انتقال الأمة إلى مشروع جديد - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 10:22 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

انتقال الأمة إلى مشروع جديد

نشر فى : الخميس 9 يوليه 2015 - 11:05 ص | آخر تحديث : الخميس 9 يوليه 2015 - 11:05 ص

عبر قرنين من الزمن تنقَلت الأمة العربية من مشروع إنقاذى إلى مشروع إنقاذى آخر دون أن توصل أى مشروع إلى نهايته وتحقق أهدافه. كلُ مشروع ترك معلقا فى الوسط إما بسبب تعثُر تحقيقه لأسباب موضوعية أو بسبب بروز تحد جديد يتطلب تأجيل المشروع القديم لصالح مشروع جديد يتعامل مع ويواجه التحدٍى الجديد.

لقد عاشت الأمة فى هذه الدوامة التى استهلكت طاقاتها المادية والمعنوية وأدخلتها فى الحيرة والقنوط.
كانت البداية طرحا جزئيا لمشروع الإصلاح الدينى الإسلامى للخروج من الجمود الفقهى والفكرى والثقافى الذى تراكم وتعاظم بعد سقوط الخلافة العباسية. تبع ذلك مشروع الأخذ بالليبرالية الأوروبية بعد ازدياد الاحتكاك بأوروبا والانبهار بحضارتها.
لكن خيانة أوروبا لمبادئ أنوارها وممارستها للتوسُع الاستعمارى واحتلال جزء كبير من أرض العرب طرح مشروعا جديدا مستعجلا، مشروع الاستقلال الوطنى. وما أن انزاح الاستعمار حتى وجدت الأمة نفسها أمام تحدى الهجمة الصهيونية الاستيطانية من جهة وفشل الرجعية العربية فى مواجهة الصهيونية وفى الحكم من جهة أخرى مما نقلها إلى طرح مشروع الانقلابات العسكرية كطريق ثورى إنقاذى يواجه الصهيونية ويواجه الرجعية العربية الفاسدة فى آن واحد.

ومن خلال نجاح الانقلابات العسكرية فى العديد من الأقطار العربية المفصلية طرح المشروع القومى الوحدوى الرامى لتوحد الأمة العربية وصيانة استقلالها ودحر الصهيونية وإقامة مجتمع العدالة الاجتماعية. لكن هذا المشروع واجه العقبات والعثرات بسبب مؤامرات الخارج وأخطاء الداخل لتنتقل الأمة إلى مشروع الاعتماد على الإسلام السياسى لإنقاذ الأمة. حتى اذا ما جاءت رياح الربيع العربى بثوراته وحركاته وآماله الكبيرة، امتحٍن الإسلام السياسى فى عدة أقطار وفشل بصورة عامة، مع استثناءات محدودة، فى ذلك الامتحان.

•••

الآن تواجه الأمة تحديا جديدا يتمثل فى العاصفة الجهادية الإسلامية التكفيرية الممارسة للعنف البدائى البربرى والمهددة لكل الأسس السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التى بنتها الأمة العربية عبر تاريخها الطويل. ومن المؤكد أن هذا التحدى الهائل غير المسبوق فى تاريخ الأمة سيحتاج إلى طرح مشروع يواجه هذا التحدى ويدحره.
مكوٍنات هذا المشروع ومنهجيته والقوى التى ستقوم به تحتاج أن لا تعيد ارتكاب أخطاء الماضى ولا تعانى من نقاط ضعفه. فلا محل للمشاريع الجزئية المبتورة، ولا للمشاريع المؤقتة، ولا للمشاريع غير المنبثقة من تاريخ وتراث وأحلام وحاجات وأولويات وتجارب الأمة، ولا للمشاريع الفوقية المعزولة عن صخب وحناجر الجماهير. ولعل أقرب تصور فكرى منهجى لمثل هكذا مشروع مطلوب هو المشروع النهضوى العربى بنقاطه الست المترابطة: الوحدة العربية، الاستقلال الوطنى والقومى، التنمية الإنسانية الشاملة، الديمقراطية، العدالة الاجتماعية، والتجدد الحضارى.
النقاط الست العامة تلك غير كافية إن لم يصاحبها دخول عميق فى التفاصيل لإبراز معانيها وواقعيتها وكفاءتها. وقبل ذلك هناك حاجة لمراجعة تحليلية نقدية لمحاولات كثيرة قام بها مئات المفكرين العرب والمسلمين، محاولات بالغة الفنى، بالغة الجرأة، بل وبعضها بالغ الحداثة. لكنها فى غالبيتها الساحقة كانت محاولات فردية معزولة عن عموم المواطنين وعن حياتهم اليومية. وهى محاولات تجاهلتها المؤسسات الرسمية والكثير من المؤسسات المدنية فماتت فى الواقع العربى.

•••

المطلوب هو ادماج الكثير من تلك المحاولات المبهرة لجعل المشروع النهضوى شاملا وعميقا ومرتبطا بالواقع والمستقبل إلى أبعد الحدود. إنه جهد مؤسسى تكاتفى كبير من أجل تجويد المشروع ونشر نتائجه والدفاع عنه، تمهيدا لمأسسته فى الحياة السياسية العربية على المستويين الوطنى والقومى.
لو أخذنا، كمثل، نقطة التجدد الحضارى فإن عدم الدخول فى تفاصيل الإصلاح الفقهى وعقلانية قراءة النُصوص الدينية، أى موضوع المدرسة الكلامية الإسلامية التى يحاول بعض المفكرين العرب والمسلمين بناءها حاليا، وربطنا ذلك بتفاصيل الحداثة التى يطرحها أيضا المفكرون العرب والمسلمون، فإننا لن نواجه موضوع التجدد الحضارى بجدية وفاعلية.
«سندخل فى تفاصيل هذا المثل فى مقال الأسبوع القادم. مواجهة داعش وأخواتها، فكرا وفهما وثقافة، ستحتاج إلى كل ذلك.

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات