«الفلول» تحييكم - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 8:50 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«الفلول» تحييكم

نشر فى : الخميس 7 يونيو 2012 - 8:45 ص | آخر تحديث : الخميس 7 يونيو 2012 - 8:45 ص

مساء الثلاثاء الماضى (5/6) كنت ضيفا على أحد برامج محطة تليفزيون (بى.بى.سى)، التى كانت فكرته تدور حول تحليل الوضع الراهن فى مصر من خلال تعليقات المواطنين ورسومات الفنانين.

 

التى تظهر على شبكة التواصل الاجتماعى أو تنشر على صفحات الصحف. وكان بين الحضور ثلاثة من الناشطين والفنانين الذى قدموا بحسبانهم «خبراء» إضافة إلى جمهور كانوا خليطا من الشبان والفتيات من مختلف الأعمار.

 

قبل بدء التسجيل جلسنا نتحدث عن محاكمة مبارك والانتخابات الرئاسية فى غرفة جانبية، ولاحظت أن شخصا ممتلئ الجسم انضم إلينا، وظل صامتا طول الوقت، فى حين كان يتصبب عرقا وهو يتابع الحديث. وبينما كنا نتكلم رغب أحد الفنانين فى التعرف عليه، فتمتم بكلام غير مفهوم. ويبدو أن صاحبنا شك فى أمره فسأله مباشرة عن رأيه فى محاكمة مبارك، فكان رده أنه متعاطف معه. ثم عاد إلى صمته والعرق يتصبب منه.

 

لم أكن أعرف أن أحد الناشطين الثلاثة من المتعاطفين أيضا مع مبارك، لكنى اكتشفت ذلك حين طلب منه التعليق على رسم كاريكاتورى صور فلاحة اعتبرها الرسام رمزا لمصر، استوقفت سيارة أجرة وطلبت من السائق أن يحملها إلى ميدان التحرير. وكان الرسم يصور الحالة المصرية وغضب الناس بعد إعلان الحكم على مبارك وتبرئة أعوانه فى وزارة الداخلية،

 

فى تعليق صاحبنا ــ وهو شاب نحيف بدا متوترا وعصبى المزاج ــ أن التى استوقفت سيارة الأجرة ليست مصر، ولكنها سيدة ترتدى الزى «الإخوانى»، وكأنه أراد أن يقول إن الذين تظاهروا فى ميدان التحرير هم الإخوان المسلمون فقط، وأن الشعب المصرى لم يكن طرفا فى التظاهرة الحاشدة. فى اجترار للشائعة التى تحرص بعض الأبواق على الترويج لها هذه الأيام، التى يراد بها إيهام الرأى العام بأن الصراع الحاصل ليس بين الثورة والثورة المضادة ولكنه ــ كما كان طوال الستين سنة الماضية ــ بين السلطة والإخوان. وهى ذات اللغة التى تحدث بها اللواء عمر سليمان رئيس المخابرات السابق، فى الحوار الذى نشرته له جريدة الحياة اللندنية، أن ادعى أن الذين عارضوا ترشحه للرئاسة كان الإخوان المسلمون وحدهم، وليس الجماعة الوطنية المصرية.

 

تدخلت فى الحوار قائلا ذلك تشخيص مغلوط، لأن السيدة التى ظهرت فى الصورة ترمز للفلاحة المصرية العادية، والزى الذى ترتديه شائع فى كل أنحاء مصر، وفى القرى فإن المسلمات والقبطيات يرتدين نفس الزى، (وهو شهد به إدورد لين فى كتابه الشهير «المصريون المحدثون»). سكت صاحبنا ولم يرد، لكنه انفعل حين ظهرت صورة كاريكاتورية أخرى لمبارك فى أشكال متعددة، حيث بدا هو الرئيس وهو المحقق وهو القاضى، فى إشارة إلى أن أصابعه لا تزال تتحرك فى مصر. إذ قاطع الرجل زميلنا خالد عز العرب مقدم البرنامج وهو يتحدث قائلا إنه لا يجوز السخرية من مبارك فما كان منه إلا أن دعاه لأن يلتزم الهدوء أثناء التسجيل لأنه هو الذى يدير الحلقة، وإلا اضطر إلى مطالبته بمغادرة الاستوديو. حينئذ انفعل صاحبنا وهب واقفا واتجه إلى باب الخروج. ولم تكن هى المفاجأة الوحيدة التى أدت إلى إيقاف التسجيل، لأننى فوجئت أيضا بنحو عشرين شخصا كانوا يحتلون ركنا جانبيا (أغلبهم من السيدات والفتيات) نهضوا بدورهم وساروا وراءه، ولاحظت أن فى هذه المقدمة منهم الرجل ممتلئ الجسم الذى كان يتصبب عرقا، وفى خروجهم كانوا يهتفون بما اعتبروه أفضال مبارك علينا، فرد عليهم بقية الجالسين مطالبين بإخراجهم، وظلوا يهتفون «برَّه.. برَّه».

 

ما حدث خارج الاستوديو لم نعرف به إلا بعد انتهاء التسجيل، إذ قال لنا الفنيون والعمال أن المجموعة كانت تقودهم سيدة بدينة عالية الصوت وبذيئة اللسان ظلت تسب وتشتم وتحاول الاشتباك مع بعض العاملات فى المكان. ووسط الهتافات والهرج حاول بعضهم اقتحام الغرف المجاورة وتعطيل التصوير، إلا أن العاملين احتشدوا وحالوا بينهم وبين ما يريدون. ثم اكتشفوا أن بعض البلطجية والنسوة الأخريات كانوا يقفون بالباب الخارجى، ومعهم لفافات تحمل صور الرئيس السابق. وكانوا قد جاءوا بعد بدء التسجيل ولكن عناصر الأمن منعوهم من الدخول. وظلوا إلى جوار سيارات كانت تنتظرهم فى الخارج.

 

قيل لى إن ما أنقذ الموقف أن أحد العاملين قال لزملائه بصوت مسموع أن سيارات الشرطة قادمة فى الطريق، الأمر الذى دفع المجموعة إلى المسارعة بالابتعاد واللحاق بالسيارات المنتظرة.

 

المشهد الذى رأيته كان استنساخا لموقعة فض البلطجية للمؤتمر الصحفى الذى عقد فى نقابة الصحفيين لكشف مخالفات الفريق أحمد شفيق فى وزارة الطيران.. الأهم من ذلك أنه جاء دالا على أن شبكة النظام، القديم لا تزال تعمل. وأن هناك من سرب خبر البرنامج التليفزيونى إلى مسئول فى الشبكة، فرتب بقية التفاصيل. الحشد والبلطجية والنسوة اللاتى كان الأمن يطلقهن على المشاركات فى المظاهرات، إضافة إلى صور مبارك وسيارات الركوب ووجبات الطعام والمثلجات التى وزعت على الجميع. وحين تتم كل تلك الترتيبات للتعامل مع برنامج تليفزيونى، فلنا أن نتصور ما يتم ترتيبه للانتخابات الرئاسية، ليس لصالح الدكتور محمد مرسى بطبيعة الحال.

فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.