تجربة ثقافية فى مدينة «ملّوى» - محمود عبد الشكور - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 5:51 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تجربة ثقافية فى مدينة «ملّوى»

نشر فى : الخميس 10 أغسطس 2017 - 10:55 م | آخر تحديث : الخميس 10 أغسطس 2017 - 10:55 م

أسعد دوما بالتجارب الثقافية فى الأقاليم، وبالذات فى الصعيد حيث ولدتُ وتعلمتُ ونشأتُ، ولذلك لم أتردد فى قبول دعوة شباب من مدينة ملّوى بالمنيا، لاكتشاف تجربتهم الناجحة المستمرة منذ ثلاث سنوات، فقد أنشأوا مركزا ثقافيا يحمل اسم «مجراية»، وتعاونوا مع مركز جوته، واستطاعوا أن ينظموا ندواتٍ وأنشطة جيدة، وجذبوا بجديتهم واستمرارهم عشرات من محبى الفن والثقافة، بل إنهم وصلوا أيضا إلى الأطفال، من خلال برنامج لاكتشاف المواهب وتدريبها، فى مجال الغناء والرسم والموسيقى.
أنظرُ إلى هذه التجارب بمنتهى الجدية، وأراها فى صميم معنى الأمن القومى، لأن عقولا خاوية، وقدرات لا تتحقق، تمثل فراغا مزعجا، يمكن أن يشغله المهاويس والمتطرفون، والتعليم الذى كان قديما يكتشف قدرات الطلاب، مشغول حاليا بنماذج الأسئلة، والبوكليت ومواجهة الغش، ودرجات الامتحان، ومكاتب التنسيق.
أما حصص النشاط والموسيقى فيتم ترحيلها إلى نهاية اليوم الدراسى، بل لعل بعض المدارس تقمع المواهب، وتعتبرها ضربا من ضروب التسلية، بل قد يعتبر بعض المدرسين ممارسة الفنون حراما يجب القضاء عليه، وذنبا يستوجب التوبة.
وصلتُ إلى ملوى لأجد فى استقبالى حمادة زيدان، الشاب الذى تحمس للمشروع، ويواصل إدارته بمساعدة جيل صغير السن يمتلك نفس الحماس، وسعدت بالحوار مع جيل رائع من المهتمين بالسينما، فى ندوة أقيمت فى إطار مشروع مكتبة القهوة بملوى، وأدارها ببراعة مينا يسرى مدير نادى السينما فى مركز«مجراية» الثقافى.
سأل مينا، وسألوا عن سينما محمد خان ونولان وشاهين وعن النقد والكتابة عن الأفلام، وعن دراسة السينما، وقدمت قراءة تحليلية لمشاهد بأكملها من أفلام مثل «الأرض»، و«الحريف» و«حدوتة مصرية».
اكتشفت أن بعض الحاضرين انتظموا فى ورش لتعلم كتابة السيناريو، وبعضهم يعمل مساعدا للإخراج فى أفلام ومسلسلات، وهناك من يدرس الإخراج فى الجيزويت بأسيوط. وقبل الندوة زرت المكان، وتعرفت على أنشطته: فى مركز «مجراية» مكتبة ممتازة، ومكان لتدريب كورال الأطفال، وبرامج وورش فنية، وندوات ثقافية وأدبية، وناد للسينما يعرض أفلاما مصرية وأجنبية، وتدار بعد العرض ندوة مع المهتمين.. وما أكثرهم.
ومن اكتشافات رحلة ملوى متحفها البديع والشهير الذى تعرض للنهب بعد فض اعتصام رابعة، ثم استعيدت مجموعة كبيرة من قطعه الأثرية، وتم ترميم ما تم تحطيمه. فى المتحف قطع نادرة بداية من عصور ما قبل التاريخ والدولتين القديمة والحديثة والعصر البطلمى والقبطى والإسلامى: تماثيل وحلى وعملات أثرية وأوراق بردى وتوابيت وقطع نسيج وأبواب حجرية ومومياوات لحيوانات وأقنعة ذهبية وفضية وأدوات تجميل، وأندر قطعة فيه تمثال لشقيقة توت عنخ آمون.
افتتح المتحف لأول مرة عام 1962، وهو أحد أفضل المتاحف التى شاهدتها تنظيما وعرضا، وأتمنى أن يكون ضمن برنامج كل فوج سياحى أو رحلة ثقافية إلى المنيا أو الصعيد عموما، وأتمنى أيضا أن يجد ما يستحق من دعاية سواء من المحافظة، أو من وزارات السياحة والثقافة والآثار.
أرى فى هذه الأنشطة طاقة نور، وبابا مفتوحا للمعرفة والثقافة والفن، وأراها جديرة بالتشجيع على كل المستويات، فهى تكمّل أى نشاط ثقافى رسمى، وتحارب فى نفس الخندق ضد الجهل والتعصب، ولذلك آمل ألا يتردد الأصدقاء من الصحفيين والمثقفين والفنانين فى تلبية دعوات هذه المراكز، ليس لأن ذلك من باب الواجب فحسب، وإنما لكى يعودوا سعداء بهذا الجيل، الذى ما زال حريصا على الثقافة والفن، وراغبا فى المعرفة، رغم أنه بعيد عن العاصمة.
شكرا لكل من ينحاز للنور والجمال فى مواجهة القبح والظلام.

محمود عبد الشكور كاتب وناقد سينمائي وأدبي مصري
التعليقات