التنفيذية تراقب التشريعية - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 2:46 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التنفيذية تراقب التشريعية

نشر فى : الثلاثاء 8 نوفمبر 2016 - 11:35 م | آخر تحديث : الثلاثاء 8 نوفمبر 2016 - 11:35 م

يبدو أن عدوى «الشموخ» أصابت القضاء الفلسطينى. ذلك أن المحكمة الدستورية فى رام الله منحت الرئيس محمود عباس سلطة رفع الحصانة عن عضو المجلس التشريعى. وهو قرار غير مسبوق أعطى رئيس السلطة التنفيذية سلطة فصل أى نائب منتخب، الأمر الذى يقنن إهدار مبدأ الفصل بين السلطات، ويجعل استمرار عضو البرلمان فى موقعه مرهونا برضا الرئيس وأجهزته عنه. من ثم فبدلا من أن يقوم المجلس التشريعى بدوره فى مراقبة السلطة التنفيذية، فإن الوضع صار معكوسا بحيث أصبحت السلطة التنفيذية هى التى تراقب أداء السلطة التشريعية.

أدرى أن الفصل بين السلطات ليس معمولا به فى بلادنا، وأن رئاسة السلطة التنفيذية هى مركز القوة الحقيقى، وهى صاحبة القول الفصل فى السياسة والاقتصاد وفى الحرب والسلم وفى غير ذلك. كما أن تطويع البرلمان وضمان إلحاقه بالسلطة التنفيذية له أساليب عديدة، ناهيك عن أن هناك دساتير تجيز لرئيس الدولة أن يحل البرلمان فى ظروف معينة. إلا أننا لم نعرف نظاما أعطى رئيس الدولة «حق» فصل عضو البرلمان الذى لا يرضى عنه. لذلك أستحى أن أقول إننا ألفنا مبدأ تحكم الرئيس فى البرلمان، حتى لم نعد نستغربه، وإنما ينصب استغرابنا على هبوط مستوى إخراج العملية بحيث تتم من خلال إرهاب الأعضاء، بما يمكن الرئيس من أن يفصل من يشاء ويبقى على من يشاء.

قرار المحكمة الدستورية يضيف فصلا جديدا إلى سجل أعاجيب القضاء فى ظل السلطة الفلسطينية التى كان منها التلاعب الأخير بالانتخابات البلدية. إذ قضى بإجرائها فى الضفة الغربية وحجبها فى قطاع غزة بحجة أنه غير شرعى فى حين أن السبب الحقيقى هو الحيلولة دون فوز مرشحى حركة حماس من الفوز بإدارة بلديات القطاع. وكانت تلك مقدمة لتأجيل الانتخابات كلها بعد ذلك. وتكشف وجها آخر للعبث حين اختلف رئيس مجلس القضاء الأعلى مع رئيس المخابرات، فتم عزل الأول. لكن صاحبنا لم يسكت فكشف عن فضيحة أخرى حين ذكر أنه عند تعيينه فى منصبه الرفيع فإنه طلب منه التوقيع على كتاب غير مؤرخ بالاستقالة، وهو ذات الكتاب الذى استخدم لإقصائه حين رفع الرضا عنه. وقيل لى إن ذلك تقليد اتبعته السلطة مع كثيرين ممن يشغلون المواقع المؤثرة.

صدمة قرار المحكمة الدستورية الذى أطلق يد أبومازن فى رفع الحصانة عمن يشاء من أعضاء المجلس التشريعى أضافت بعدا جديدا للمشهد العبثى الفلسطينى. ذلك أن شرعية الرئيس الفلسطينى ذاته محل شك لأن ولايته منتهية منذ عدة سنوات، حتى بعد التمديد له من جانب الجامعة العربية. وفى ظل هذا الوضع فليس له أن يصدر القوانين. رغم ذلك فقد اغتصب سلطة المجلس التشريعى فى تشكيل المحكمة الدستورية، التى أرادها واجهة قانونية لتغطية وتبرير ما يصدر عنه من قرارات. وترتب على ذلك أننا صرنا بإزاء رئيس منتهى الولاية اتكأ على تشكيل قضائى غير قانونى. فى تصفية حساباته الخاصة. ذلك أن القرار الأخير للمحكمة الدستورية استهدف فى حقيقة الأمر إقصاء معارضى أبومازن فى المجلس التشريعى، وإضفاء الشرعية على قراره السابق برفع الحصانة عن النائب محمد دحلان إلى جانب فصله من اللجنة المركزية لحركة فتح فى عام ٢٠١٢.

ليس معروفا ما إذا كان قرار المحكمة الدستورية ردا على ضغوط الرباعية العربية على أبومازن لإلغاء قراره السابق بفصل دحلان وبعض أنصاره من مركزية فتح ومن المجلس التشريعى، أم أنه تمهيد لتمكين الرئيس الفلسطينى من ترتيب الوضع داخل حركة فتح قبل مؤتمرها السابع الذى يفترض أن يعقد قبل نهاية الشهر الحالى. لكن الثابت أن القرار وجه ضربة قاضية لأمل الديمقراطية فى ظل السلطة القائمة فى رام الله.

لا يفاجئنا ذلك تماما، لأن القضاء فى بعض الأقطار العربية ــ وفى مختلف الأنظمة الاستبدادية ــ صار أحد أدوات القمع الخبيث. وهو الذى تصمم فى ظله قوانين الاستبداد، ثم يطالب الجميع بعد ذلك باحترام «القانون». كما أن القضاة يتم انتقاؤهم بمواصفات تطمئن المستبد وتكرس نظامه، فى حين يعم على الملأ الادعاء بعدم جواز التعقيب على أحكام القضاة باعتبارها إعلانا عن الحقيقة. وإزاء شيوع الظاهرة فقد انفصل القضاء عن العدل ولم يعد سبيلا لإقامته بين الناس، حتى صار نصيرا للظلم فى تلك الأقطار.

فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.