك تسعة ملايين نسمة يموتون سنويا من الجوع، وهناك مليار نسمة لا يمتلكون مياهًا صالحة للشرب، وهناك مليار ونصف المليار يعيشون فى فقر مدقع، و50% من سكان الكرة الأرضية يعيشون بأقل من 2 دولار فى اليوم (أقل من ثلاثمائة وخمسين جنيها فى الشهر)، هناك خمسون ألفا يموتون يوميا بسبب له علاقة بالفقر، تسعة وعشرون ألف طفل أقل من خمس سنوات يموتون يوميا بسبب عدم توفر أى رعاية صحية. وعلى الضفة الأخرى من النهر أكدت دراسة صدرت فى ديسمبر عام 2006 عن المعهد الدولى للدراسات الاقتصادية والتنموية التابع للأمم المتحدة أن حوالى 50% من إجمالى الثروة يمتلكها 2% من السكان. أما فى مصر فإن الإدارة الكارثية للسياسى قد أوصلت الحالة الاجتماعية والاقتصادية إلى مرحلة الأزمة المستعصية على الحل.

 

●●●

 

ماذا يقترح خبراؤنا الاقتصاديون اليوم فى جميع الأحزاب أو فى الحكومات المتوالية؟ يقترحون إعادة تطبيق السياسات الرشيدة ليوسف بطرس غالى مع توزيع أكثر عدالة، يتمنون تطبيق نصائح الاقتصاديين الأوروبيين المخلصون، بكفاءة هذه المرة، ودون فساد ودون لجنة السياسات، ودون عصابات هدفها النهب العام، وبافتراض حسن أداء القائمين على الأمر، فسوف نطمح أن نكون فى وضع فرنسا التى تعانى حاليا من أزمة اقتصادية تهدد بالإطاحة برئيس الجمهورية الحالى ساركوزى فى الانتخابات المقبلة، أو مثل بلجيكا التى أعلنت حالة التقشف، ويتظاهر شبابها فى الشوارع، أو فى حالة إسبانيا التى تعانى من كساد وارتفاع حاد فى نسبة البطالة والأزمة الاجتماعية هناك فى أشدها أو فى وضع اليونان التى أعلنت إفلاسها.

 

السياسة تعنى إحداث تغييرات فى شكل المجتمع من أجل تحسين الأحوال المعيشة للإنسان. ومن أجل هذا يقترح العديد من المتخصصين أن يتم خلق أطر جديدة لإدارة الدول عن طريق إعطاء سلطات أكبر لكيانات وسيطة تستطيع القيام بتعديلات جوهرية فى شكل المجتمع. دراسة كيفية الانتقال من الديمقراطية السياسية إلى الديمقراطية الاجتماعية. وكما كتبت الأسبوع الماضى لابد أن نعمل على تشكيل «بيت للتفكير» هدفه هو جمع عقول مصرية لنقد الفكر السياسى القائم، ودراسة ما تم طرحه من بدائل فى العالم، والقيام بعمل تنظيرى من أجل بلورة أفكار جديدة لإدارة البلاد بمنهج مرتبط بحقائق الجغرافيا والاقتصاد والمجتمع والثقافة. بيت للتفكير يكون أحد مصادر الأفكار لثورتنا من أجل تشكل مشروع وطنى جديد.

 

خالد الخميسي  كاتب مصري