عندما تغيب الناس - أميمة كمال - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 9:58 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عندما تغيب الناس

نشر فى : الأحد 6 ديسمبر 2009 - 11:21 ص | آخر تحديث : الأحد 6 ديسمبر 2009 - 11:21 ص
لم أكد أفتح عينى صباح أمس حتى خرقت مسامعى كلمة واحدة تكررت حروفها داخل ثلاثة تقارير فى وسائل الإعلام على التوالى والكلمة هى «الأزمة». أما التقارير فأولها أن الحكومة التركية خفضت أسعار 3000 نوع من الأدوية بنسبة 40 % دفعة واحدة تعاطفا مع المواطنين البسطاء من الأتراك وتخفيفا عليهم فى «زمن الأزمة».

وبعين واحدة هى التى استطعت بالكاد أن أفتحها، لأن التقرير جاء مبكرا على قناة الـ«بى. بى. سى»، رأيت الآلاف من الصيادلة الأتراك وهم يضعون مفاتيح ضخمة على الأرض فى استعراض لقوتهم فى إغلاق الصيدليات فى وجه الناس، وإصرارهم على عدم بيعهم للأدوية فى تحدٍ للحكومة لكى تعدل عن قرارها، الذى يرون أنه يحقق لهم خسائر كبيرة. إلا أن مسئولا تركيا فخما ظهر بملء الشاشة ليعلن بمنتهى الحسم أنه لارجعة عن القرار الذى اتخذته الحكومة من أجل الناس البسطاء مهددا بأنه فى حالة استمرار الإغلاق فإن الحكومة سوف تفسخ عقودها مع الصيدليات مرددا عبارة «يكفى ما حصلت عليه الشركات من أرباح فى الماضى قبل الأزمة بسبب الإجراءات الإصلاحية التى اتخذتها الحكومة من قبل». هكذا تكون الحكومات فى زمن الأزمة، ُتبدى الناس عن الشركات حتى ولو كرهوا (الشركات طبعا).

وما أن بدأت أستعيذ بالله من أن يعود الشيطان ليوسوس لى ويذكرنى بموضوع الحكومات والناس بعد أن كدت أغلق هذا الملف حتى أتخلص من أمراض الحساسية التى تصيبنى كلما تذكرته، لم أكد أفعل إلا وقد أدركنى التقرير التالى فى نفس القناة وهو أن الرئيس الفنزويلى تشافيز أعلن عن تأميم 4 بنوك بالإضافة إلى ثلاثة بنوك أخرى سبقتها إلى التأميم منذ أيام بسبب أنها امتنعت عن إقراض الفقراء الذين زادت معاناتهم مع الأزمة وفضلت إقراض الأغنياء بحثا عن الأرباح. مرة أخرى تخرق أذنى كلمة الناس والأزمة. ففى ظل الأزمة الحكومات تنتصر للناس على حساب أرباح البنوك حتى ولو كرهوا (البنوك طبعا).

أما التقرير الثالث فكان خبر نقلته أحد البرامج التى تقرأ أخبار الصحف. وهذه المرة الخبر عن حكومتنا والناس، يقول الخبر إن المهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة يطمئن المصدرين الذين هم أبدوا تخوفهم من أن تتوقف أموال دعم الصادرات التى يحصلون عليها سنويا منذ عام 2002 والتى لم تتوقف طوال هذه السنوات سواء كانت رخاء أو أزمة. ولم يتوان الوزير عن طمأنة المصدرين مرددا أنهم يتعرضون فى ظل الأزمة لضغوط شديدة وهو ما يتطلب مزيدا من المساندة الحكومية المتعلقة بدعم صادراتهم.

ويؤكد الوزير فى الخبر أنه لابد للحكومة أن تستمر فى ضخ المزيد من الأموال من أجل المساعدة فى الخروج من الأزمة، وهو ما اتفقت الحكومة على تسميته بـ«حزمة التحفيز الاقتصادى». وهذه الحزمة وصلت إلى 15 مليار جنيه فى موازنة العام المالى السابق، وكان نصيب دعم المصدرين منها مليارين من الجنيهات بالإضافة إلى الدعم الموجود فى الموازنة أساسا مما أوصل إجمالى دعم المصدرين إلى 4 مليارات جنيه تحصل عليه 1300 شركة.

فى الوقت الذى لم يزد فيه دعم المزارعين على 700 مليون جنيه فى موازنة نفس العام بالرغم من أن المزارعين تضرروا كثيرا من الأزمة بحكم تراجع أسعار جميع المحاصيل عالميا وهو ما اعترف به الحزب الوطنى فى مؤتمره الأخير عندما كان المسئولون يتبارون فى قول الأشعار متغنين بحب الفلاحين. يعنى دعم المزارعين يبلغ 20 % تقريبا مما يحصل عليه المصدرون بالرغم من أن القطاع الزراعى يستوعب ما يزيد على ربع إجمالى قوة العمالة فى مصر.

ليس الفلاحون فقط هم الذين يغيبون عن محفزات الحكومة ولكن أيضا لم نسمع عن مسئول حكومى تألم لأن نحو ما بين 10 % إلى 20 % من العمالة تم تسريحها بعد الأزمة، وهو ما كان يقتضى نظرة من «الحزمة الحكومية» بزيادة موازنة الصندوق الأسود الذى لايعرف أحد عنه شيئا وهو صندوق إعانة البطالة. فى حين أنه استجابت فى حزمتها لمعاناة المستثمرين الذين تأثروا من الأزمة فخفضت لهم ضريبة المبيعات على السلع الرأسمالية بمقدار 500 مليون جنيه فى نفس الحزمة إياها.

وربما حقيقة أقول وليست مبالغة أن البعيد عن عين الحكومة دائما ما يكون بعيدا عن حزمتها المالية ولذلك ليس غريبا أن نجد أن الأموال التى خصصتها الحكومة للناس العاملين بالمناطق النائية فى الموازنة الجديدة نقصت بمقدار 184 مليون جنيه عن العام السابق. ويبدو أن الحكومة ترى ما داموا هم يعيشون بعيدا فلابد أن الأزمة لن تطالهم.

وإذا كانت الحكومة تنوى وضع حزمة مالية جديدة لمعالجة آثار الأزمة فياليت لها أن تنظر لهؤلاء الناس النائين عنها ليس فى المكان فقط ولكن فى المكانة حتى ولوكرهوا (المصدرين طبعا).
أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات