جامعة القاهرة - خالد الخميسي - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 7:58 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جامعة القاهرة

نشر فى : السبت 9 مايو 2009 - 9:26 م | آخر تحديث : السبت 9 مايو 2009 - 9:26 م

 قرأت ردود الفعل العنيفة من كتاب الجرائد الحكومية والمستقلة حول اختفاء جامعة القاهرة من قائمة «التايمز لمؤسسات التعليم العالى» لأفضل أربعمائة جامعة على مستوى العالم واصفين الأمر بالكارثة. تساءل الدكتور يحيى الجمل: هل هناك هوان بعد هذا الهوان؟ ووصف الدكتور أبو الغار خروج جامعة القاهرة من القائمة بالصفر الكبير. وهو يذكرنا بلا شك بصفر المونديال.

لم أفهم على الإطلاق هذا العنف فى تقييم الأمر وهذا الحزن الذى تفجر كالشلال من أقلام كتابنا. فجامعة القاهرة لم تغير هذا العام موقعها المتدنى فى قائمة التايمز عن العام الماضى أو حتى العام الذى سبقه، فقد جاء ترتيبها واحدا فى هذه الأعوام السابقة. ثم ما حكاية الأفضل والأقوى والأضخم والأعظم التى تأخذ بألباب الناس؟.. ثم كيف يمكن مقارنة جامعة هارفارد التى احتلت المرتبة الأولى وعدد طلابها للمرحلة الجامعية 8044 طالبا وعدد أعضاء هيئة التدريس بها 4907 أساتذة أى أكثر من نصف عدد الطلبة ومصاريف الدراسة بها ما يوازى 173 ألف جنيه، بجامعة القاهرة وعدد طلابها 155 ألف طالب وعدد أعضاء هيئة التدريس بها 3158 أستاذا ومصاريف الدراسة بها حوالى مائة وخمسين جنيها؟.. تصورت دائما أن «الأفعل» و«الأفضل» جزء من عالم الأطفال، ولكن الإعلام مصمم دائما أن يتعامل مع الكبار باعتبارهم أطفالا. كما أثار البعض وجود جامعات إسرائيلية فى قائمة أفضل الجامعات باعتبارها كارثة أن يتدهور بنا الأمر إلى هذه الدرجة وتصبح جامعاتنا أقل فى الترتيب من جامعات إسرائيلية. صحيح أن الجامعة العبرية فى القدس قد احتلت هذا العام المركز الـ93 بعد أن كانت فى العام الذى سبقه تحتل المركز الـ128، ولكن الأمر أيضا ليس فيه أى جديد، ففى الأعوام السابقة كان هناك عدد من الجامعات الإسرائيلية موجودا فى قائمة الأفعل.

وأثناء اندهاشى تلقيت مكالمة هاتفية من هند واصف، واحدة من أصحاب مكتبة الديوان تدعونى لافتتاح فرع للمكتبة داخل حرم جامعة القاهرة. تعجبت من المصادفة وسعدت بالخبر عسى أن يدعم وجود كتب داخل الحرم فى تدرج جامعة القاهرة سلم قائمة التايمز المهيبة الرخامية الملساء ولو درجة واحدة. أغلقت السماعة وجلست أعد السنوات واكتشفت أننى خرجت من جنة الجامعة إلى الجحيم خارج أسوارها منذ خمسة وعشرين عاما بالتمام والكمال. ياه.. ربع قرن! هل يمكن أن تغدر بنا السنوات بهذه الكفاءة المتناهية حتى لا نشعر بمرورها حتى تأتى الساعة فى ضربتها الخطافية البارعة؟ قررت أنه بعد هذه التأبيدة يجب أن أقتنص هذه الفرصة، فقد لا تسنح مرة جديدة، وأعود إلى جنتى السابقة بعد أن اكتَسَبت أخيرا ولأول مرة فى تاريخى معها مكتبة حقيقية بعد أن كانت تكتفى بأكشاك صغيرة بائسة تبيع الكتب فى سرية من يبيع المخدرات.

دخلت الحرم الجامعى فى الساعة الحادية عشرة صباحا وأنا أتذكر أن شهر مايو هو شهر الاستعداد للامتحانات. فالمحاضرات قد انتهت والطلبة فى منازلهم يقيمون مخيمات العزلة للتفرغ لاكتساب العلوم على أمل الفوز بغناء: «الناجح يرفع إيده». أتذكر أننى حضرت إلى الجامعة فى مايو عام 1981 وكانت كليتى للاقتصاد والعلوم السياسية شبه خالية من الطلبة. ولكننى فوجئت اليوم بجحافل من الطلبة يسدون نور الشمس يتسكعون داخل الجامعة وكأن المائة والخمسين ألف طالب تجمهروا فجأة لفعل لا شىء. يسيرون على مهل، فوج وراء الآخر. كل فوج مكون من ثلاثة أو أربعة من الطلبة شبه متلاصقين. تأملت حركتهم فوجدتهم يسيرون فى دوائر مفرغة يمضغون خلالها الزمن حتى يأكل واحد الآخر. عجبت من كل هذه الزحام واستكملت مسيرى نحو مكتبة الديوان. تناهى إلى سمعى غناء وطبل وكلما اقتربت كان الغناء أوضح. وعندما وصلت إليهم اكتشفت أنهم مجموعة من الطلبة والطالبات لا يقل عددهم عن الثلاثين طالبا يستندون على حائط من حوائط مبانى الجامعة وهم يصفقون ويغنون فى سعادة. ثم فجأة قطعت عليهم غناءهم أستاذة جامعية حسناء فى الخمسين من العمر بعد أن فتحت فجأة زجاج نافذة الدور الأول، وأطلت منه بوجهها الرصين وطلبت من الطلبة الرحمة، فصوت الغناء يعلو على صوت الجميع فى الندوة التى تحضرها، ثم ذكرتهم بأدب أنهم فى حرم جامعة. اعتذر الطلبة بوجل للأستاذة المهيبة. وبعد إغلاقها النافذة بدقيقة استأنفوا الغناء باعتبارهم لا يعرفون الرحمة، فاستأنفت أنا المسير. وجدت شابا طويلا، وكأنه لاعب كرة سلة فى دورى المحترفين، ملتحيا وشعر لحيته سريالى جدا، يقف أمام جهاز تسجيل قديم يصدر صوتا مريضا وهو يذيع أغانى أطفال، وبجانبه اصطفت عشرات الشرائط. حاول أن يبيع لى إحدى شرائطه بنفس الوسائل المتبعة فى ميدان العتبة ولكنه لم ينجح. وأمام كشك لبيع الساندويتشات سألت الطلبة المتظاهرين هناك عن مكان كلية التخطيط العمرانى حيث مكتبة الديوان فأشاروا إلى مكان خلف كلية التجارة ناحية بين السرايات.

كانت هذه القطعة من الأرض خالية تماما من المبانى فى عصرى الحجرى. فى هذه المنطقة كانت تجرى التدريبات العسكرية للطلبة. وفى هذا المكان أمسكت ببندقية لأول مرة فى حياتى والصول يشرح لنا بصوته الجهورى وشكله الذى يشبه تماما الشاويش عطية أجزاء البندقية المختلفة الذى يعود تاريخ إنتاجها إلى الحرب العالمية الثانية. ماذا حدث؟ كليات فى كل مكان لم يكن لها وجود فى بداية الثمانينيات. لم أتصور أننى سوف أكون غريبا فى دارى. ظللت أسأل عن المكان وكأننى فى جامعة واجادوجو وليس فى جامعة القاهرة. حتى وصلت أخيرا. وهناك رأيت طلبة يلتفون حول الكتب بحب يجعل منهم ولا شك طلبة فى جامعة تحتل المرتبة الأولى على العالم.

خالد الخميسي  كاتب مصري