مستقبل العمل الأهلى فى مصر - جورج إسحق - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 6:20 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مستقبل العمل الأهلى فى مصر

نشر فى : الإثنين 5 أغسطس 2019 - 12:10 ص | آخر تحديث : الإثنين 5 أغسطس 2019 - 12:10 ص

بعد صدور القانون الجديد للجمعيات الأهلية يجب أن يبدأ النظر للعمل الأهلى بشكل مختلف تماما عما سبق والعمل على تفعيله وحمايته بشكل واضح وبدون أى معوقات تحد من أهميته ودوره فى التنمية فى مصر.

والخطوة الأولى فى هذا السياق ــ كما ذكر الأستاذ زياد بهاء الدين فى مقالة المهم فى الشروق ــ هى الحد من التوجس السائد داخل أجهزة الأمن تجاه المجتمع المدنى، وهذه نقطة جوهرية لإعادة الثقة بين الدولة والمجتمع المدنى لأن العمل الاجتماعى يعتبر من أهم الوسائل المستخدمة للمشاركة فى النهوض بالمجتمع وتشجيع الشباب فى الانخراط فى مشاريع تنموية تخلق فرص عمل ورعاية صحية وتعليمية. فالعمل الأهلى هو المكمل للدور التى تقوم به الحكومة وخاصة فى مصر حيث ترتفع طموحات التنمية بشكل كبير مما يجعل الدولة وحدها غير قادرة على تحقيق تلك الطموحات وسط تزايد فى أعداد السكان فى أماكن كثيرة، خاصة فى الريف وفى قرى الصعيد، التى لا تصل إليها الكثير من الخدمات ولا يستطيع أحد سد هذه الفجوة بين الدولة وهذه الأماكن إلا من خلال العمل الأهلى. وأصبح للعمل الأهلى دور كبير أيضا فى تنمية المجتمع وتغيير واقعه إلى الأفضل. والعمل الأهلى يعتبر إحدى الركائز الأساسية لتحقيق التقدم.. ولذلك يجب أن يهتم القائمون على أمر الجمعيات الأهلية بالشباب بفتح مراكز تدريب لتنمية قدراتهم فى العمل الأهلى والبحث عن أسباب عزوف الناس عنه فى الفترة الأخيرة (وخاصة القانون الجديد التى تصل فيه الغرامات إلى حوالى مليون جنيه). وتأتى فكرة حث الشباب على العمل الأهلى منذ الصغر وخاصة فى مجال التطوع.. فتدريب تلاميذ المدارس على التطوع فى مجالات بسيطة فى محيطهم يحفزهم على العمل التطوعى والأهلى عندما يصبحون شبابا.
***
ومن أهم أشكال العمل الأهلى هو التطوع وتشجيع الشباب فى هذا المجال. ولو قارنا بين مجالات التطوع فى مصر ودول أخرى نجد على سبيل المثال أن عدد سكان كندا حوالى 34 مليون نسمة وبها حوالى 12.5 مليون متطوع ــ والذى يشكل أكثر من ثلث السكان، منهم 42.5% يشتركون فى مهام تطوعية يتراوح متوسط وقت التطوع فيهم بين 25ــ40 دقيقة يوميا أو ثلاث ساعات أسبوعيا، يعقدون فيها معسكرات تدريب واستطلاعات للرأى ويقودون حملات للحفاظ على البيئة ويتدربون، منذ الطفولة، على مساعدة الآخرين. فلو قارنا الموقف فى مصر التى يفوق عدد سكانها عن 100 مليون نجد أن نسبة المشاركة بين الشباب 3%ــ 6% على الأكثر، وهذه نسبة ضعيفة للغاية. والهدف الأساسى من التطوع هو تقديم الرعاية والخدمة إلى المجتمع والذى تغير الآن إلى تغيير وتنمية المجتمع، ولنا مثل عظيم فى مصر فى قيام طلبة مدارس الجيزويت بتأسيس قرية متكاملة من خلال تطوعهم فى بناء قرية البسايسة. وهذا المشروع أعطى الشباب بعد استكماله روحا سعيدة ومرتبطة بالوطن.
وهذا يتطلب اهتمام الدولة بدور منظمات المجتمع المدنى فى هذا المجال واشتراط تقديم الشباب عدد ساعات تطوعية قبل التخرج خصوصا فى المدارس والجامعات ودعم المؤسسات التطوعية وتفعيل روح المبادرة والتفاعل والتفكير الإيجابى وإعطائهم شهادة تساعدهم فى الحصول على الوظائف المختلفة ويصبح لهم الأسبقية فى تولى الوظائف. ولا يمكن تعظيم دور المنظمات التطوعية بدون النظر فى طريقة لحل مشكلة ضعف الموارد المالية والتمييز الذى يمكن أن تتعرض له المرأة فى هذا المجال مع العمل على خلق كيانات جديدة.
ويخفف العمل التطوعى من النظرة العدائية أو التشاؤمية للمتطوع تجاه الآخرين ويحد من النزوع من الفردية ويكسب الفرد مهارات جديدة... ودور الإعلام مهم لنشر هذا الموضوع بدلا من تركيزه على أمور لا تضيف شيئا إلى المجتمع بل تنشر أفكارا لا قيمة لها وأغانى هابطة ومسلسلات لا يشاهدها أحد كما حدث فى الفترة الأخيرة.
***
وهنا نرجع إلى القانون الجديد للجمعيات الأهلية رغم أنه لم يحقق كل طموحاتنا، ولكن تغييره وانتظار تطبيقه يجب أن يراقب بعناية وترقب. ويمكن أن يجرى حوارا مهما قبل تنفيذ اللائحة التنفيذية لهذا القانون والأخذ بما يتحاور عليه من يُدعى للتحاور، والتخفيف من القيود وتسهيل بناء جمعيات أهلية تساعد المجتمع وتساعد الدولة فى تنفيذ خططها وتحقيق ما يطمح إليه الشعب. ولا يجب أن يقتصر عمل الجمعيات الأهلية على المساعدات العينية ولا توزيع الكراتين، ولكن يجب أن تتميز الجمعيات بمشاريع تنموية وتنويرية. وإذا كانت جمعيات حقوق الإنسان تمثل حساسية بالنسبة للدولة، ليس هناك مانع من أن تقدم الجمعيات مشاريعها للدولة للتدقيق فى مجالات صرفها وكذلك محتوى مشاريعها حتى نتخلص من العلاقة المتوترة بينهم. ولو نظرنا إلى تاريخ العمل الأهلى فى مصر لن نستطيع أن ننسى ما قامت به الجمعيات الأهلية فى مجال الصحة مثل إنشاء مستشفى المواساة والجمعية الخيرية الإسلامية والمستشفى القبطى.. وغيرها. ولا ننسى أيضا دور الجمعيات الأهلية فى التعليم من أول تبرع أميرة من الأسرة المالكة لبناء جامعة القاهرة إلى مدارس البنات القبطية ومدارس التوفيق القبطية والمدارس الإسلامية التى قام بتأسيسها جمعيات أهلية.

ولذلك نحن نتمنى فتح صفحة جديدة مع المجتمع المدنى بمصاحبة هذا القانون الجديد والبناء عليه ونرى ما هو إيجابى وما هو سلبى به عند تطبيقه والعمل على تعديله. والخطوة المهمة هى حفظ القضايا الحالية ضد المنظمات الأهلية والقائمين عليها والعفو عن المحبوسين من أعضائها بعد أن أصبح هناك قانون جديد للعمل الأهلى.. فلنغلق الصفحة السوداء السابقة ونفتح صفحة جديدة لبناء مجتمع أهلى خالى من الخوف والتربص والاصطياد فى الماء العكر... فهل نستطيع بناء على القانون الجديد أن نشهد مجتمع أهلى جديد فى إطار دولة ديمقراطية مدنية حديثة؟

جورج إسحق  مسئول الاعلام بالامانة العامة للمدراس الكاثوليكية
التعليقات