الرقابة الحكومية فى القرن الحادى والعشرين - قضايا إعلامية - بوابة الشروق
الأحد 5 مايو 2024 7:11 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الرقابة الحكومية فى القرن الحادى والعشرين

نشر فى : الخميس 5 فبراير 2015 - 8:05 ص | آخر تحديث : الخميس 5 فبراير 2015 - 8:05 ص

نشرت جريدة كولومبيا جورناليزم ريفيو دراسة للكاتبين فيليب بينيت (Philip Bennett) مدير مركز ديويت والاس للإعلام والديمقراطية وأستاذ فى كلية سانفورد للسياسة العامة فى جامعة ديوك، ومويسيس نايم (Moises Naim) زميل متميز فى مؤسسة كارنيجى للسلام الدولى، حول طبيعة واتجاه الرقابة الحكومية على محتويات الإعلام الجديد (الإنترنت) فى ظل التقدم الهائل والسريع لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وتشير الدراسة، فى البداية، إلى وجود اعتقادين حول الصحافة يستقران فى التفكير المعاصر؛ الأول.

أن الإنترنت أقوى قوة تواجه وسائل الإعلام. والثانى، أن الإنترنت وأدوات الاتصال والمعلومات التى نشأت عنه، مثل يوتيوب، تويتر، وفيسبوك، ينقل النفوذ من الحكومات إلى المجتمع المدنى والمدونين الأفراد، ومواطنى الانترنت، أو «الصحفيين المواطنين». ومن الصعب الاختلاف مع أى من المعتقدين.

غير أن هناك أدلة على أن الحكومات تحقق الكثير من النجاح مثلها مثل الإنترنت فى التغلب على وسائل الإعلام المستقلة وتحديد المعلومات التى تصل إلى المجتمع. فضلا عن أنه، فى كثير من البلدان الفقيرة أو الخاضعة لأنظمة استبدادية، تعتبر التدابير الحكومية أكثر أهمية من الإنترنت فى تحديد كيفية إنتاج المعلومات واستهلاكها، وعلى يد من. وتستعجب المقالة من زيادة الرقابة فى عصر المعلومات. فمن الناحية النظرية، التكنولوجيات الجديدة تجعل من السيطرة على تدفق المعلومات أمرا صعبا، ومستحيلا تقريبا، على الحكومات. وكان البعض يعتقد أن ولادة الإنترنت تنذر بوفاة الرقابة. ففى عام 1993، قال جون جيلمور، أحد رواد الإنترنت، لصحيفة التايم: «إن الإنترنت تعتبر الرقابة ضررا وتلتف حوله».

واليوم، تجد الدراسة الكثير من الحكومات تلتف حول التأثيرات التحررية للإنترنت. مشبهة إياها برجال الأعمال، حيث تعتمد على الابتكار والتقليد. كما يخلقون، أيضا، أدوات أكثر دقة تتمم سبل مهاجمة الصحفيين. ونتيجة لذلك، فإن «وعد» الإنترنت بإتاحة التوصل لمصادر مستقلة ومتنوعة من المعلومات، حقيقة واقعة فى الغالب بالنسبة للأقلية الذين يعيشون فى الديمقراطيات الناضجة. وتتساءل المقال حول كيفية حدوث ذلك، حيث رأى الكاتبان أولا كصحفيين التأثيرات التحويلية للإنترنت. حيث يبدو قادرا على إعادة صياغة أى معادلة للسلطة بتغيير المعلومات، ابتداء من غرف الأخبار. ولكن هذا، كما تبين، ليس قانونا عاما.

•••

وتستعرض الدراسة أمثلة على الرقابة، التى أثارت دهشة الكاتبين بسبب كم الرقابة المخفية التى يبدو من الصعب أن تقدر نطاقها لعدة أسباب:

أولا، تتنكر بعض أدوات السيطرة على وسائل الإعلام فى صورة اضطراب فى السوق. ثانيا، فى العديد من المناطق، يتوسع استخدام الإنترنت والرقابة بسرعة فى نفس الوقت. ثالثا، فى حين يعتبر الإنترنت ظاهرة عالمية، يمكن أن تبدو الرقابة قضية ضيقة أو وطنية وبعبارة أخرى، معزولة. غير أن الدلائل تشير إلى خلاف ذلك.

وتجدر الإشارة إلى أن الرقابة التقليدية فى الأساس قامت على القص واللصق. فكان عملاء الحكومة يفتشون محتويات الصحف والمجلات والكتب والأفلام، أو نشرات الأخبار، قبل إصدارها غالبا، وقمعها أو تعديلها بحيث لا يصل إلى الجمهور، إلا المعلومات التى تقرر أنها مقبولة. وفى النظم الديكتاتورية، تعنى الرقابة أنه يمكن وقف وسائل الإعلام غير المتعاونة، أو نفى المحررين والصحفيين المشاغبين، أو سجنهم أو قتلهم. وابتداء من أوائل التسعينيات، عندما ظهرت الصحافة على شبكة الإنترنت، تبعتها الرقابة.

وحل الفرز والحجب والقرصنة محل مقص الرقيب والحبر الأسود. ومنعت بعض الحكومات الوصول إلى صفحات المواقع التى لا تعجبها، وأعادت توجيه المستخدمين إلى مواقع كانت تبدو مستقلة ولكنها فى الحقيقة مسيطر عليها، وأثرت على المحادثات فى غرف الدردشة ومجموعات النقاش عبر مشاركة موظفين مدربين. وكانت الحكومات توجه قراصنة مجهولين لتخريب المواقع والمدونات، وحجب الانتقادات من الإنترنت، وتشويه، أو تجميد صفحات الفيسبوك أو الحسابات على تويتر.

وسرعان ما وجد الناشطون البارعون فى أمور التكنولوجيا، سبلا لحماية أنفسهم والتهرب من الرقابة الرقمية. وبدا لوهلة أن شبكات النشطاء والصحفيين والنقاد صار لها اليد العليا فى المعركة ضد البيروقراطيات الحكومية المركزية الضيقة ذات التسلسل الهرمى. لكن العديد من الحكومات لجأت فى وقت مبكر إلى تبنى التكنولوجيات المتقدمة التى سمحت لها بمراقبة المحتوى والنشطاء والصحفيين، وتوجيه تدفق المعلومات.

وتضرب الدراسة المثل بالصين التى تعتبر أكبر دليل على تناقضات الصراع بين نمو استخدام الإنترنت وزيادة نطاق الرقابة. حيث إنها البلد الذى يضم عددا ضخما من مستخدمى الإنترنت فى العالم، وفى نفس الوقت أعلى مستوى للرقابة. فمن بين ثلاثة مليارات مستخدمى الإنترنت فى العالم، يعيش 22٪ فى الصين وتستخدم الحكومة «جدار حماية ضخم» لمنع المحتوى غير المقبول، بما فى ذلك مواقع الأخبار الأجنبية.

•••

ويشير الكاتبان إلى ما حدث خلال فترة الربيع العربى، فى عام 2011، حيث بدا أن وسائل الاعلام الاجتماعية تتيح لنشطاء الديمقراطية ميزة ضد الأنظمة الراسخة. ومع انتصار المتظاهرين فى مصر، قال الناشط الشهير وائل غنيم لولف بليتزر «إذا أردت تحرير الحكومة، امنحها الإنترنت». على الرغم من أن الديناميات المعقدة للانتفاضة تجاوزت مصطلح «ثورة الفيسبوك»، الذى يعطى شعورا بأن شيئا مهما قد تغير. وبعد أربع سنوات، تتعرض حرية الإعلام فى مصر إلى هجوم حاد. وأودع عشرات من الصحفيين السجن، وفقا للجنة حماية الصحفيين.

وفى الصيف الماضى، ذكرت منظمة العفو الدولية أنها حصلت على وثائق داخلية بشأن تعاقد أبرمته الحكومة لبناء نظام للتجسس على فيسبوك، وتويتر، وواتس آب، ووسائل الإعلام الاجتماعية. كما أوضحت تسريبات وإدوارد سنودن أن الإنترنت أداة كل الحكومات للتوغل فى حياة المواطنين، بمن فيهم الصحفيون. ومازال تحديد ما إذا كان التجسس المحلى فى الولايات المتحدة أو بريطانيا العظمى يصل لدرجة الرقابة، محلا للنقاش.

وتعلن شركات مراقبة خاصة الإعلان عن بضائعها للدول التى ترغب فى تطوير قدرات برامجها الخاصة بالاختراق. وإذا لم يكن هذا يكفى، مازالت بعض الحكومات تعتمد على الرقابة الذاتية للقيام بهذا العمل. ففى أكتوبر الماضى، بعد هجوم دام على الجيش من قبل المتشددين الإسلاميين، تعهد كبار المحررين فى أكثر من اثنتى عشرة صحيفة مصرية بحجب الانتقادات الموجهة للحكومة و«محاولات التشكيك فى مؤسسات الدولة أو إهانة الجيش أو الشرطة أو القضاء».

على الجانب الآخر تبرز الدراسة وصول مواطنين إلى طرق للتحايل أو تقويض القيود الرسمية. وهم على استعداد للمخاطرة بتحدى ادعاءات الحكومة أنها تملك السلطة الوحيدة لكتابة التاريخ. ولم ينته بعد هذا الصراع على السلطة، وسوف تختلف نتائجه بين البلدان وعلى مر الزمن. غير أن الابتكار التكنولوجى يخلق خيارات جديدة لتمكين الأفراد والمنظمات من مواجهة الرقابة الحكومية، حتى تعتمد الحكومات التقنيات التى تعزز قدرتها على فرض رقابة.

وترجح الدراسة عدم انتهاء الضغوط على الحكومات من أجل الشفافية، والمساءلة، وحرية الوصول إلى المعلومات، والمزيد من مشاركة المواطنين فى اتخاذ القرارات. حيث تواجه الدول الاستبدادية المواطنين الأكثر يقظة سياسيا، والأكثر صعوبة فى الإسكات. مشيرا إلى ما قام به الأوكرانيون مؤخرا، أو كما شهد العالم فى هونج كونج، بقيام مجموعة من النشطاء بلا قيادة يمكنها تحدى قوة الصين الهائلة.

•••

غير أن الدول لديها قدرات هائلة على تغيير تدفق المعلومات تتناسب مع مصالحها. ويهدم عدد متزايد من الحكومات الضوابط والتوازنات التى تقيد الرؤساء التنفيذيين. فمن روسيا إلى تركيا، ومن المجر إلى بوليفيا، يحيط القادة المحاكم العليا والسلطة القضائية بالموالين وينظمون الانتخابات التى تكافئ حلفاءهم. وهم يضعفون المؤسسات التى تهدف لمنع تركيز السلطة. وفى مثل هذه البيئة السياسية، لا يمكن لوسائل الإعلام المستقلة البقاء على قيد الحياة فترة طويلة.

وختاما، لا شك أن الإنترنت يمكنه إعادة توزيع السلطة. ولكن من السذاجة الافتراض بأن هناك حلا تكنولوجيا بسيطا فى مواجهة الحكومات وقادتهم الذين عقدوا العزم على تركيز السلطة وبذل قصارى جهدهم للحفاظ على ذلك. فستظل الرقابة تزيد وتنخفض فى مواكبة للابتكارات التكنولوجية وصدام الحالمين بالحرية مع الحكومات التى تهدف إلى السيطرة على مواطنيها، بداية مما يقرأون، ويشاهدون، ويسمعون.

التعليقات