الرد بالكتابة ورواية (على يمين القلب) - سيد محمود - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 2:58 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الرد بالكتابة ورواية (على يمين القلب)

نشر فى : الثلاثاء 5 مارس 2024 - 7:55 م | آخر تحديث : الثلاثاء 5 مارس 2024 - 7:55 م

احتاجت المخرجة الفلسطينية ليالى بدر شجاعة كبيرة لتجاهر أمام الجميع  بأن لها جدة ذات أصول يهودية وفى الحفل الذى أقامته مكتبة ديوان الزمالك قبل يومين لتوقيع روايتها (على يمين القلب) اعترفت بأنها قاومت طويلا فى الدروس التى كانت تتلقاها مع مدرب نفسى، الإقرار بمثل هذا الاعتراف، لكنها تستطيع اليوم التصالح مع تاريخها الشخصى، لأن ما تحياه غزة يستحق أن يواجه بخطابات جديدة تلح على ما عاشته فلسطين قبل احتلالها، وقت أن كانت وطنا للجميع.  وبصوت متهدج، لكنه غير مهزوم قالت ليالى إنها  بدأت كتابة الرواية برسالة  قصيرة كتبتها إلى الروائى الإسرائيلى عاموس عوز الذى كان من بين المرشحين لجائزة نوبل، فقط لكى تلفت نظره إلى أن الوطن الذى ينعم بالعيش فيه كان له أهل وأصحاب إلى أن اغتصبته إسرائيل.
 وأشارت إلى أنها بكت طويلا وهى تقف على ضفة نهر الأردن وتشاهد أريحا التى ولدت وعاشت فيها لكنها لم تعد  قادرة على العودة إليها.
 قد تبدو الحكاية التى تحملها الرواية حكاية عادية، لأن ما عاشته بطلتها (غرام) يبدو متجانسا مع ما عاشته بطلات أخريات إلا أن الرواية تنطوى على خطابات عديدة تكتسب دلالات أعمق فى ظل ما تحياه غزة اليوم، كما أنها  تشير إلى المعنى الذى ألح عليه كتاب (الرد بالكتابة) لـ«بيل أشكروفت» حول أهمية الرد بالكتابة، والحاجة لخلق سرديات مضادة فى أدب ما بعد الاستعمار.
 والحال أن السردية التى تحاول إسرائيل تعميمها عن فلسطين لا يمكن مواجهتها اليوم بالسرديات القديمة ذات البعد القومى فقط، لكنها تحتاج كذلك إلى سرديات من نوع آخر، تربط  التاريخ الشخصى بالتاريخ العام ولعل هذا هو ما أشارت إليه بدر وهى تؤكد بؤس ما نملك من كتب بشأن تاريخ فلسطين وجاهرت كذلك بأنها اضطرت للعودة إلى كتب ومراجع بلغات أجنبية حول تاريخ فلسطين لأن ما هو متاح باللغة العربية قليل وضعيف.
 الملمح الأهم فى رواية ليالى بدر متعلق بهذه الضفيرة التى يمكن العثور عليها بين صوت الذات وصوت الجماعة، وهو ذات الملمح الأهم فى رواية (قناع بلون السماء) للأسير الفلسطينى باسم خندقجى المحكوم بالسجن مدى الحياة لكن روايته المرشحة للبوكر تقدم السردية التى ترغب اسرائيل فى قمعها لذلك أخفت وجوده تماما على الرغم من أن روايته صارت فى طريقها إلى العالم  لترد من دون أن تدرى على عاموس عوز أيضا.
 قبل نصف قرن كتب محمود درويش مقالته الشهيرة (ارحمونا من هذا الحب القاسى) داعيا لكتابة أدب فلسطينى حقيقى خاليا من الشعارات القومية، وبادر بنفسه بكتابة نصوص حولت ألم الفلسطينى إلى ألم إنسانى عام لذلك كانت كتاباته تمثل خطرا حقيقيا على إسرائيل، ولم تكن المعركة التى قادها السياسيون فى إسرائيل لوقف تدريس نصوصه فى المناهج الاسرائيلية إلا دليلا على خطورة ما تمثله.
 واليوم تكتب ليالى بدر حكايتها البسيطة التى ربما  تماثل مئات الحكايات، لكنها بفضل الصدق الإنسانى الشائع فيها، دون ادعاءات أو وصفات جاهزة تنتج نصا يقف على يمين القلب فعلا لكنه يتخطى التاريخ الشخصى إلى العام كما أشارت إلى ذلك الناقدة الدكتورة نيفين النصيرى فى دراستها اللافتة حول الرواية والتى أضاءت الكثير من خطاباتها المضمرة، فقد أشارت إلى أن الرواية نجحت  بجلاء فى إيجاد تداخل  بين التاريخ الشخصى والتاريخ الجماعى، معتبرة أنها تحاول إعادة كتابة التاريخ من وجهة نظر نسوية، كما أنها تقارب مفهوم رواية السيرة الذاتية بطريقة أو بأخرى، كما تنجح  فى تضفير الحكايات الشعبية والإشارة لقوة حضور الموروث الخيالى كجزء من التاريخ الشخصى  للبطلة واستطاعت المؤلفة أن تجعله موروثا جماعيا سواء كان فى الفضاء الرسمى أو غير الرسمى وهو ما يكشف طموحها فى إعادة كتابة المسكوت عنه من التاريخ ، فالبطلة تروى حكايتها بضمير المتكلم، كاشفة عن كلّ شىء فى حياتها، وذاتها التى تحمل آلاما عتيقة بدأت منذ الطفولة وكبرت مع كل اغتراب.