الناس أسمت المولود «ثورة» - أميمة كمال - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 2:50 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الناس أسمت المولود «ثورة»

نشر فى : الأحد 10 فبراير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 10 فبراير 2013 - 8:00 ص

أظن لو أن واحدا من الجهابذة الذين صوتوا على نصوص دستور ما بعد منتصف الليل، فى أواخر العام الماضى، لو أن أحدهم كان متيقظا، ولم يغالبه النعاس لكان قد أحتاط فى المادة «68» فى فصل (الحقوق الاقتصادية والاجتماعية) الخاصة بتوفير المسكن الملائم، والماء النظيف، والغذاء الصحى باعتبارهم حقوقا مكفولة. لو كان أحدهم قد ظل متيقظا، لكان قد وضع استثناء، مثل كل الاستثناءات التى عطلت كثيرا من الحقوق الأخرى فى الدستور. فكان من الممكن أن ينص على أن المسكن والماء والغذاء حقوق مكفولة، ولكن بما لا يخالف شرع الله. أو تمسك بالنص على أن الضرورات تبيح المحظورات وهذا يعطى الحق فى حالات الضرورة ألا يكون المسكن ملائما، أو لا يكون هناك مسكن على الإطلاق. أو قد يستدعى الأمر ألا يكون الماء نظيفا فى حالات تعثر أحوال الدولة، أو أنه فى ظروف الثورات، ليس من الضرورى أن يكون الغذاء صحيا لأنه بطبيعته يعد مطلبا فئويا يمكن إرجاؤه لحين اكتمال الثورة.

 

•••

 

لو كان أحد الجهابذة لم يغلبه النعاس، وظل متيقظا لما أوقع الرئيس فى مأزق مواجهة الأحكام القضائية، التى بدأت تنهال عليه لتطالبه بتطبيق الحقوق التى وردت فى الدستور الجديد. فقد أصدر المستشار محمد عبدالوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة منذ أيام حكما بتطبيق الدستور، وتوفير مسكن ملائم لـ5 ملايين مواطن يقيمون حاليا فى المساكن، التى وفرتها لهم الوزارت، والمصالح الحكومية بحكم عملهم فى هذه الجهات لسنوات طويلة.

 

فى نفس الوقت ألغت المحكمة قرارين لوزيرى الرى والنقل كانا يقضيان بطرد عائلات العاملين فى منطقة محطة طلمبات المكس ومنطقة المعمورة البلد بالإسكندرية من مساكنهم. أى أن الحكم يقضى بألا تترك عائلات العاملين فى هذه المصالح بيوتهم، التى عاشوا فيها لمدة تزيد على ربع قرن إلى الشارع قبل أن يوفر لهم الرئيس مساكن ملائمة، كما وعدهم فى الدستور. ولم يكتف القاضى بذلك، بل ألزم رئيس الجمهورية أن يدخل تعديلا على قرار جمهورى صدر منذ 44 عاما، ينص على أنه من يخرج على المعاش يخلى مسكنه الذى حصل عليه العمل فى المصلحة الحكومية. وهذا الحكم سوف يعالج مشاكل الملايين من العاملين الذين يتعرضون كل عام للطرد من منازلهم.

 

•••

 

وفى إشارة لا تخطئها العين قالت المحكمة «أن الشعب يريد تطبيق ثمار الدستور، حتى لا يكون الواقع مغايرا لأهداف ثورة يناير». هذا ليس الحكم الأول الذى يأتى بدرس قاس للرئيس، يطالبه بأن يتحمل ويسارع بتطبيق دستوره، الذى وقع عليه بخط يده، وأمسكه بيده مفتخرا به، ورافعا له عاليا، مناصفة مع المستشار حسام الغريانى الذى ترأس لجنة وضع الدستور. بينما كانت الابتسامة العريضة لكل منهما، تملأ شاشات التليفزيونات احتفالا بالنصر على أعداء دستور الرئيس.

 

الحكم الأخر الذى سبقه وصدر من نفس الدائرة ومن نفس القاضى كان يلزم هيئة التأمين الصحى بعلاج أحد الشباب الذين شاركوا فى ثورة يناير من غير القادرين بالمجان. بعد أن كانت الهيئة قد رفضت علاجه لارتفاع تكاليف العلاج. وقالت المحكمة إن الدولة لابد أن تلتزم بعلاج غير القادرين مجانا، تنفيذا لما جاء به الدستور الجديد، حتى لا تدور الدوائر يوما إن استمر تجاهلهم ولا يجوز التخلى عن ذلك أيا كانت حجة الدولة مثل قولها القصور فى الموازنة. لأنها كانت تعلم ذلك وقت وضع الدستور. وحملت المحكمة الدولة مسئولية مخالفة الدستور إذا ما أدى تأخرها إلى حدوث ضرر للمريض.

 

•••

 

الحقيقة أن ما بادر به وفعله المواطن البسيط وأكمله القاضى العادل فى هاتين القضيتين هو درس بالغ الدلالة للسياسيين ولقوى المعارضة. درس لو فهموه لأدركوا على الفور أن الوقت قد حان كى يعملوا على أرض المعركة الحقيقية للثورة. الصراع الحقيقى الأن هو معايش الناس وأرزاقهم، كيف يحيون على هذه الأرض، كيف يأكلون ويشربون ويعملون ويسكنون ويتعالجون قبل أن تتصارعوا على القوائم الإنتخابية، وكيفية تقسيم الدوائر وما إلى ذلك من قضايا مهمة الناس هم من يفرضون جدول أعمال الوطن وليس غيرهم.

 

 وبالرغم من أن معظم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التى جاءت فى الدستور منقوصة ووضعت على استحياء، وبشكل موارب يكاد يسحب الحق قبل أن ينص عليه، فإن القضاء العادل أستطاع أن يمسك بهذه الحقوق، ويطالب بالإسراع بتطبيقها على أرض الواقع. وإذا كانت القوى السياسية قد وصلت إليها الرسالة، فعليها أن تبدأ من الآن فى استكمال جدول الأعمال الذى وضعه الناس. على القوى السياسية أن تدرك أن ما تفعله الدولة من تجاهل الأحكام القضائية التى تقضى بإسترجاع عدد من شركات قطاع الأعمال العام، وترك الألأف من عمال هذه المصانع فى الشوارع، بينما أبواب مصانعهم مغلقة هو انتقاص من كون الدستور ينص على أن «العمل واجب وحق وشرف تكفله الدولة» وليس تمنعه الدولة عن عمال الوطن.

 

•••

 

على القوى السياسية أن تضع على جدول أعمالها أحوال العمال، وما يحدث لآلاف منهم فى شركات القطاع الخاص المصرى والأجنبى، من طرد من العمل وانتقاص للحقوق التأمينية والصحية، والتعامل الأقرب للسخرة خاصة بعد انتشار ظاهرة العمل المؤقت. الذى يتم عن طريق التعاقد بين الشركات الكبرى، وبعضها متعدد الجنسيات، وعدد من المقاولين من الباطن لسنوات محددة. وهؤلاء المقاولون يتعاقدون مؤقتا مع عدد من العمال. وبالطبع هذا يكون على حساب أجورهم التى يستقطع جانب منها لصالح شركات المقاولات. وبالطبع هذا النظام يسمح بإنهاء العلاقة بين العامل والشركة فى أى وقت، وإلقائه إلى الشارع دون أى مستحقات تحميه هو وأسرته من التشرد.

 

وربما ما يحدث حاليا فى ميناء السخنة لواحد من الأمثلة، وهو يكفى دليلا على كيف تتحدى الشركات الأجنبية نصوص الدستور المصرى، الخاصة بحقوق العمل تحت بصر رئيس الدولة دون أى رادع. فشركة موانى دبى (الإماراتية) التى تدير ميناء السخنة (الميناء المصرى) قررت أن تغير شركة المقاولات التى كانت تشغل 1200 عامل (مصرى) داخل الميناء من الباطن، وتستبدلها بشركة أخرى أقل تكلفة. أى تعطى العمال أجورا أقل. وقررت الشركة الإماراتية بشكل متعسف ألا تستعين الشركة الجديدة بالعمال الذين كانوا يعملون مع الشركة القديمة، تأديبا لهم لأنهم تجاسروا فى بلادهم (مصر)، وطالبوا بالاحتفاظ بحقوقهم المالية. أليس هذا إهدارا لما نص عليه الدستور من أن «الدولة تكفل حق كل عامل فى الأجر العادل والتأمين الاجتماعى، والرعاية الصحية، وحقوق التقاعد»؟.

 

•••

 

ألم يسمع الساسة عن مئات الاعتصامات من عمال يرفضون إغلاق شركاتهم، التى هرب اصحابها وتركوها، وألقوا بعمالها فى الطريق دون أية حقوق. بينما العمال يصرون على أنهم قادرون على تشغيلها بسواعدهم بشرط مساعدة الدولة لهم بدلا من استجدائها للمستثمرين.

 

ألم يسمع الساسة عن نضال المعلمين والأطباء والفلاحين والموظفين وعمال النقل العام والسكة الحديد ومترو الأنفاق الذين يغيرون وجه مصر، ويحفرون حقوقهم فى الدستور بأظافرهم. بينما أهل السياسة لا يزالون يتفاوضون على تشكيل لجنة لتعديل بعض نصوص الدستور.

 

•••

 

وربما تقضى اللجنة الجديدة وقتا لابأس به فى تعديل المادة 70 من الدستور التى ربما سيكون عليها خلافا كبيرا وهى «لكل طفل فور ولادته الحق فى اسم مناسب» وما إذا كان للمولود الحق فى التدخل فى تسمية نفسه، أم الحق مقصور على الوالى الشرعى.

 

عموما سموا المولود ما شئتم، لكن الناس سبقتكم، واختارت اسما للمولود.. أسمته «الثورة».

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات