لا يستطيع أحد عندنا، أن يفهم ما الذى يجرى فعلا فى مصر، كما ليس فى استطاعة أحد أن يعطينا جوابا مقنعا عن سؤال من سيكون الرئيس القادم هناك. يشعر خبراء الاستخبارات عندنا بالضياع، فلا أحد يستطيع أن يتوقع ماذا سيحدث فى مصر الجديدة بعد تنحية مبارك ومحاكمته، لا سيما بعد صور الرئيس المخلوع على سرير المرض، ومشاهد المظاهرات المطالبة بالديمقراطية فى مقابل مشهد بحر من النساء المنتقبات، وفى إثر صعود الإسلاميين وانهيار أجهزة الأمن المصرية، والوعود بالحفاظ على اتفاق السلام ثم التهديد بإعادة درسه، وبعد الهجوم على مبنى السفارة وعملية إنقاذ حراسها، والهياج ضد إسرائيل فى الشوارع والإعلام، وبعد الأزمة الاقتصادية الخطرة وارتفاع معدل البطالة، وهرب المستثمرين واحتضار السياحة. فى خضم هذا الاضطراب الكبير، أوصى بعدم الاستخفاف بالمشير الطنطاوى، وزير الدفاع ورئيس المجلس العسكرى الأعلى. فهو هادئ ذو نظرة تمتاز بالبعد والعمق. وعلى الرغم من إصرار بعض الخبراء الإسرائيليين على الحديث عن ضعف الطنطاوى وخضوعه للشارع المصرى، وعن عدم وجود خطة واضحة لديه، واحتمال دخول مصر فى انتفاضة ثانية أشد خطرا من الأولى، إلا أن الطنطاوى قد نجح حتى اليوم فى إحراز الأهداف التى حددها لنفسه بحنكة كبيرة. غدا ستنطلق الحملة الدعائية الرئاسية فى مصر، وستمتلئ الشوارع بملصقات تحمل صور المرشحين الـ13، وسيغرق الناخبون المصريون بالوعود التى تنضح بالكراهية ضد إسرائيل وبالتهديد بتجميد اتفاقات السلام، لأن مثل هذه الوعود تلقى آذانا صاغية واستحسانا لدى الجمهور المصرى. وسيكون برنامج عمل الطنطاوى وأعضاء المجلس العسكرى حاشدا حتى تموز، إذ عليهم الاهتمام بصياغة الدستور الذى سيقلص من صلاحيات الرئيس، وإبعاد المتظاهرين عن الساحات، وإعادة تنظيم الشرطة، وتهدئة البدو فى سيناء من خلال صرف ميزانيات تطوير تبلغ ملايين الدولارات، ومواجهة الحكم على مبارك فى الشهر القادم، كما عليهم أيضا تدبير الأمور لمصلحة المرشح الذى سيشغل منصب رئيس الجمهورية. وفى تقديرى أن الرئيس المصرى القادم سيكون أحد المرشحين الذين جرى الاتفاق عليه سرا بين المجلس العسكرى الأعلى وبين زعماء المعسكر الإسلامى.