قراءة فى زيارة ترامب للمنطقة - معتمر أمين - بوابة الشروق
الأحد 11 مايو 2025 5:47 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

قراءة فى زيارة ترامب للمنطقة

نشر فى : السبت 10 مايو 2025 - 8:05 م | آخر تحديث : السبت 10 مايو 2025 - 8:05 م

 

‎تحمل زيارة ترامب إلى السعودية الكثير من السمات الترامبية، منها مثلا، وقف الاقتتال، ودخول المساعدات، وتبييض الوجه، وكلها أمور مؤقتة تنتهى بنهاية الزيارة حيث تعود كل الأمور إلى ما كانت عليها، وكأنك يا أبو زيد ما غزيت. وكدأب سياسات ترامب منذ بداية رئاسته الثانية، فإنه يقول الكثير، وينفذ القليل، ثم يمسح كلامه ويتحول إلى النقيض. وكل ذلك يجعل من متابعة كلماته ناهينا عن التعويل عليها أمرا شاقا على كثير من المحللين. والنتيجة المتوقعة لزيارته هى بعض القرارات الترامبية، التى لا ندرى إلى من تصدر، وعلى ماذا تحتوى، وما هى أهميتها. على سبيل المثال، صرح الرجل بأن تسمية منطقة الخليج قد تشهد تغيرا من الخليج الفارسى إلى الخليج العربى!

•••

‎فى المقابل، نظمت روسيا يوم 9 مايو الجارى احتفالات النصر السنوية، واستضافت رؤساء من قرابة ثلاثين دولة من أبرزها الصين، وانضمت وحدات من حوالى 13 دولة للعرض العسكرى، من ضمنها الجيش المصرى الذى مثلته وحدة من الشرطة العسكرية.

‎أعاد هذا المشهد التأكيد على فشل خطة الغرب لعزل روسيا، وعلى تمتع الأخيرة بعلاقات طيبة مع أغلب دول الجنوب. لكن هذا الاحتفال بدوره لا يعكس كل الحقائق، بل لعله محاولة لإظهار صورة المتفوق الذى يستطيع تنظيم عرض عسكرى مهيب، بينما الواقع أن روسيا خسرت موقعها فى سوريا فى لمح البصر، واضطرت لنقل قواتها وعتادها إلى ليبيا، كما أخذت شهورا طويلة لتطهير أراضيها وطرد القوات الأوكرانية من منطقة كورسك.

•••

‎أحوال العالم المطربة هذه لم تأت بسبب أزمة مالية عالمية مثل أزمة عام 2008، ولا جائحة صحية عصفت بالعالم مثل جائحة كورونا التى استمرت على مدار عامى 2020 و2021. إنما السبب الرئيسى هو فشل المنظومة الأمنية العالمية منذ اندلاع حرب أوكرانيا 2022، ثم تبعها اندلاع حرب غزة 2023. وبينما كان الجميع يراقب عن كثب التطورات المحتملة فى تايوان، والتوتر المتصاعد بين الصين والولايات المتحدة، إذا بالمواجهات تندلع بالفعل بين الهند الأقرب إلى معسكر الولايات المتحدة، وباكستان الأقرب إلى معسكر الصين. لكن كما قال الأمين العام للأمم المتحدة على خلفية هذه المواجهات الأخيرة، إن العالم لا يحتمل حربا جديدة بهذا الحجم.

‎نلاحظ هنا أن بعضا مما نشاهده اليوم له ارتباط مباشر بإرث الحقبة الاستعمارية، فى الفترة التى شهدت استقلال الدول. بينما ندرس نحن تلك الفترة من منظور الدول التى تستقل، ونركز على تاريخ استقلالها، فإن دراسة تلك الفترة من منظور الإمبراطوريات التى كانت تنهار، تكشف جانبا آخر من المعادلة. على سبيل المثال، لا يوجد رابط مباشر بين استقلال الهند ونشأة باكستان وبين قيام الكيان الإسرائيلى وذلك لبعد المناطق، واختلاف التفاعلات التى تؤثر فى كل منطقة. أما لو نظرنا من وجهة نظر الإمبراطورية البريطانية، التى كانت تنهار وقتها، لوجدنا أن كل تلك الأحداث التى جرت فى أعوام 1947-1948 كانت مرتبطة من حيث الفاعل الرئيسى فيها، ووجه الارتباط هنا هو غياب او انسحاب الفاعل الرئيسى، الذى رتب أحوال تلك المناطق قبل انسحابه منها، وتركها فى خلاف على الحدود، والحقوق، والمستقبل.

‎ملاحظة أخرى بخصوص الهند وإسرائيل، فكلاهما نما كدولة فى ظل الاحتلال البريطانى، وكلاهما اكتسب صفات متشابهة، حيث يعتبران القومية، والدين، والجنسية، والهوية كلها شىء موحد، فالهند للهندوس، وإسرائيل لليهود. وهذه أيديولوجيا تنفى الآخر، ولها تبعات على كل الأقليات التى تعيش داخل تلك الدول، كما لها تبعات على دول الجوار. فمثلا، مشكلة كشمير لها سمات كثيرة مشتركة مع مشكلة فلسطين، من حيث احتلال الأرض، وفرض الحكم، وتهميش الأكثرية أصحاب الأرض، ومحاولة طردهم، واستبدالهم بالمستوطنين. كما يمثل عامل الكره للآخر جزءا أصيلا من المشكلة فى كشمير وفى فلسطين المحتلة، تماما كما تتشابه نوعية الحكومات فى إسرائيل والهند من حيث التوجه اليمينى المتطرف.

•••

‎هذه النوعية من التحديات التى تبرز فى مختلف أركان النظام العالمى، والتى تمس كلها الأمن، لن يجدى معها سياسات ترامبية. وأبسط دليل، أن إدارة ترامب لم تنجح فى معالجة أزمة الملاحة فى باب المندب، ولا فى التعامل مع الحوثيين المستمرين فى هجماتهم ضد الملاحة البحرية المرتبطة بإسرائيل، وفى استهداف العمق الإسرائيلى. ثم تفاجأ الجميع بإعلان الولايات المتحدة قبل زيارة ترامب للمنطقة بأن حملتها ضد الحوثيين انتهت، وأن ترامب يثق فى كلام الحوثيين! تخيل؟! على ما يبدو، يخشى ترامب من استهداف الحوثيين لطائرته  ولو من باب الخطأ، ثم بعد إتمام الزيارة والرجوع بالسلامة، لا مانع من عودة الضرب! وذلك يحدث هذا أمام المراقبين، ولذلك التعويل على سياسة ترامب فى التعامل مع التحديات العالمية هى ضرب من الخيال. فلا هو مهتم، ولا بلاده راغبة، أو لعلها لا تستطيع.

‎تشبه الفترة الحالية مرحلة انتقال الريادة العالمية من قطب إلى آخر التى جرت من قبل فى خمسينيات القرن الماضى، عندما ورثت الولايات المتحدة الإمبراطورية البريطانية. لكن الفارق هذه المرة أننا لسنا فى ظل تحول من قطب لآخر، ولكن من قطب لأقطاب. عملية التحول هذه ليست عملية سلسة، وإنما عملية عنيفة. مثال على ذلك، بمجرد حدوث عملية إرهابية فى كشمير يوم 22 أبريل الماضى، وظهور بوادر رد الفعل الهندى العنيف، كان يمكن للولايات المتحدة الاتصال بالأطراف (الهند وباكستان) للسيطرة على الموقف. ولكنها لم تفعل. البعض يقول لأنها مشغولة بملفات أخرى ملتهبة. البعض الآخر يقول بل إنها تريد إشعال تلك المنطقة، لكى تقطع الرافد البرى الرئيسى لمشروع طريق الحرير من الصين إلى باكستان، والذى يمر من الجزء الخاضع لباكستان بمنطقة كشمير، ومن ثم تتحول المواجهة بين الطرفين (الهند وباكستان) إلى حرب بالوكالة عن الولايات المتحدة والصين. علما بأن هجمات الحوثيين قطعت بالفعل طريق الحرير البحرى الذى يمر عبر باب المندب.

‎إذن، اللعب بين الكبار على إعادة تشكيل النظام الدولى ليصبح متعدد الأقطاب ليست لعبة سلمية، وإنما تتسم بالعنف، والمراوغة، واستغلال كل القضايا لفرملة الآخر، واكتساب النقاط النسبية. وكما كانت نهاية حقبة الاستعمار مأساوية ومليئة بالحروب - بالرغم مما أسفرت عنه من استقلال للدول وطموح للمستقبل - فإن مرحلة تحول النظام إلى متعدد الأقطاب لن تقل ضراوة عن تلك الحقبة!

•••

‎الشاهد أن منطقتنا ستظل فى خانة التابع المفعول به إلى أن تمتلك قرارها، وتفرز مشروعا نابعا من موروثها الحضارى. وإلى أن يأتى ذلك اليوم، فإننا سنستمر فى الفرجة على الولايات المتحدة وهى تمكن إسرائيل من منطقتنا حتى الفرات، وتفعل المستحيل للحد من التواجد الروسى فيها، ومنع توغل الصين، بينما نغرق نحن فى متابعة زيارة ترامب ونجتهد لفهم ما يقوله من كلمات، حتى يأتى يوم عن قريب لنجد ترامب يجتهد لتمكين إسرائيل من تحقيق حلم من النيل إلى الفرات.

 

 

معتمر أمين باحث في مجال السياسة والعلاقات الدولية
التعليقات