احتكار القلة واختيار رئيس الجمهورية - مصطفى السعيد - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 12:02 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

احتكار القلة واختيار رئيس الجمهورية

نشر فى : الأحد 11 مارس 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 11 مارس 2012 - 8:00 ص

فى مقال ممتع كالعادة، كتب الزميل د.جلال أمين، مبديا اعتراضه على الدعوة إلى اختيار رئيس الجمهورية القادم بالتوافق مع القوى التى احتل الساحة السياسية فى الوقت الراهن. ولدعم اعتراضه لجأ إلى أدبيات النظرية الاقتصادية، وما تعرفه من نماذج مختلفة للسوق، وهى أربعة نماذج: المنافسة الكاملة، المنافسة الاحتكارية، احتكار القلة، الاحتكار الكامل. ومن وجهة نظره، وهو على حق، أن القوى التى تحتل الساحة السياسية المصرية فى الوقت الراهن، هى قوى سياسية محدودة العدد، يقودها قوتان أساسيتان، هما قوة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وقوة الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية وفى مقدمتها حزب الحرية والعدالة، أما بقية القوى فهى ضعيفة نسبيا ومبعثرة. من ثم فإن الساحة السياسية الراهنة شديدة التماثل بسوق احتكار القلة فى مجال الاقتصاد، وهو سوق إذا اتفق العاملون به، فإن اتفاقهم يكون بغرض السيطرة على السوق وتوجيهه لتحقيق مصالحهم الذاتية والحصول على أقصى ربح، وذلك على حساب المستهلك واستغلاله، إذا وجد فى السوق قائد يسيطر على نسبة كبيرة من حجم السوق، كما هو الحال مثلا فى سوق حديد التسليح فى مصر، فإن هذا القائد هو الذى يتخذ القرار، ولا يملك الآخرون نتيجة ضعفهم النسبى وتشتتهم إلا موافقته واتباعه، تفاديا لما قد يلحقهم من خسارة إذا حاولوا مخالفته وتحدى سيطرته.

 

وبالمثل لنا أن نتوقع كما هو الحال فى سوق احتكار القلة، أن القوى السياسية المحتكرة التى تقود الساحة السياسية الراهنة سوف تفرض رئيسا للجمهورية، ذلك الشخص الذى يحقق مصالحها الذاتية، ولا تملك القوى السياسية الأخرى، وهى ضعيفة نسبيا، كما لا يملك المواطنون غير المنتمين إلى قوة سياسية منظمة، وهم يمثلون أعدادا لا يستهان بها، إلا قبول ما تتوافق عليه هاتان القوتان، وذلك إما كما ذكرنا لضعفهم النسبى كقوى سياسية منظمة، وإما لتشتتهم وعدم تنظيمهم فى تجمعات مؤثرة. وهكذا تنفرد القوتان الأساسيتان فى تحديد من يتولى رئاسة الجمهورية على النحو الذى يتفق مع مصالحهم أوهدافهم الذاتية، وبما يحقق سيطرتهم السياسية، وذلك كله على حساب حق المجتمع فى أن يختار من يراه هو الأكفأ لتحقيق مصالحه بحرية وبدون استخدام القوتان الأساسيتان لسلطتهما الاحتكارية لفرض شخص ما يحقق مصالحهم رئيسا للجمهورية تحت ستار شعار الرغبة فى التوافق.

 

إن التوافق قد يكون أسلوبا مقبولا، ولكن بشرط أن يوجد توازن ملحوظ بين القوى العامة على الساحة السياسية، بحيث يصعب، إن لم يستحل، أن تنفرد قوة لتفرض رأيها، وبعبارة أخرى بشرط أن لا تتمتع قوة ما بمركز احتكارى. وحيث إن هذا التوازن على الساحة السياسية غير قائم فى المرحلة الراهنة، فإن الأسلوب الأمثل لاختيار رئيس الجمهورية، هو أن لا تصادر قوة محتكرة على حق أى مواطن فى أن يقوم بترشيح نفسه، طالما توافرت فيه الشروط الأساسية المعلنة، كما لا يصادر أحد على حق كل فرد من المواطنين فى المشاركة فى اختيار من يتولى هذا المنصب المهم، وأن لا يواجه من يرشح نفسه أو من يقوم بالانتخاب، بعدم قدرته على مباشرة حقه الدستورى بحرية كاملة، إزاء وجود مرشح توافقى تسنده قوى سياسية محتكرة ومرشحين آخرين لم يتم التوافق عليهم.

 

●●●

 

خلاصة القول فإن القراءة الموضوعية للموقف السياسى الراهن، وما تتسم به الساحة السياسية من احتكار للقرار السياسى، وتزايد الاحتمال أن يقوم من يتمتع بهذا الاحتكار بفرض سيطرته ومصادرة حق المواطنين فى اختيار رئيس الجمهورية بحرية تامة تحت شعار الرغبة فى التوافق، فإن من مصلحة هذا الوطن وهو يرسى اللبنات الأولى لقيام نظام ديمقراطى متكامل أن تسقط من قاموسنا السياسى فى المرحلة الحالية الدعوة إلى انتخاب رئيس توافقى.

 

ووفقنا الله لما فيه خدمة مصر وشعبها

مصطفى السعيد  وزير الاقتصاد الاسبق
التعليقات