صناعة الكتابة في ظل التحول الرقمي - العالم يفكر - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 12:04 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صناعة الكتابة في ظل التحول الرقمي

نشر فى : الثلاثاء 7 مارس 2023 - 9:10 م | آخر تحديث : الثلاثاء 7 مارس 2023 - 9:10 م

نشر المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية مقالا للكاتب مؤمن موسى تناول فيه الآثار السلبية والإيجابية للتحول الرقمى على صناعة النص والمحتوى، مشيرا إلى ما يشكله هذا التحول من تحديات على مجال الكتابة فى مصر... نعرض من المقال ما يلى:

على مر التاريخ، ارتبط تطور الإنسانية بتطور المهن. بعضها اندثر تمامًا وبعضها تغيرت ملامحه وأدواته لتواكب عصرها. وإذا كان تأريخ قصة حياة البشرية قد بدأ حين عرفت الكتابة، فإن مهنة الكاتب قد ظلت عبر آلاف السنين فى تطور مستمر من حيث الشكل والمضمون، دون الاستغناء عنها. أما عن الأدوات، فمن النقش على الحجر مرورًا بالورق ثم الطباعة والآلات الكاتبة حتى جاء زمن الكتابة على أجهزة الحاسب الآلى والهواتف الذكية باختلافها، من خلال لوحة المفاتيح أو حتى الإملاء الصوتى الذى يتحول لكلمات مكتوبة، بالإضافة لأشكال مختلفة من تطبيقات الذكاء الاصطناعى التى تساعد الكاتب عبر توقع واقتراح كلمات له. فى هذا السياق، كان للتكنولوجيا دور هام فى التأثير على طبيعة الكتابة، ليس فقط من حيث الأدوات ووسائل النشر والطباعة، بل أيضًا من حيث الانتشار والوصول للمتلقين. ومن ثم، كان ذلك تغييرًا مستمرًا فى طبيعة مهنة الكاتب عبر الزمن، بحيث أصبح لزامًا عليه مجاراة التطور وخاصة فى ظل الاتجاه حديثًا إلى التحول الرقمى.
• • •
عندما اتجه العالم مدفوعًا بالتطور التكنولوجى، للتوسع فى رقمنة عمليات الكتابة، كان لذلك عدة آثار إيجابية وسلبية على تلك الصناعة. من أبرز الآثار الإيجابية، إتاحة الكتابات والمؤلفات إلكترونيًا ونشرها على نطاق أوسع بكثير مما كان عليه الحال قبل ذلك. هذا التواجد الرقمى أدى لحفظ ما هو مكتوب بشكل يصعب تلفه أو فقده مع مرور السنين. النشر الإلكترونى ساهم فى خفض تكاليف الطباعة بشكل ملحوظ ومؤثر، مع الأخذ فى الاعتبار الأثر البيئى الإيجابى الذى ظهر عند تجنب استخدام الورق.
فى المقابل، تمثّلت الآثار السلبية فى تعرض الكثير من الكتاب والمؤلفين لأضرار جسيمة نتيجة تكرار اختراق حقوق الملكية الفكرية، إذ أتيحت مؤلفاتهم عبر شبكة الإنترنت دون اتفاق أو تنسيق يحفظ الحقوق. ولمواجهة ذلك، تقوم دور النشر الإلكترونية منذ فترة بحماية مطبوعاتها الرقمية، بصيغ عالية التشفير، وبعضها صمم تطبيقات خاصة به حسب أنواع الهواتف الذكية، تمكن مالكيها من الشراء مباشرة، إما نسخ ورقية وإما إلكترونية محمية.
بخلاف ذلك، وجدت الكثير من المنشورات الإلكترونية غير المدققة والتى تفتقر إلى المصادر الموثقة، وهو ما أثر سلبيًا على ثقافة الجموع التى تجد سهولة فى تلقى معلوماتها من الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى دون بحث عن الأصول ودون تحرى الدقة.
أثر سلبى آخر هو خسارة وإفلاس العديد من دور النشر والطباعة حول العالم. فى الولايات المتحدة الأمريكية ــ على سبيل المثال ــ اضطرت مجموعة كبيرة من الصحف ذائعة الصيت إلى تقليص أرقام توزيعها وإلغاء آلاف الوظائف وتسريح عدد كبير من العاملين فيها، بينها صحف واسعة الانتشار مثل «شيـكاغـو تـربيـون»، «بـوسـطن جلوب» و«لوس أنجلوس تايمز» ثمة صحف أخرى، تحولت إلى صحف رقمية، مثل «كريستيان ساينس مونيتور» التى ألغت طبعتها الورقية منذ عام 2008 واكتفت بنسخة رقمية على موقعها على شبكة الإنترنت.
وتؤكد دراسة بحثية بعنوان «العوامل المؤثرة على مستقبل الصحافة الإلكترونية فى مصر من عام ٢٠١٥ حتى عام ٢٠٣٠» للباحث «عبدالناصر منصور» أن انتشار الصحافة الإلكترونية فى السنوات الأخيرة، يرجع إلى ارتفاع معدلات استخدام الإنترنت فى مصر، بالإضافة إلى سرعتها فى نقل الخبر. و«أنه فى كل الأحوال لا بد أن نضع فى الجريدة أو المجلة المطبوعة ما يبرر وجودها، فإذا لم تطور الصحف المطبوعة من محتواها وتركز على المحتوى الحصرى والتحليلات والقصص الإخبارية والبحث فيما وراء الأخبار فستختفى هذه الصحف»، وستفقد الصحف المطبوعة مبرر وجودها، فحتى كبار السن الذين يمثلون الجمهور الأكبر للصحف المطبوعة أصبح بعضهم يتعامل مع التكنولوجيا الحديثة.
• • •
قبل نحو عقدين من الزمن، ظهر فى الساحة الأدبية إنتاج أدبى يُقرأ على شاشة الكمبيوتر، ومن أهم خصائصه القيام بدمج الوسائط الإلكترونية المتعددة نصية وصوتية وصورية وحركية فى الكتابة على فضاء يسمح للقارئ بالتحكم فيه، وقد سمى بالأدب الإلكترونى، أو الأدب الرقمى.
يقول الشاعر والروائى المغربى حسن المددى: «إن ظهور الإنترنت ووسائل التواصل أحدث ثورة عارمة فى مجال الكتابة، وأثار الخوف على صمود الكتاب الورقى، وأصبح المفكرون يدركون خطورة الموقف، الذى بات يمهد الطريق لتغيير جذرى فى مجال الإبداع الأدبى والفكرى والفني».
لكن التهديد الحقيقى للكتابة ربما يتجاوز الأسلوب الأدبى إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث استطاعت محركات الذكاء الاصطناعى مؤخرًا أن تحاكى كتابات أدبية وعلمية وأن تصنع محتوى خاصًا بها يهدد الكثير من العاملين فى مهنة الكتابة كالكتاب والصحفيين ومعدى التقارير الإخبارية ومؤلفى القصص.
منذ أيام قليلة، أصدرت شركة «Open AI« المملوكة لرجل الأعمال «إيلون ماسك« برنامج ChatGPT وهو محرك للدردشة الكتابية Chat Botيعتمد على أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعى فى محاكاة ردود الأفعال والإجابة على أسئلة المستخدم. يستطيع هذا البرنامج أن يؤلف روايات ويكتب أشعارًا بل ويقص النكات أيضًا. وبرغم أن هذا البرنامج ليس الأول من نوعه ولكنه يعد الأكثر تطورًا حتى الآن ويظهر ذلك فى مدى الاتقان الذى يغلب على مخرجاته من المحتوى الكتابى. وقد سبق هذا البرنامج عدة تجارب لصناعة المحتوى من خلال الذكاء الاصطناعى، لعل أبرزها ما قدمه فريق علماء يابانيين فى جامعة FHU الذين شاركوا بـ11 رواية مكتوبة باستخدام الذكاء الاصطناعى فى مسابقة «نيكى شينيتشى هوشي« الأدبية التى أجازت فى مرحلة التصفية الأولى 1450 رواية من بينها تلك المكتوبة بواسطة الذكاء الاصطناعى، دون معرفة مسبقة للمتقدمين.
وبالرغم من القدرات المتقدمة لمحركات الذكاء الاصطناعى إلا أنه يظل هناك بعض الجوانب التى يمكن للبشر أن يظلوا متفوقين فيها مثل القدرة على فهم وتفسير الأحداث السياسية فى سياق إنسانى وعلاقتها بالعلاقات الدولية والأيديولوجيات السياسية والعوامل الثقافية.
• • •
كل تلك التطورات من حولنا يجب أن تدفعنا إلى العمل على مجاراة التكنولوجيا والسعى نحو التمكن من أدواتها حتى يظل الكاتب المصرى رائدًا فى المستقبل الرقمى.
لكى تتحقق تلك الريادة، يجب الانتباه للتحديات التى تواجهنا وأبرزها جودة الإنترنت فى مصر. إن العمل على تطوير سرعة واستقرار وكفاءة الإنترنت يعد دعمًا مباشرًا لصناعة النشر الإلكترونى ويخلق مناخًا إيجابيًا لأطراف المعادلة من كتاب وقراء وناشرين. التحدى الآخر الذى لا يقل عنه فى الأهمية هو المواجهة القانونية الحاسمة لكل عمليات القرصنة الإلكترونية بحيث يتم ضمان كافة الحقوق الأدبية والمادية للكتاب والناشرين.
أما الفرص التى يجب استغلالها فتتمثل فى العدد الكبير من القراء الشباب المستمرين فى البحث عن شغفهم من خلال قراءة أنواع مختلفة من الكتب المتوفرة بصيغ مطبوعة وإلكترونية. ولعل الإقبال الكبير من الفئات العمرية الصغيرة كان ملحوظًا ومبشرًا فى معرض الكتاب مؤخرًا. تلك الفئات العمرية من الشباب المصرى تمثل جيلًا واعدًا تربى على محتوى تعليمى مختلف عما حظت به أجيال سبقته. لا بد أن نرى فرصة كبيرة لدعم المحتوى الكتاب الرقمى لمن تم تقديم «التابلت« والكتب التفاعلية لهم فى المراحل التعليمية المختلفة، وأصبحوا على استعداد لتلقى المزيد.

التعليقات