إعادة إعمار سوريا: ضرورة الخروج عن النمط السائد - العالم يفكر - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 1:07 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إعادة إعمار سوريا: ضرورة الخروج عن النمط السائد

نشر فى : الخميس 7 يوليه 2016 - 9:20 م | آخر تحديث : الخميس 7 يوليه 2016 - 9:20 م
عندما يحين الوقت المناسب، سيكون من الضرورى وضع مقاربات جديدة لإعادة الإعمار الاقتصادى فى سوريا.

نشر البنك الدولى، فى أواخر مايو الماضى، مقالا حمل عنوان «أهمية التخطيط لإعادة إعمار سوريا بعد انتهاء الحرب»، ودعا إلى استخدام صور الأقمار الصناعية وتحليلات وسائل الإعلام الاجتماعى بشكلٍ مبتكر لتقييم الأضرار المادية والاستعداد ليس لمرحلة ما بعد انتهاء الحرب، بل للمرحلة التى تسبق ذلك. طبعا، الصراع السورى لم يصل بعد إلى خواتيمه، ولا تزال الآفاق ضئيلة حتى الآن لاتخاذ التدابير المنظمة والمتكاملة ومناسبة التوقيت فى مجال السياسات العامة، من النوع الذى يتخصص به البنك الدولى والوكالات المماثلة. ولابد أن تتجاوز الأحداث المخططات الأولية التى قد تضعها هذه الوكالات، لذا سيتعين عليها إعادة تصميمها. غير أن التخطيط أمرٌ بالغ الأهمية، لأنه يحث الأطراف الفاعلة السياسية والتكنوقراطية على تحديد الاحتياجات والأولويات وتطوير المهارات والموارد اللازمة للنهوض بهذه المهمة الجسيمة.

ومع أن المقاربات الاستشرافية كالتى ينادى بها البنك الدولى ضرورية للغاية، إلا أن عليها الخروج عن النهج التقليدى للممارسة الدولية فى مجال إعادة الإعمار. ففى أعقاب الحرب الباردة، تحولت عمليات إعادة الإعمار فى مرحلة ما بعد الصراع إلى ميدان متميز يُعنى بالتطبيق العملى للسياسات العامة، بيد أن سجلها شابَهُ الكثير من التباين والتفاوت سواء على مستوى جنى «ثمار السلام» الحقيقية، مرورا بإرساء الأمن (أو منع تجدد النزاع المسلح)، وخلق فرص العمل، ووصولا إلى بناء الأسس اللازمة لتحقيق نمو اقتصادى حقيقى وعادل ومستدام.

لم يقتصر الأمر على أن التجارب الفاشلة كانت أكثر من الناجحة – كما فى أفغانستان وجمهورية الكونغو الديمقراطية والعراق ولبنان وليبيا وفلسطين ــ بل أدت هذه الإخفاقات إلى جعل سكان البلدان المتضررة الخارجة من الصراع أسوأ حالا مما كانوا عليه سابقا من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية. (ثمة من ينظر إلى بعض هذه الحالات على أنها تجارب ناجحة جزئيا، إلا أن هذه البلدان فى أحسن الأحوال تعيش حالة من الصراع المعلق، فى ظل تفشى المحسوبية الاقتصادية والفساد المستشرى والتآكل العميق للدولة).

ولكى تصبح فُرَص إعادة الإعمار الفعالة فى سوريا ممكنة، على الرغم من ضآلتها، ينبغى على الجهات والوكالات المحلية والدولية المعنية أن تفكر مليا بالديناميكيات التى ستشكل مسار ونتائج أى جهد تستثمره فى البلاد. كما يتعين على المعنيين بالتخطيط وصانعى السياسات والقرارات والناشطين النظرَ إلى ما هو أبعد من الأبنية ومواد بنائها وأكثر من متطلبات التصميم على مستوى الاقتصاد الكلى أو مستوى القطاعات. إذ غالبا ما يتم التركيز على الجانب المادى من عملية إعادة الإعمار وتوفير المهارات التقنية والإدارية المرتبطة بها، مع أن العوامل غير المرئية لا تقل عن ذلك أهمية – أى الديناميكيات الاجتماعية والسياسية والمؤسسية – التى ستشكل عملية إعادة إعمار سوريا وستتمخض عنها بعد انتهاء الصراع هناك، وعن المسار المرتبط بها والمتمثل فى إعادة اللاجئين والنازحين إلى ديارهم.

***

تعترض عملية إعادة الإعمار تحديات عديدة، أبرزها ثلاثة هى:

يكمن التحدى الأول فى تغيير تَصَوُر الجهات الدولية المانحة والنخب الوطنية لهذه المهمة، والذى يستند إلى اعتبار وجهات نظرها ومصالحها النقطة المرجعية الأساسية. فعلى الرغم من الحديث المتواصل عن «الدروس المستفادة»، تميل الجهات المانحة الدولية إلى إعادة تطبيق السياسات والاستراتيجيات نفسها التى سبق أن نفذتها فى بلدان أخرى ضمن إطار جهود إعادة الإعمار فى مرحلة ما بعد الصراع. ومن الأمثلة الرئيسة على ذلك ميلها إلى التركيز على تعزيز مؤسسات الدولة المركزية بهدف تحقيق نتائج فعالة وسريعة، ما يحظى بترحيب النخب الوطنية المحلية. لكن نادرا ما تتأكد على أرض الواقع المزاعم القائلة إن هذه الخطوة أدت إلى تحقيق مكاسب على صعيد الفعالية والكفاءة.

فى سوريا، على وجه الخصوص، قد تتمثل الخطوات الأكثر فعالية فى نقل صلاحيات عملية اتخاذ القرارات وتصميم البرامج وتحديد الأولويات والتحكم بالموارد، إلى السلطات المحلية وإضفاء اللامركزية عليها. وأغلب الظن أن تعكس هذه الخطوات على نحو أفضل الاحتياجات الخاصة للفئات الضعيفة أو المستضعفة مثل النساء واللاجئين والعشائر والمجتمعات المحلية الريفية – وهذه الفئات معرضة إلى التهميش مع انتهاء عملية إعادة الإعمار أكثر مما هى معرضة له فى بدايتها – وأن تؤدى إلى المزيد من القبول المجتمعى لمشروع إعادة الإعمار.

يكشف خطر قيام النخب الوطنية أو الأطراف القوية المتشابكة بحرف تدفقات الموارد عن مسارها الصحيح واستخدام سيطرتها على تلك التدفقات لزيادة نفوذها، عن التحدى الثانى المتمثل فى تعزيز قدرة المجتمعات المحلية على ممارسة حوكمة هادفة. إذ تميل الجهات المانحة الغربية إلى مقاربة مسألة إعادة الإعمار بسلة من التسميات الجاهزة مثل «أصحاب المصلحة» و«الملكية» و«المساءلة» و«الشفافية» و«أفضل الممارسات»، لكن غالبا ما تشكل هذه التسميات مؤشرا ركيكا إلى كيفية تنظيم «الحوكمة»، وهو مصطلحٌ كثيرا ما يُساء استخدامه.

تتطلب التركيبة المعقدة للمجتمع السورى أن يتمحور أى نموذجٍ للحوكمة حول الطبيعة شديدة المحلية للديناميكيات الاجتماعية، والفرص الاقتصادية، والمؤسسات التى تقدم الخدمات والحوكمة. وقد يكون إسناد مسئولية تحديد الأولويات وإدارة عملية التنفيذ إلى المجتمعات المحلية فى جميع أنحاء سوريا، الوسيلةَ الأنجح لتحقيق شرعية ومساءلة فعليتين، وللجم الخلافات الطائفية والعرقية. وبغض النظر عن التفاصيل الدقيقة، ينبغى أن تختلف برامج إعادة الإعمار عن النمط السائد راهنا، أى عليها أن تكون «مملوكة» فعليا للسوريين لا للجهات المانحة، وأن ترضخ إلى المساءلة من قبلهم لا من قبل هذه الجهات.

***

ثالثا، وكما هو الحال فى أى مجال من مجالات السياسة أو تصميم البرامج، يُطرح سؤال أساسى هو: مَن هى الجهة الموكلة تحديد جدول الأعمال بالفعل؟ فمن الأمثلة البالغة الأهمية أن معظم الأطراف السياسية المنخرطة فى الأزمة السوريا تتعهد رسميا بتنمية اقتصاد السوق الحرة، غير أن التفضيلات والتوقعات حياله تختلف كثيرا بين المجتمعات الحضرية فى مقابل المجتمعات الريفية، وبين طبقة التجار فى مقابل موظفى الدولة، وبين الأحزاب الراسخة مثل جماعة الإخوان المسلمين فى مقابل الوافدين الجدد مثل السلفيين. ولا يقل عن ذلك أهمية أن الأطراف الفاعلة الدولية والإقليمية على حدٍ سواء ستستخدم عروض الاستثمارات والمساعدات المتضمَنة فى عملية إعادة الإعمار لتعزيز مصالحها التجارية الخاصة، ما قد يؤدى إلى توليد ديناميكيات مختلة وهياكل حوافز تأتى بنتائج عكسية تعيق الاقتصاد السياسى فى سوريا فى مرحلة ما بعد الصراع.

وبما أن من المتوقع أن يظل بشار الأسد فى السلطة فى المستقبل المنظور، قد يبدو من السابق لأوانه التفكير بشكلٍ طموحٍ جدا فى عملية إعادة الإعمار. مع ذلك، ينبغى معالجة التحديات المذكورة أعلاه ريثما يصبح ذلك ممكنا، وإلا فسوف تُمَكِن عملية إعادة الإعمار أولئك الذين يملكون رأس المال الاجتماعى والأدوات الرئيسة لممارسة التأثير السياسى، وستولد نتائج مشوَهة فى مجالات إعادة دمج اللاجئين والنازحين، والمصالحة المجتمعية، والتنمية الاقتصادية العادلة والمستدامة.
التعليقات