حرصًا على تحقيق الديمقراطية.. سأقول نعم للدستور - مصطفى السعيد - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 1:59 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حرصًا على تحقيق الديمقراطية.. سأقول نعم للدستور

نشر فى : السبت 11 يناير 2014 - 9:10 ص | آخر تحديث : السبت 11 يناير 2014 - 9:10 ص

لاشك أن ثورة مصر فى 25 يناير هى ثورة عظيمة فيما حققته من القضاء على نظام فاسد، وفيما أعلنته من مبادئ سامية. إلا أن المتابع لأحداث مصر يستطيع أن يتبين وجود العديد من المعوقات التى حالت حتى الآن دون تحقيق أهدافها، وفى مقدمتها تصاعد الصراع بين قوى ما يسمى بالإسلام السياسى وبين القوى المدنية والليبرالية. ولأسباب كثيرة، أغلبها أصبح معروفا تمكنت أحزاب الإسلام السياسى وعلى رأسها وأقواها حزب الحرية والعدالة من الوصول إلى السلطة. ولأسباب كثيرة، أغلبها أيضا أصبح معروفا لم تنجح قوى الإسلام السياسى فى تحقيق أهداف ثورة 25 يناير، وفى مقدمتها هدف الديمقراطية.

وجعلت على قمة أولوياتها الاستحواذ والإقصاء مما يتعارض مع مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص وإمكانية تداول السلطة. وهى المبادئ الأساسية للديمقراطية، فكانت ثورة الشعب مرة أخرى فى 30 يونيو وانحياز وتأييد الجيش لها. وتطورت الأحداث وتم إقصاء رئيس الجمهورية وإنهاء عمل مجلس الشورى، وتم الإعلان عن خريطة طريق للمستقبل، بدءا من تعديل الدستور ثم إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية وفقا لمواد هذا الدستور المعدل، وبعد إقراره من الشعب. ولقد رفضت جماعة الإخوان المسلمين ما حدث واعتبرته انقلابا على الشرعية ورفضت بالتالى خريطة الطريق، ولجأت إلى تعبئة أنصارها وحشدهم لمعارضة ما حدث، وسايرها فى ذلك بعض أحزاب وتجمعات الإسلام السياسى وليس جميعها. وبدون الدخول فى جدل حول ما إذا ما وقع من أحداث ثورة 30 يونيو يعد ثورة أم إنقلابا، وأن له شرعية أم لا، فإن الأحداث قد أنشأت واقعا جديدا على الأرض لا يمكن تجاهله.

وكان أمام قادة الإخوان الخيار بين أمرين: الأول: أن يعلنوا اعتراضهم على ما حدث وأن يسموه انقلابا ولا يتفق مع الشرعية.. إلخ، إلا أن حرصهم على مصر ومنعا للصراع وإراقة الدماء فإنهم يقبلون خريطة الطريق كواقع، وسيبقون متواجدين بالساحة السياسية واتباع أساليب النضال السياسى الديمقراطى وصولا مرة أخرى إلى الحكم، ولقد تحدثت شخصيا مع بعض قيادات جماعة الأخوان المسلمين حول هذا الخيار، إلا أن صقور الجماعة كان لهم الرأى الغالب، وكان خيارهم الرفض وضرورة مقاومة ما حدث عن طريق التظاهر والاعتصام، وأخيرا ما نراه الآن من اللجوء إلى العنف والتخريب بل والإرهاب.

•••

أعلم أن عددا من الزملاء يرون أن ما حدث فى 30 يونيو هو انقلاب على الشرعية وليس ثورة، وأن ما يحدث من السلطة من إجراءات وتصرفات تجاه بعض المعارضين هو قمع للحريات واعتداء على الديمقراطية وحقوق الإنسان، بسبب كل ذلك فإنهم يدعون إلى التصويت بلا على مشروع الدستور.

ومع تقديرى الكامل للزملاء وحقهم المشروع فى التعبير عن آرائهم إلا أننى أخالفهم الرأى وبشدة، وذلك استنادا إلى الأسباب الآتية: أولا : أن موقفهم من مشروع الدستور لا يستند إلى تحليل موضوعى لمواده ومدى اتفاقها مع ما يجب أن يكون عليه مواد الدستور فى دولة ديمقراطية، ولا يستند إلى مقارنات علمية بين مشروع الدستور وما سبقه من دساتير فى مصر وغيرها من الدول، ولكنه موقف جاء متأثرا بما تبنوه من آراء تجاه ثورة 30 يونيو وإصرارهم على وصفها بأنها انقلاب على الشرعية وليست ثورة مشروعة، ومن ثم فإن ما يصدر عن سلطة 30 يونيو هو باطل ولا تجوز الموافقة عليه.. وهذا موقف ينطوى على خطأ علمى واضح إذ لا تأتى آراؤهم حول مشروع الدستور متسمة بالحياد الموضوعى ولكن متأثرة بموقف سياسى مسبق. ثانيا: أن الفرض أننا وهم، أى الذين سيقولون «نعم» وهؤلاء الذين يدعون إلى القول بلا حول مشروع الدستور، إننا جميعا نسعى إلى المضى فى إقامة حياه ديمقراطية حقيقية فى مصر، وأعتقد أننا وهم نؤمن بأن المضى فى إقامة الحياة الديمقراطية تتطلب بالضرورة تحقيق الاستقرار الأمنى والسياسى والخروج من دوامة العنف والإرهاب التى يلجأ إليها بعض القوى السياسية بلا تعقّل أو روية.

ومن ثم فإن السؤال الجوهرى الذى يتعين الإجابة عنه هو، هل احتمالات تحقيق الاستقرار السياسى والأمنى تزداد إذ قالت الأغلبية بنعم أم إذا قالت لا؟. أعتقد أننا وهم لا نملك إلا أن نعترف بأن احتمالات الاستقرار السياسى والأمنى تزداد مع القول بنعم. إن القول بنعم يعنى المضى قدما لاستكمال المؤسسات الدستورية لدولة ديمقراطية وفى مقدمتها المجلس التشريعى ورئاسة الدولة، كما أن القول بنعم من شأنه أن يقلل من اندفاع قوى الإسلام السياسى نحو العنف والإرهاب كما يؤدى إلى منح السلطة الحاكمة مزيدا من القوة والثقة. ثالثا : إن إمكانية تعديل بعض النصوص الدستورية قائمة وفقا للدستور نفسه. أن دستور 2012 الذى صيغ متأثرا باتجاهات وفكر قوى الإسلام السياسى قد تعرض لانتقادات اعترف رئيس الجمهورية فى ذلك الوقت د. محمد مرسى بصحة الكثير منها ووعد بتعديلها، إلا أن ثورة 30 يونيو لم تمهله لإجراء هذه التعديلات.

وبعبارة أخرى إذا كانت اعتراضات السادة الزملاء لا تمس جوهر مشروع الدستور، وهى كذلك، فإن مناقشتها بموضوعية وتمهل يمكن أن تتم فى مرحلة قادمة بعد إقرار مشروع الدستور وبعد انتخابات مجلس النواب، ولكنها لا ترقى أن تكون سببا للتصويت بـ«لا» مع كل ما هو متوقع من تداعيات سلبية نتيجة ذلك، وهى تداعيات ستعيدنا إلى نقطة الصفر مع كل المخاطر التى تنشأ نتيجة استمرار اشتعال الصراع السياسى وتأخر الاستقرار السياسى والأمنى وبالتالى تعثر مسيرة تحقيق الديمقراطية فى مصر. رابعا: أن الخطأ الرئيسى الذى وقع فيه أنصار تيار الإسلام السياسى يرجع إلى توهمهم أنهم يستطيعون إسقاط نظام ما بعد ثورة 30 يونيو عن طريق اللجوء إلى العنف بل والى الإرهاب، وعن طريق إسقاط مشروع الدستور. وللأسف فإن البعض ممن ينادون بالتصويت بـ«لا»، قد سايروا أنصار تيار الإسلام السياسى دون أن يكونوا من مؤيديه أو من أعضائه، فجاءت أولوياتهم وأفكارهم متسمة بالاضطراب والالتباس. إنهم يسعون إلى تحقيق الديمقراطية، وهذا لا نريد التشكيك فيه، ولكن دون التعرف على حقائق الواقع السياسى، وأين حقيقة تقع انحيازات غالبية جماهير الشعب، وهى حقائق وانحيازات أكدتها ثورة 30 يونيو والاعتراف بها يعد ضرورة، ويوجب التصويت بنعم.

•••

خلاصة القول فإن الأفضل لهذا الوطن أن يقول نعم لمشروع الدستور وأن نمضى قدما نحو استكمال المؤسسات الدستورية من برلمان ورئيس وحكومة قوية، وان ندعو القوى الشاردة ومنها قوى الإسلام السياسى إلى الرشد والالتزام بالمبادئ الديمقراطية التى تفرض المساواة والتوافق لا التمكين والانفراد، وأن نتمسك بما جاء بمشروع الدستور من حقوق وحريات وبضرورة تطبيقها على أرض الواقع.

مصطفى السعيد  وزير الاقتصاد الاسبق
التعليقات