«وما أدراك ما غضبهم» يا سيادة الرئيس - أميمة كمال - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 2:17 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«وما أدراك ما غضبهم» يا سيادة الرئيس

نشر فى : الإثنين 9 يوليه 2012 - 8:25 ص | آخر تحديث : الإثنين 9 يوليه 2012 - 8:25 ص

لا أعرف كم منكم مثلى ذهبت دهشته أو فقد سعادته. أو كم منكم ردد فى سره ذلك الأكليشية المعتمد فى هذه الحالات (ذهبت السكرة، وجاءت الفكرة). يعنى كم منكم استيقظ من حلمه الذى تصور أنه تحقق عندما جاء إلى مصر حاكم، يقف فى ميدان التحرير بين الناس، متباهيا بأنه لم يرتد سترة واقية من الرصاص. وكم واحد منكم بعد أن صفق طويلا فى ميدان التحرير، عندما خلع الرئيس الجاكت ببساطة لكى يصدقه الناس من أنه لا يخشى الشعب، عاد الآن ليسأل نفسه وماذا يضيرنا لو ارتدى الرئيس ما يحميه من الرصاص، إذا كانت تعليمات الأمن تقتضى ذلك. ومن منكم عاد ليفكر جليا بعد ان زالت دهشته الأولى فى أهمية أن يشترى السيد الرئيس البقسماط الخاص بالعائلة بنفسه، أو أن يقوم بالنيابة عنه أحد العاملين بالرئاسة. خاصة وان موازنة الرئاسة تقدر بـ290 مليون جنيه، وبالطبع جهد السيد الرئيس فى الشراء لن ينقصها مليما. وإنه لو اشتراها هو أو الطباخ أو السفرجى أو مربية المنزل أو حتى أحد ابنائه لن يحدث فارقا كبيرا.

 

الغريب أنه بأسرع مما كنت أتصور أصبح لا يهم الكثيرين ما يفعله الرئيس من تقشف وتواضع فى حياته الخاصة. ربما لأنه أصبح من باب المسلمات، ألا يأتى حاكم لمصر يستطيع أن يعيد النسخة المباركية مرة أخرى. الناس الآن أصبحت تنتظر أن يخرج الرئيس لينصر المظلومين القابعين على بابه. ونصرهم هذا كان يقتضى منه أولا، أن يرد على المقربين منه من أهله وعشيرته، من أمثال حسن البرنس، أو محمد البلتاجى اللذين تجرآ على هؤلاء المغبون حقهم لسنوات طويلة من العمال، هؤلاء الذين صبروا طويلا على رجال الأعمال من أرباب جمال مبارك. «وما أدراك ما أرباب جمال مبارك».

 

ووصل الحال بالبعض من أهلك وعشريتك ياسيادة الرئيس إلى حد من المغالاة فى عداوتهم لهؤلاء الذين استنجدوا بك من ظلم رموز الطغاة من رأسمالية مبارك، التى تجبرت فى عهده، وتريد أن تواصل تجبرها معك، وصل حد المغالاة إلى وصف هؤلاء بأنهم من عملاء أمن الدولة، أو من أنصار بعض القوى التى تريد إفشال الرئيس. ألم يكن عليك يا سيادة الرئيس أن ترد غيبة هؤلاء الذين عانوا طويلا من ظلم النظام القديم، ولم يعد أحد منهم يستطيع الهدوء، كما ينصحهم هؤلاء الذين يجلسون فى مكاتبهم المكيفة، يسطرون المقالات الباردة، إما طمعا فى إرضاء الرئيس، أو بعدا عن الشارع الذى لن يجدى معه حديث هؤلاء المناصرين لفكرة الثورة على نار هادئة.

 

وإذا كنت يا سيادة الرئيس لا تريد إحراج من هم من أهلك وعشيرتك، ولا تريد الرد عليهم بالقول بأن الغاضبين على بابك هم من أصحاب الحقوق المشروعة، الذين كانوا بالفعل وقودا للثورة التى جاءت بك، وبهم إلى الحكم. فكان عليك ان تبدأ بنصرة هؤلاء العمال، الذين احتموا بك من غطرسة رجل الأعمال محمد أبوالعينين، الذى يتكاتف معه كل رجال الأعمال من أجل هزيمة كل من تسول له نفسه، أن يتعلق بأهداف الثورة التى يريدون وأدها مهما كلفهم ذلك من خسائر مالية. فمن المؤكد ان ما يخسره رجل الأعمال من توقف مصنعه أكثر كثيرا مما سيدفعه لحقوق العمال. ولكن الأمر كله هو كسر الإرادة. القضية التى يقاتل من أجلها أبوالعينين، وكل من هم على شاكلته الذين اسرعوا إلى نصرته، دون أن تكون القضية تعنيهم مباشرة، هى ألا يصدق عامل أنه يستطيع أن يحصل على حقوقه المشروعة إلا برغبة «السيد» صاحب العمل. وإن المشروع من الحقوق هو فقط ما يقرره ذلك السيد. وأن العامل ليس من حقه الاعتراض على ما يعطيه له سيده، وإذا استخدم حقه فى الاعتراض على أى غبن لحق به، فالفصل هو أهون العقوبات. لأنه يمكن أن يجد نفسه متهما بسيل من الاتهامات أبسطها إتلاف مصنعه. أنها ذات القيم التى كانت تحكمنا أيام مبارك.

 

ولا أعرف يا سيادة الرئيس هل أطلعك أحد من أهلك وعشيرتك على المؤتمر الصحفى الذى عقده رجل الأعمال، صاحب الاتهام الذى مازال معلقا فى رقبته فى موقعة (الجمل وشركاه) الذى أطلق العنان لخياله فى اتهام العمال بأنهم يتعاطون البانجو شكك، وأنهم من مدمنى أقراض الترامادول. وأعترف بانه لم يحدث طوال الثلاثين عاما الماضية مثل ما حدث فى مصنعه هذه الأيام. وبالفعل هذا لم يحدث طوال أيام مبارك، ولذلك ظل الكبت محبوسا فى الصدور إلى أن خرج فى ثورة لم تهدأ بعد. فإذا وافقت يا سيادة الرئيس أن تترك عمال الشركة الذين يجلب عرقهم الملايين لرجل الأعمال أن تتركهم فريسة له، ولشركائه من رجال الأعمال الذين هبوا لنصرته فى بيانات وتصريحات نارية. فأنت تخاطر بكل من صفق، وساند، ورحب بأفعالك الصغيرة التى لا تكفى لتثبيت الكرسى على الأرض.

 

يا سيادة الرئيس هل أطلعك رئيس الوزراء، أو رئيس هيئة الاستثمار، أو محافظ السويس على ذلك الاتفاق المضحك الذى توصل إليه رئيس الهيئة بتوقيعه بجانب توقيع رجل الأعمال. هل قال لك أحدهم إن العمال سيصرفون مرتب شهر يونيو (سيراميك). وإن على كل عامل أن يدخل على زوجته، وأولاده بكمية من السيراميك، يصرف منها على شراء احتياجات رمضان، ويسدد بها إيجار بيته، وفاتورة الكهرباء ويدفع منها اشتراك الأتوبيس والمترو لأهل بيته، وفاتورة المحمول إذا لزم الأمر. وهل قالوا لسيادتكم أنه ربما يتم السداد نقدا، بشرط أن يلتزم الجميع باستمرار العمل. وهذا طبعا قبل البت فى مطالب العمال التى سيتم تأجيلها، حتى تنتهى اللجنة المشكلة من دراستها، وعرضها على رئيس الوزراء. وإن أى توقف قد يحدث بعد ذلك سوف يتم إتخاذ كافة الإجراءات القانونية. «وما أدراك ياسيادة الرئيس ما الإجراءات القانونية».

 

ولم يفت السيد رجل الأعمال ان يكتب بخط يده على الاتفاقية أنه يتحفظ على ممثلى العمال الذين اختارهم زملاؤهم للتفاوض باسمهم لأنهم مفصولون. يا سيادة الرئيس لا تصدق أهلك وعشيرتك فالعمال هم سند لك. هم الذين بنصرتهم يمكن أن يرفعوك على أكتافهم، أو بغضبهم يمكن أن....... «وما أدراك ما غضبهم».

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات