وحدة السوق الإفريقية وفجيعة السوق العربية - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الأربعاء 4 ديسمبر 2024 7:49 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وحدة السوق الإفريقية وفجيعة السوق العربية

نشر فى : الأربعاء 6 يناير 2021 - 9:20 م | آخر تحديث : الأربعاء 6 يناير 2021 - 9:20 م

أما وأننا، نحن العرب، قد توقفنا عن أن نكون قدوة تستحق المفاخرة فى أى من حقول النشاطات الإنسانية، فإننا على الأقل يجب أن نتواضع ونتعلم مما يفعله الآخرون.
فالاتحاد الإفريقى، الذى تعلم من تجربة الاتحاد الأوروبى بصورة أفضل من تعلمنا، والذى بدأ الأفارقة بإنشائه عام 1963، أى عشرين سنة بعد إنشائنا للجامعة العربية، والذى لم يثبت فى الواقع إلا بحلول عام 2002، والذى يضم دولا بتاريخ وثقافات ولغات وسياسات غير متماثلة بل وأحيانا متناقضة ومتنافسة، والذى لم تجف بعد الدماء التى أريقت بسبب صراعات وحروب دوله وقبائله ودياناته فيما بين بعضها البعض.. هذا الاتحاد يخطو رويدا رويدا وبثبات نحو إنشاء سوق اقتصادية مشتركة سترفع تجارته البينية من نسبة 16% الحالية إلى 60%، وستضيف ما يقدر بسبع تريليونات دولار أمريكى لاقتصاده المتنوع وتطوره الصناعى. ويتكلم قادته عن أن ذلك سيكون خطوة نحو مزيد من الاندماج الإفريقى الشامل فى حقول السياسة والاجتماع ونحو إمكانية خلق عملة موحدة.
لنقارن تلك المسيرة التى جرت لا فى العالم الأول المتقدم، حتى لا يتعلل البعض بالفرق الحضارى الكبير بين ذلك العالم الأول وعالمنا الثالث الذى ينتمى إليه العرب والأفارقة، لنقارن تلك المسيرة الاقتصادية بمسيرتنا العربية لنرى الإخفاق فى أشد صوره.
بسبب الصراعات والمماحكات وأحيانا المؤامرات فيما بين أنظمة الحكم العربية تأجل الانتقال الجدى إلى الموضوع الاقتصادى العربى المشترك نحو خمس وثلاثين سنة، وذلك بالرغم من توقيع اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية عام 1957، وبالرغم من قرار مجلس الجامعة العربية إقامة سوق عربية مشتركة عام 1964. لقد كان هناك تردد عند البعض، وكانت هناك انسحابات من قبل البعض بسبب الظروف السياسية وبدائية الحياة الاقتصادية وممارسة الطلاق العربى الشهير فيما بين القول والفعل.
ولقد استبشر الناس خيرا عندما أقرت قمة عربية لرؤساء الدول فى عمان، الأردن، عام 1980، استراتيجية عربية اقتصادية مشتركة وخطة للتنمية الاقتصادية.
لكن تلك المحاولة دخلت فى غيبوبة بسبب الحروب فى الخليج العربى، وتذبذبات أسعار النفط، وتوجه فوائض العائدات البترولية والغازية للاستثمار فى خارج الوطن العربى، وعدم الانتقال من اقتصاد ريعى إلى اقتصاد إنتاجى متشابك ومتناغم فيما بين مكوناته ونتائجه، وبقاء الاختلافات الشديدة فيما بين القوانين المنظمة للحياة الاقتصادية والتجارية والجمركية والتعامل مع النظام الاقتصادى العولمى ومتطلباته المطبقة فى كل قطر عربى.. كل ذلك جعل التجارة البينية فيما بين الدول العربية تراوح فى مكانها، صعودا ونزولا فيما بين العشرة والعشرين فى المائة كحد أقصى وذلك إبان فترات ارتفاع مداخيل البترول بصورة مؤقتة. كما أن تلك العوامل قادت إلى ضعف شديد فى خطوات التكامل الاقتصادى والمشاريع المشتركة وولوج تطورات وتنامى اقتصاد التكنولوجيا والمعرفة.
بعد مرور خمس وسبعين سنة على تأسيس الجامعة العربية، وبالرغم من الاجتماعات والقرارات والكلام الكثير عن الوحدة الاقتصادية والتكامل الاقتصادى والسوق المشتركة، فإن أقصى ما وصلنا إليه فى عام 1998 هو إطلاق بداية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، التى أوصلتنا على الأقل إلى تطبيق شبه الإعفاء الكامل من الضرائب الجمركية على السلع المتبادلة فيما بين الأقطار العربية، وبشرط أن تكون ذات المنشأ العربى.
لكن الكثير من الإخصائيين الاقتصاديين العرب قد بينوا مرارا أن الاكتفاء بأطروحة المدخل التجارى كأداة وحيدة أو مهيمنة على النشاط الاقتصادى العربى المشترك لن تكفى لبناء اقتصاد تنموى مستقل وغير تابع وخاضع للخارج.
وأننا نحتاج لدخول عوالم جديدة من مثل الإنتاج المشترك والتشريعات المشتركة والسوق المشتركة والعملة المشتركة. وإلا ستظل نسبة التجارة السلعية البينية المتبادلة تدور حول العشرة فى المائة من مجمل التجارة العربية. وستكون النسبة أقل عندما تنتهى حقبة البترول العربية.
ما هو واضح من كل ما سبق هو أننا أمام غياب لإرادة سياسية عربية مشتركة قادرة على الانتقال إلى متطلبات التكامل الاقتصادى ومن ثم، حتى ولو على مدى متوسط، الانتقال إلى نوع من الوحدة الاقتصادية. لكن تلك الإرادة غير متوفرة عند الغالبية الساحقة من أنظمة الحكم العربية.
الموجع هو أنه فى عام 2011 قام مركز دراسات الوحدة العربية باستطلاع عينة من أفراد الشعب العربى، عبر الوطن العربى، للتعرف على اتجاهات الرأى العام العربى نحو مسألة الوحدة العربية. لقد أبدى 55% رغبة فى قيام وحدة عربية اندماجية كاملة بين الأقطار العربية، وأبدى 66% قيام اتحاد فدرالى. وقد أظهر استطلاع مماثل قام به معهد الدوحة فى عام 2014 تأييد 55 – 57% التوجه نحو إجراءات تعاونية وتوحيدية بين الأقطار العربية.
إذا كانت غالبية الشعب العربى تؤيد قيام وحدة اندماجية فى كل مناحى الحياة، فهل كثير على أنظمة الحكم العربية، لو أنها تقرأ أو تعير اهتماما لما تريده شعوبها، أن تتوقف عن الاستمرار فى التلاعب بوحدة جزئية فى حقل الاقتصاد؟
مفكر عربى من البحرين

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات