الحقبة الرابعة - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 3:54 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحقبة الرابعة

نشر فى : الأحد 10 أبريل 2011 - 9:16 ص | آخر تحديث : الأحد 10 أبريل 2011 - 9:16 ص

 نحن مقبلون على تدشين الحقبة الرابعة. فمنذ ثورة أحمد عرابى عام 1881، وهو التاريخ الذى أعتبره بداية العصر الحديث فى تاريخ مصر، مرت بلادنا والأمة العربية بمراحل سياسية ثلاث. المرحلة الأولى هى مرحلة «المشروع الليبرالى الوطنى العلمانى»، والتى كان رمزها الأهم ثورة 1919 وصناعها فى الفكر محمد عبده وطه حسين وقاسم أمين وفى السياسة سعد زغلول ومصطفى النحاس ومكرم عبيد وفى الاقتصاد طلعت حرب وفى الموسيقى سيد درويش وفى الفن محمود مختار وفى العلم د. مشرفة وفى الحركة النسائية هدى شعراوى وفى الأدب نجيب محفوظ. إنها مرحلة تشكل الوعى الوطنى وتأسيس مؤسسات الدولة الحديثة من برلمان وأحزاب وقضاء حر ومواطنة وديمقراطية وجامعات ومدارس حديثة وكان شعارها «الدين لله والوطن للجميع». وقد فجر هذا المشروع طاقات إبداعية فى المجالات العلمية والفنية والأدبية وارتبط بالمطالبة بالاستقلال التام.

وجاءت المرحلة الثانية فى منتصف القرن العشرين، «المرحلة الثورية» أو «الناصرية»، والتى قامت لتقاعس المشروع الليبرالى بالقيام بالضربة النهائية للقضاء على الملكية وفسادها وعلى الاستعمار الذى خرجت دوله بعد الحرب العالمية الثانية جريحة ومستأنسة. ولأن التاريخ لا يرحم فعندما يأتى أوان القطاف يجب أن يكون أحدهم مستعدا للحصاد. أعوام ما بعد عام 1945 هى أعوام الاستقلال. فهم المشروع الليبرالى فى الهند درس التاريخ واستقل بعد نهاية الحرب، ولكن لم يكن المشروع الليبرالى فى مصر مستعدا للحصاد بل وغير مستعدا أيضا لمواجهة كارثة حرب 1948 بجميع تعقيداتها بحسم كاف. وأدى تأخره الفادح إلى ظهور قوة ثورية أخرى فى عام 1952 لتهدم المشروع الليبرالى وتبدأ مرحلة جديدة تنحاز فيها إلى الفقراء والفلاحين والعمال وتعلى من قيمة الوطن وشعارها: «حرية واشتراكية ووحدة»، وقد قامت بتغييرات جذرية على النظام السياسى المصرى، ألغت الأحزاب وهدمت الديمقراطية. فما الحاجة إليها وهناك الروح الثورية التى تعلو على أى صوت، فالحرية هى حرية المواطن من الفاقة ومن إذلال الرأسمالى له. ويتجه عبدالناصر رمز وصانع الحقبة الجديدة إلى حركة عدم الانحياز كخط ثالث عن الانحياز للقطبين العالميين اللذين أفرزتهما الحرب الثانية الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتى. وقامت الثورة المصرية بإنجازات هائلة فى فترة صغيرة كتأميم قناة السويس ومشروع السد العالى والبدء فى عملية تصنيع كبرى رافعة شعار الاشتراكية، كما أسست أول مشروع وحدوى فى العصر الحديث (1958 ــ 1961) مع سوريا. تحقق فى الخطة الخمسية الأولى (1961 ــ 1966) معدلات نمو اقتصادى غير مسبوقة. انتشرت المدارس والجامعات فى كل ركن من أركان مصر واتجه المشروع إلى الصحراء لتخضير الوادى الجديد وحقق النظام الناصرى شعبية جارفة فى كل أنحاء الوطن العربى. وتفجرت طاقات علمية وأدبية وفنية جديدة، فزكى نجيب محمود ولويس عوض ومحمود أمين العالم فى الفكر وهيكل فى الصحافة ويوسف إدريس فى الأدب وصلاح جاهين فى الشعر وكمال الطويل وبليغ حمدى والموجى فى الموسيقى وإسماعيل صبرى عبدالله فى الاقتصاد ورشدى سعيد فى الجيولوجيا ونعمان عاشور فى المسرح، ويعلو سقف الأحلام إلى القمر، وانتهى الحلم الناصرى بفجيعة حرب الستة أيام فى يونيو 1967.

ولأن المشروع الثورى الناصرى هيمن على المنطقة العربية كلها فبانكساره بدأت مرحلة جديدة فى الوطن العربى، وهى المرحلة الثالثة التى يمكن أن نطلق عليها «المرحلة السعودية». إنها مرحلة الديكتاتوريات غير الشرعية المستندة فى وجودها على حمايتها للمصالح الأمريكية فى المنطقة، واتسمت هذه المرحلة بالتوجه المحافظ والمد السياسى الإسلامى وبسيطرة زواج السلطة مع المال، وبعملية نهب منظم للطاقات الاقتصادية العربية. تمت خلالها أكبر عملية هدر للإمكانات فى تاريخ أمتنا. فمن عراق يسبح على بحيرة من بترول إلى جزائر ذى احتياطى هائل من الغاز والبترول ونفس الحال فى ليبيا ودول الخليج ولا داعى الحديث عن السعودية كدولة عظمى فى إنتاج واحتياطى البترول، وقد بدأت المرحلة الثالثة على المستوى الإقليمى فى العراق بحركة 17 يوليو 1968، الانقلاب الذى قام به حزب البعث. وتولى الحكم أحمد حسن البكر ويده اليمنى صدام حسين وبدآ نظاما ديكتاتوريا خادما به المصالح الأمريكية إلى المنتهى. فى السودان تقلد الضابط جعفر النميرى رئاسة الجمهورية بعد انقلاب مايو 1969، فى ليبيا أمسك العقيد القذافى بزمام الأمور فى سبتمبر عام 1969، وفى مصر جاء السادات فى سبتمبر عام 1970 بعد موت عبدالناصر وهناك شائعة قوية أنه مات مسموما، وفى سوريا بعدها بشهرين فقط قامت الحركة التصحيحية فى نوفمبر عام 1970 لتأتى بحافظ الأسد فى مارس 1971. ولو قلنا إن المشروع الأول ليبرالى والثانى اشتراكى وحدوى فيمكن القول إن الثالث جاء مشروعا للنهب الشره لثروات شعوبنا. ورمز الحقبة الأهم هو سقوط بغداد تحت سنابك الغزاة الأمريكيين بدعم كامل من السعودية ومن الأنظمة العربية العميلة. أما عن صناع المرحلة فهم ولاشك زعماء السياسة والمال والإعلام ومن أجروهم من رجال الدين ليكونوا الأكثر ظهورا عبر وسائل الإعلام. وخلال هذه الحقبة صالت إسرائيل وجالت. ويمكن هنا إضافة اسم إسرائيل على المرحلة لتكون «الحقبة السعودية/الإسرائيلية». ولأن سقوط بغداد كان كوضع الكريزة على قمة الكعكة، فمنذ هذه اللحظة بدأت المرحلة السعودية فى الأفول التدريجى، حتى جاء اندلاع الثورة فى تونس ثم فى مصر كبداية لنهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة.

ولأن التاريخ لا يرحم فيجب على الجميع الإدراك الآن أن هناك حقبة تنتهى وحقبة رابعة يبزغ نورها على المنطقة العربية. يجب أن نكون على أهبة الاستعداد لبدء المرحلة الجديدة بالقوة والحسم اللازمين للفتك بآخر معاقل المرحلة الأكثر كارثية فى تاريخنا المعاصر.

خالد الخميسي  كاتب مصري