كيف تؤثر الآلات ذاتية التعلم على التاريخ الإنساني؟ - معتمر أمين - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 3:06 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كيف تؤثر الآلات ذاتية التعلم على التاريخ الإنساني؟

نشر فى : الخميس 9 ديسمبر 2021 - 9:25 م | آخر تحديث : الخميس 9 ديسمبر 2021 - 9:25 م
يسود تصور عام عند وقوع هجوم سيبرانى بوقوف جهة ما خلف هذا الهجوم، حتى لو تعذر تحديدها بدقة. وتنحصر دائرة الاتهام فى دولة أو أكثر، تستخدم أدوات مثل أفراد، أو شركات، أو كيانات للقيام بالهجمات. وتنفى الدولة علاقتها المباشرة بالهجمات، حتى لو انطلق الهجوم من أراضيها. هذا التحليل المبسط عن الفاعل المستتر خلف الهجمات السيبرانية يفترض أو يعتبر الدول هى المسئولة فى المقام الأول. لكن تطور الأحداث بعد الغزو الأمريكى للعراق أضاف جانبا آخر للصورة، وتبين ضلوع أفراد فى هجمات سيبرانية، ومنها تسريبات مثل ويكيليكس ألحقت ضررا بالغا بالأمن القومى للدول. وثارت إشكالية حول قدرة الفرد فى تحدى الدولة فى الفضاء الإلكترونى، وتبعات هذا التحدى. ولما اندلعت الثورات العربية والتى كان الفيسبوك وسبل التواصل الأخرى أداة حاسمة فى تجميع الكتلة الحرجة وتنسيق حركتها باتجاه استهداف النظم الحاكمة، ثارت إشكالية جديدة عن حقيقة الفاعل. هل الفاعل هو الذى يتحرك على مسرح الأحداث أم الفاعل هو الذى يعد مسرح الأحداث، ويجمع الأطراف، ويقرب الناس ذوى الرأى المتشابه، ويمدهم بسبل التواصل، ويذلل أو يسهل التعارف بين أصحاب الموقف الواحد، ثم يغطى تحركاتهم ويبرزها للعالم؟ وبهذا ينحصر تعريف الفاعل فى فئتين. الأولى تقليدية تضم الدول، والأفراد، والشركات، والمنظمات. وتضم الثانية فئة جديدة لم تخطر على البال من قبل وهى الكمبيوتر نفسه وما يحتويه من برامج تستند إلى الذكاء الاصطناعى.
يوصف نوع من برامج الكمبيوتر بالذكاء الاصطناعى عندما يتميز بخصائص معينة تجعل البرنامج يحاكى القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها. وتشمل هذه الخصائص، الذاكرة، والتعلم الذاتى، والاستنتاج، ورد الفعل فى مواجهة أوضاع طارئة يواجهها البرنامج لأول مرة. وبوسع البرنامج تطوير نفسه عن طريق تجربة خوارزميات ــ سيناريوهات ــ متعددة، ومنها يتصور الفعل أو القرار الملائم للموقف المعروض أمامه حتى يتبنى الاستراتيجية الناجحة التى تحقق الهدف. ولنضرب مثالا لكى تتضح الصورة، توجد لعبة شهيرة تشبه الشطرنج اسمها «جو»، ولكن عدد القطع التى يتم استخدامها أكثر من الشطرنج، وتبلغ 180 قطعة. تجرى اللعبة على رقعة مثل رقعة الشطرنج، بين لاعبين. وتعتبر من الألعاب الشعبية ذات الجماهيرية الواسعة فى الصين. حتى جرت مباراة بين برنامج «ألفا ــ جو» المعتمد على الذكاء الاصطناعى وبين بطل العالم فى اللعبة وهو من الصين. وتحسبا لمسار ونتيجة المباراة، نقلت الصين المباراة على الهواء مباشرة ولكن بتأخير ثوانٍ، تسمح لصانع القرار قطع الإرسال إذا كانت النتيجة فى صالح الكومبيوتر، وهو ما جرى بالفعل. كيف فكر الكمبيوتر فى استعمال طريقة جديدة لم يفهمها بطل العالم، وتفوقت عليه؟ حدث نفس الشىء فى لعبة الشطرنج نفسها، وأصبح من العسير على أبطال العالم محاكاة برامج الكومبيوتر. لاحظ لم يكن تدريب الكمبيوتر عبر اللعب مع أبطال العالم لسنوات، ولكنه لاعب نفسه مستندا إلى المعلومات المخزنة لديه عن طرق اللعب، وتعلم من أخطائه، وفهم الثغرات، ثم عدل استراتيجيته. كل هذا فى ساعات معدودة.
•••
كيف نفهم منطق الآلات وطريقة تحليلها للمعلومات المتراكمة؟ وكيف نستوعب التباين بين منطق الآلة ومنطق الإنسان، ومن ثم اختيار الآلة واستراتيجيتها، واختيار الإنسان واستراتيجيته؟ ثم هل بوسع برامج الكمبيوتر ذاتية التعلم الاتصال ببعضها البعض وترجيح اختيارات فيما بينها؟ باختصار، هل نحن على أعتاب منعطف جديد فى تاريخ البشرية، لا يتسم فيه الإنسان فقط بالعقلانية والرشادة، ولكنه طور برامج للذكاء الاصطناعى قادرة على محاكاة منطق الإنسان، والتعلم منه، ثم التفوق عليه أحيانا. هل ما نراه من تطور هو نهاية عصر العقل، وبداية عصر الذكاء الاصطناعى؟ ماذا لو كان نمو التكنولوجيا أسرع من استيعاب الإنسان؟ هل نحن مستعدون للطفرات الهائلة فى القدرة الحسابية، التى تترجم إلى قدرة مذهلة فى جمع وتصنيف وتخزين قواعد البيانات، ثم تحديثها لحظيا، واستخراج المعلومات منها التى تخدم القرار. لكن ماذا لو كانت البرامج واللوجاريتمات التى تستعملها غير مفهومة للإنسان، ولكنها تؤدى إلى نتائج ممتازة؟ ماذا لو افتقرت القرارات التى تحدث النتائج المذهلة للبعد الأخلاقى؟
بعد آخر فى مسألة الذكاء الاصطناعى يختص بسبل البحث عن المعلومات عبر الإنترنت ــ شبكة المعلومات. ويتعلق الموضوع بوسائل البحث مثل محرك جوجل، أو ياهو، وما شابه، فهى أيضا بدورها تعمل بلوجاريتمات تطورت من أنماط البحث، والتى تختلف من باحث لآخر، ومن منطقة إلى منطقة. معنى ذلك تنوع الحقيقة وتحولها إلى مسألة نسبية. فإذا كنت تبحث عن موضوع معين وأنت فى مصر، ولديك صديق يعيش فى أمريكا وصديق آخر فى الصين والجميع يبحث عن نفس الشىء باستخدام محرك البحث جوجل، سيصل كل واحد من الثلاثة لنتائج مختلفة. هل معنى ذلك أن الحقيقة نسبية؟ كلا. ولكن سبل البحث جعلتها كذلك. ولنفترض أن موضوع البحث هو الغزو الأمريكى للعراق عام 2003. قد نجد مصادر تتبنى فكرة «الغزو» إذا قمنا بالبحث من داخل مصر، وقد يحدث تحول طفيف فى الكلمة لو كان البحث فى أمريكا فيصبح «التدخل» وليس «الغزو». فإذا كانت محركات البحث تتسبب فى تنوع الحقيقة وتغير طبيعتها إلى طبيعة نسبية، فبذلك تبنى عقول ترى نفس الشىء وتختلف حول معناه، وبالتالى ترسخ الاختلاف، وتصعب التفاهم. أما الصديق الذى يبحث عن نفس الموضوع فى الصين، فسيصل لنتيجة أخرى، لأن الصين منعت استخدام جوجل والفيسبوك، واستبدلتهما ببرامج محلية الصنع.
•••
تنامى عامل البرمجيات وتوغله فى الحياة العامة، وتحوله إلى ركن أساسى تستند إليه مجالات شتى يجعل من الأهمية طرح سؤال إلى أين نحن ذاهبون؟ هل تتصور بنك يعمل بدون نظام كومبيوتر؟ هل تتصور السجل المدنى يعمل ورقيا؟ وإذا كانت الإجابة نعم، فإن تكلفة هذه الإجابة هى البطء الشديد فى تقديم الخدمات، مع زيادة نسبة الخطأ البشرى، وفقدان العديد من الملفات الهامة بسبب طرق الحفظ. أما إذا كانت الإجابة هى «لا»، فذلك يحتم تقنين وضع برامج الذكاء الاصطناعى وكيفية توغلها فى جميع مناحى الحياة. كما يحتم فهم فلسفة المبرمجين فى صنع البرامج. فحتى سنوات قليلة مضت لم يكن متصورا تأثير برامج كومبيوتر على انتخابات لدولة راسخة مثل الولايات المتحدة. فهل مبرمج الكمبيوتر يؤثر على مجريات الأمور، أكبر من تأثير السياسى نفسه؟ هل حول الفضاء الإلكترونى مؤسسات صنع القرار، والسياسيين إلى متحركين على مسرح الأحداث، بينما برنامج الذكاء الاصطناعى بما يحتويه من لوجاريتمات هى فى الواقع الذى يصنع الاتجاه؟ مثال آخر، منذ عشر سنوات لم يكن موضوع البيتكوين والعملات المشفرة يشغل البال، وفى غضون عقد واحد قفز سعر البيتكوين من بضعة دولارات إلى 66 ألف دولار للبيتكوين الواحدة. هل تتصور حجم الانتقال فى الثروة بسبب عملة افتراضية غير موجودة فى الاقتصاد الحقيقى؟
معتمر أمين باحث في مجال السياسة والعلاقات الدولية
التعليقات