سلوكيات اللسان 10ــ عبادة التسبيح - جمال قطب - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 1:48 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سلوكيات اللسان 10ــ عبادة التسبيح

نشر فى : الأربعاء 9 يوليه 2014 - 5:45 ص | آخر تحديث : الأربعاء 9 يوليه 2014 - 5:45 ص

التسبيح هو تنزيه الله عما لا يليق به، وهذا نوع من الذكر الرفيع يشترك فيه البشر والملائكة، بل وسائر المخلوقات.. فالله قد خلق المخلوقات وسخرها وخلق الإنسان واستخلفه، ولم يزحف الخلل أو النقص ــ حاشاه ــ على شىء مما خلقه وقدره. لذلك فنحن نزكى ألسنتنا ونزين منطقنا بتسبيح الله قياما، وقعودا، ورقودا، ليلا ونهارا، سعة وضيقا لأنه سبحانه وتعالى قد أعطى كل شىء خلقه ثم هدى. بل إن من إيماننا بالله أنا نوقن أن كل ما يحدث لنا من خير أو مكروه فإنه ــ ولو لم ندرك ــ نعمة جزيلة. ونعبر عن ذلك حينما يصيبنا مكروه فنقول: «الحمد لله الذى لا يحمد على مكروه سواه» ونقصد بذلك أنه إذا جاءنا قدر ما بما نكره فإننا نعرف أنه تقدير الحكيم العليم فنحمده عليه.

وتلاوة آيات القرآن الكريم تبين تقدير الله وحبه لعبادة التسبيح، فمثلا نجد فى القرآن ستة سور تفتتح بالتسبيح، فسور الحديد والحشر والصف تفتتح بالفعل الماضى الدال على القدم والدوام من الأزل وإلى الأبد (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ)، (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ).

وهذه الافتتاحيات الثلاث يتفق اثنتان منها فى الألفاظ، وتختلف الثالثة عنهما اختلافا يسيرا.. لكن الآيات الثلاثة وغيرها فى القرآن تؤكد إدراك الكائنات جميعها مملوكة تابعة لخالقها، وأنها تؤدى دورها الذى خلقت له بطاعة ورضا، وقبل ذلك وبعده فإن المسخرات جميعها تسبح دائما لله تسبيح تنزيه وتسبيح عبادة وتسبيح شكر.

أما سورة الإسراء فتبدأ بقوله تعالى (سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى)، وحقا فالإسراء بالنبى صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس، ثم ما بعد ذلك من الصعود إلى السماء ثم الرجوع وفراشه لم يبرد بعد، كل ذلك يستحق تقدير الفاعل فنسبح بحمده دائما.

وسورة الأعلى تبدأ بفعل الأمر (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)، فربنا الأعلى قد تعالى عن النقص والغفلة، فالبشر جميعا يتمتعون بتبعيتهم لرب «أعلى» لا يناله كيد، ولا يحول دون وصول فضله ورزقه ورحمته إلى الناس حائل، وهذا أمر ينبغى ألا نغفل عنه، فنداوم على تسبيحه باسمه الأعلى. كذلك فقد فعّل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الأمر بالتسبيح بقوله: «اجعلوها فى سجودكم»، وهكذا فكل المصلين يسبحون فى سجودهم بقول «سبحان ربى الأعلى»، وليس أعلى فوقهم إلا الله سبحانه.

وسورة النحل (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)، وسورة الجمعة بالفعل المضارع (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الأَرْضِ..).

وقد تكرر التسبيح فى القرآن أكثر من 80 مرة، فهذه الجبال تسبح مع داود (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ)، وكذلك (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ..)، وحتى لا نطيل فيكفى قول الله تعالى (..وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ..)

-2-

والقرآن يأمرنا بالتسبيح (..وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ)، ويقول (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) و(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى).

ويبين القرآن أوقاتا مفضلة للتسبيح (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ) و(وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ) و(وَسَبِّحُوهُ بُكْرَة وَأَصِيلا) و(فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) وعند ركوب وسائل الانتقال (سُبْحَانَ الَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ).

ويجب على كل آدمى أن يذكر أن الملائكة كانت أول من سبحت ربها ساعة خلق آدم، وتصورهم أن ذريته كلها شريرة، فلما بين الله لهم سوء تقديرهم قالوا (.. سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا * إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ).

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات