خطاب افتراضى فى حشود التحرير - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الخميس 2 مايو 2024 5:52 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خطاب افتراضى فى حشود التحرير

نشر فى : الخميس 6 ديسمبر 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 6 ديسمبر 2012 - 8:00 ص

أيها المواطنون..

 

يا أبناء مصر وبناتها وحماة ثورتها..

 

إن وطنكم اليوم فى مفترق طرق، لأن هناك من يتصور أن بإمكانه تصفية الثورة وأهدافها وإسقاط دولة القانون لحساب حكم الفرد وإقامة طغيان جديد، إنكم تعلمون أنكم لستم هنا لأنكم ضد شريعة الإسلام كما يقول خصوم الثورة، فالله يعلم كم تهفو قلوبنا جميعاً إلى أن نجد روح الإسلام وجوهره الحقيقى أساساً لحياتنا. لكنكم ضد شريعة هى بالتأكيد غير شريعة الإسلام، فشريعة الإسلام لا يمكن أن تسوغ استبداداً أو تفرز أفكاراً مريضة مغلوطة خطيرة تجعل المؤمن بها يعتدى على إخوته فى الوطن، وعلى دور عبادتهم غير عابئ بكل ما ورد فى القرآن الكريم والحديث الصحيح والممارسات الإسلامية السمحة بشأن إخوتنا هؤلاء. أنتم ضد شريعة تبرر قتل شهيد السويس على يد من يتصورون أنهم أفضل منه ديناً. انتم ضد الشريعة التى تكرس الظلم الاجتماعى والتبعية الاقتصادية. أنتم ضد هذه المعانى كلها وغيرها مما ينذر بمستقبل مظلم لو أصبحت أساساً لبناء مصر الجديدة بعد الثورة.

 

•••

 

يا أنصار الثورة وحماتها..

 

إن الأزمة التى وجد فيها رئيس الجمهورية ومن أشار عليه بما فعل أنفسهم فيها بعد كارثة الإعلان المسمى بالدستورى قد دفعت إلى كارثة أخرى. لقد مد الإعلان المشئوم فى عمر الجمعية التأسيسية لوضع الدستور شهرين، وهو ما يعنى أن رئيس الجمهورية كان يشعر بالحاجة إلى مزيد من الوقت كى تتمكن الجمعية من إصدار دستور لائق بغض النظر عن موافقتنا أو اعتراضنا عليه، ولكن المستشارين الذين أوقعوا رئيس الجمهورية فى مأزق قرار عودة مجلس الشعب ثم المحاولة الفاشلة للتخلص من النائب العام وصولاً إلى إصدار ما يسمى بالإعلان الدستورى عادوا فتفتقت أذهانهم عن فكرة لا تقل سوءاً أو خطورة، وهى التعجيل بإصدار الدستور على نحو يدعو إلى الهلع من جراء استخفاف جماعة بمستقبل مصر إلى هذا الحد. ولنتصور سوياً أن يكون هذا هو المخرج من الأزمة الراهنة: أى تحملوا الإعلان لخمسة عشر يوماً فقط أو أقل، ناسين أو متناسين أن الظلم لا يُقبل ولو لساعة، ناهيكم عن أن هذا الحل الساذج من شانه أن يجعلنا نقر التشكيل الباطل للجمعية التأسيسية وأسلوب وضع دستورها، وما يتضمنه مشروعها من عوار من الواضح أن أحداً من المسئولين لن يسمح بحوار جاد حوله، مع أن الحوار الديمقراطى لمدة كافية وليس لخمسة عشر يوماً أو أقل قد يصلح ولو بعض عيوب هذا المشروع. العجيب بالإضافة إلى أننا لا نعلم شيئاً عن نسبة الموافقين المطلوبة لإقراره، وأغلب الظن أنها سوف تكون الأغلبية المطلقة (50% +1)، فهل يعقل فى هذه الظروف أن يُقر دستور لا يوافق عليه إلا نصف الناخبين المشاركين فى الاستفتاء بينما يجب أن يحظى بأغلبية الثلثين على الأقل إن كنا حقاً نتحدث عن توافق وطنى.

 

•••

 

يا حماة المستقبل..

 

لقد انتفضت كافة القوى الحية فى هذا الوطن وأنتم فى القلب منها لإسقاط ذلك الإعلان، وها أنتم تتابعون موقف قضاة مصر وما انتهوا إليه من عصيان مدنى، وكذلك موقف المحامين والصحفيين والكنائس المصرية وكافة القوى المدنية. وفى هذا السياق برز موقف المحكمة الدستورية العليا كما برز دائماً عندما أطل الاستبداد برأسه علينا فأصرت المحكمة على أن تعقد جلستها فى الموعد المحدد لإصدار حكمها فى دستورية مجلس الشورى الحالى رغم أنف الإعلان فإذا بخصوم الثورة يمضون فى محاولتهم التحقير من شأن هذه المحكمة الجليلة، وتحاصر الآلاف منهم مبنى المحكمة حتى أجبرتها على تعليق جلساتها، فى جريمة نكراء غير مسبوقة لم تعرفها مصر على طول تاريخها، فلأول مرة يتم إرهاب قضاة مصر على هذا النحو الرخيص فضلاً عن بذاءة الشعارات التى رددها المحاصرون. غير أن هذا ليس بمستغرب على هؤلاء، فقد خطط قادتهم فى مشروع الدستور من قبل لتخفيض عدد قضاة المحكمة من تسعة عشر قاضياً إلى أحد عشر فقط كى يسهل التخلص ممن لا يروق لهم من قضاتها، فهل يكون هذا كله مصير المحكمة التى وقفت بالمرصاد للنظام السابق، فأبطلت ذلك النص العجيب فى قانون الموافقة على معاهدة السلام المصرية ــ الإسرائيلية، والذى كان يشترط فى الأحزاب الجديدة ألا تتضمن برامجها شيئاً معارضاً للمعاهدة، كما قضت مرتين بعدم دستورية الأساس القانونى لتكوين مجلس الشعب، وغير ذلك الكثير مما لا يعرفه الغوغاء، فبئس المستقبل لمصر إن رضينا الدنية فى ثورتها العظيمة.

 

•••

 

أيها المناضلون المخلصون..

 

إننا نمر الآن بلحظات حاسمة لأننا مدعوون إلى المشاركة فى استفتاء حول ما يسمى بمشروع الدستور، وأخشى أن تنقسم صفوفنا ما بين مقاطع أو راغب فى المشاركة للتصويت برفض المشروع، وأقولها لكم بصراحة أنه من الممكن أن نشارك بشروطنا وأهمها أربعة أولها أن يكون إشراف القضاء كاملاً على الاستفتاء، والثانى أن يتم الاستفتاء تحت حماية أبناء القوات المسلحة، ولهم سبع سوابق ناجحة فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية، وعلى انتخابات مجلس الشعب بدورتيها وكذلك مجلس الشورى، ثم الانتخابات الرئاسية بدورتيها. إن هذا الدور لا غنى عنه بعد أن فقدنا الثقة فى حياد الداخلية نتيجة ما أظهرته الأحداث الأخيرة، والشرط الثالث أن يتم تأجيل الاستفتاء شهراً على الأقل للسماح بحوار جاد يكشف عورات مشروع الدستور ويؤدى إلى تعديلات حقيقية فيه، والرابع أن تُحدد نسبة إقرار مشروع الدستور بأغلبية الثلثين على الأقل سعياً إلى التوافق المنشود، فإذا استجيب لهذا الشرط سوف يكون من الممكن أن نشارك فى تقرير مستقبل دستور مصر، وأن نضمن أن مشاركتنا لن تكون مجرد غطاء لتمرير مشروع دستور بهذا السوء لا أحد سوى الله سبحانه وتعالى يعلم كم يدوم إذا قدر له أن يُقر.

 

•••

 

أيها الأبطال..

 

عليكم ألا تتخلوا عن أهدافكم وأن تتمسكوا بإصراركم كما فعلتم فى تلك الأيام العظيمة من شهرى يناير وفبراير 2011، فلولا إصراركم ساعتها لأفلت النظام من ثورتكم ببعض الإصلاحات الهزيلة، وعليكم أن تشجعوا العصيان المدنى من قبل كافة القوى الحية فى هذا الوطن، فهو سلاحكم البتار فى مواجهة الطغيان، وإياكم أن تسمحوا لزعمائكم بأن يعودوا إلى ما كانوا عليه من تشرذم وانقسام، لأن تشتتكم هذه المرة لن تقف تداعياته عند سرقة الثورة، وإنما سوف تمتد لا قدر الله إلى ضياعها وتصفيتها، وهو ما لا أحسب أنكم سوف تسمحون به، وأخيراً وليس آخراً فإننى أطالبكم بالتمسك بشعاراتكم الثورية الحقة حتى تقدموا لأبناء شعبكم المؤازر لكم نموذجاً مناقضاً للبذاءة التى بلغت مبلغها فى شعارات خصوم الثورة وفى فضائياتهم، ولا أتصور ولو للحظة أنكم تحبون التشبه بهم، فالثورة قضية نبيلة، وعلى قدر نبلها تصاغ شعاراتها.

 

•••

 

يا ثوار مصر..

 

أحيى وقفتكم الشجاعة مرة أخرى، وأثق فى أنكم منتصرون بإذن الله حتى وإن بدا النصر بعيداً أو غامت آفاقه.

 

 

 

أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة ومدير معهد البحوث والدراسات العربية

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية