عندما كانت بيروت مساحة دبلوماسية عربية.. جامعة - مواقع عربية - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 4:35 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عندما كانت بيروت مساحة دبلوماسية عربية.. جامعة

نشر فى : الخميس 10 أغسطس 2023 - 8:50 م | آخر تحديث : الخميس 10 أغسطس 2023 - 8:50 م

نشر موقع 180 مقالا للكاتب توفيق شومان، تناول فيه تاريخ الدبلوماسية اللبنانية ودورها الخلاق للمصالحة بين الأردن والفصائل الفلسطينية، مستشهدا بالمقتطفات الدالة على ذلك من الصحف العربية... نعرض من المقال ما يلى.
فى الثانى من يوليو 1971 تحدثت صحيفة «الحياة» اللبنانية عن احتمال تشكيل «لجنة رباعية تضم لبنان لمراقبة تنفيذ الاتفاقات بين الأردن والفدائيين» ونقلت عن صحف القاهرة قولها إن تقريرا قدمه حسن صبرى الخولى الممثل الشخصى للرئيس أنور السادات بعد اجتماعه بعمر السقاف وزير الدولة السعودية للشئون الخارجية يشير إلى «تكوين لجنة رباعية من السعودية ومصر وسوريا ولبنان لمراقبة تنفيذ الاتفاقات المعقودة بين الحكومة الأردنية وحركة المقاومة الفلسطينية». هذا المقترح العائد إلى خمسة عقود خلت، يُظهر المكانة الرفيعة التى كان يحظى بها لبنان فى زمن عزه وزهوه قبل عام 1975، وبصورة تبين أيضا رفعة الدبلوماسية اللبنانية وبكونها آلية حراك سياسى مرغوبة ومطلوبة من دول المحيط. وبناء على ذلك، ذكرت «الحياة» فى السابع من يوليو 1971 «أن الجزائر أبلغت لبنان ترحيبها باختياره عضوا فى لجنة التوفيق العربية التى يجرى البحث فى تشكيلها وتكليفها العمل على تنقية الأجواء بين سلطات الأردن ومنظمات المقاومة الفلسطينية».
كيف تدرجت المساعى اللبنانية الحميدة؟ كتب وفيق رمضان من العاصمة الأردنية (10 ــ 7 ــ 1971) تحليلا مطولا فى صحيفة «النهار» البيروتية عن «الأردن والعرب» ومن ضمنهم لبنان فقال «إن الرئيس صائب سلام وقبل أن يحضر إلى الأردن صرّح فى بيروت أكثر من مرة بأنه ذاهب إلى عمّان للتوسط بين المقاومة والسلطات الأردنية». وعن هذه الوساطة التى اتخذت فى بعض جوانبها تنسيقا لبنانيا ــ تونسيا كشفت صحيفة «الحياة» فى الثالث والعشرين من يوليو 1971 عن «وجهة النظر التونسية التى شرحها السيد محمد المصمودى وزير الخارجية للرئيس سليمان فرنجية فى الاجتماع الذى عُقد فى إهدن وحضره الرئيس صائب سلام والسيدان أبو يوسف وكمال ناصر ممثلا المقاومة». وبعد خمسة أيام (28 ــ 7 ــ 1971) أوردت «الحياة» عن رئيس الحكومة اللبنانية صائب سلام تأكيده «عقب اجتماعه بالسيد المصمودى أنهما اتفقا على الخطة التى سيعرضها الوزير التونسى على الملك فيصل وأن اتصالات المصمودى تجرى بتنسيق مع مساعى السيدين عمر السقاف وحسن صبرى الخولى».
وحيال التنسيق اللبنانى ــ التونسى تحدثت الصحف الأردنية فقالت: صحيفة «الدستور» (28 ــ 7 ــ 1971) عنونت الآتى: «خطة تونسية ــ لبنانية لتنقية الجو العربى يحملها المصمودى إلى الملك فيصل» وفى تفاصيلها الآتى: «اجتمع السيد محمد المصمودى وزير الخارجية التونسية مع السيد صائب سلام رئيس الوزارة اللبنانية والسيد خليل أبو حمد وزير الخارجية، وصرح المصمودى بعد الاجتماع بأن مباحثاته تشكل جزءا من المحاولات التى تُبذل لتنقية الجو العربى وجو العلاقات بين الأردن والمقاومة الفلسطينية، وأعلن رئيس الوزراء اللبنانى أنه اتفق مع وزير خارجية تونس على الخطة التى سيقترحها المصمودى على الملك فيصل، وأوضح سلام أن هذه الخطة تتفق مع المساعى التى يقوم بها ممثلا الملك فيصل والرئيس السادات».
• • •
وتُظهر الأيام العشرة الأخيرة من يوليو 1971 أن بيروت تحولت إلى مساحة جامعة للدبلوماسية العربية بمختلف اتجاهاتها، فقد تكررت زيارات السقاف والخولى والمصمودى، وعرض لبنان على الأقطار العربية استضافة مؤتمر القمة فى بيروت بهدف إصلاح الأحوال العربية المتردية نتيجة أحداث الأردن، وعلى ما نقلت «الحياة» عن الرئيس فرنجية (24 ــ 7 ــ 1071) وبعد اجتماعه بالسقاف والخولى «والسيد خالد الحسن عن المقاومة الفلسطينية وبحضور الرئيس صائب سلام، تمنى عقد مؤتمر القمة العربى فى لبنان. فى حال الاتفاق على هذا المؤتمر، وذلك تأكيدا لدور لبنان الطليعى بالنسبة للقضايا العربية»، وقالت «النهار» (25 ــ 7 ــ 1971) إن سلام «أكد للسقاف أن لبنان مستعد لتلبية كل دعوة إلى أى مؤتمر يكون الغرض منه توحيد الكلمة العربية، وإذا كانت الدول العربية المعنية تجد أن من المناسب عقد مؤتمر القمة فى لبنان فإن الحكومة اللبنانية ترحب بذلك»، وعلى ما قالت «النهار»: «ذكرت مصادر عليمة أن رئيس الجمهورية هو صاحب فكرة التمنى على الملوك والرؤساء العرب عقد مؤتمرهم فى لبنان، بعدما وصل الموقف إلى نقطة خطيرة من التدهور، وأن الفكرة نشأت عند الرئيس قبل وصول السيدين عمر السقاف وحسن صبرى الخولى إلى بيروت بيومين، وفى أعقاب التباين فى الرأى بين المسئولين العرب حول اقترح العقيد معمر القذافى عقد مؤتمر قمة واقتراح العراق دعوة مجلس جامعة الدول العربية إلى اجتماع استثنائى».
لم يحجب «التمنى» اللبنانى بعقد قمة عربية فى بيروت، رغبة الأخيرة بعضوية «لجنة التوفيق العربية» إذ أكد الرئيس سلام («الحياة» ــ 24 ــ 7 ــ 1971) استعداد لبنان «للاشتراك فى لجنة متابعة رباعية تضم سوريا ومصر والسعودية لوضع أسس ثابتة للتعاون بين الأردن والفدائيين»، وهذا ما دفع عمر السقاف (الدستور ــ الأردنية ــ 25 ــ 7 ــ 1971) للإشادة بالرئيسين فرنجية وسلام «لقد وجدنا منهما كل تعاون وإخلاص فى خدمة القضية التى نعمل جميعا من أجلها، ولقد أبدى لبنان استعداده للاشتراك معنا سواء بالوساطة أو بغيرها لنعمل كل ما من شأنه أن يوطد العلاقات بين البلدان العربية الشقيقة».
لم ينعقد مؤتمر القمة العربية فى بيروت، وإنما انعقد «مؤتمر مصغر» فى طرابلس الغرب فى الثلاثين من يوليو 1971 ولم يشارك فى أعماله إلا خمسة من القادة العرب بينهم القذافى، وهو أمر أظهر حدة الانقسامات العربية التى كان قرع جرس مخاطرها الرئيس فرنجية حين «تمنى» انعقاد هذا المؤتمر الطارئ فى بيروت تفاديا لمزيد من الاحتقان بسبب أحداث الأردن وغيرها، ومع ذلك راوح لبنان على دبلوماسيته الحميدة مع أطراف عربية أخرى، وفى الثانى من أغسطس 1971، نشرت «الحياة» مشروعا للتسوية بين الأردن والفصائل الفلسطينية صاغته على الشكل التالى: «يبدو أن المحادثات التى أجراها وزير الخارجية التونسية فى كل من الأردن وسوريا ولبنان والمملكة العربية السعودية، بغية التوصل إلى أسس مشروع اتفاق جديد بين الحكومة الأردنية والمقاومة الفلسطينية قد نجحت، ويرتكز هذا المشروع على النقاط البارزة التالية: توحيد العمل الفدائى فى منظمة واحدة. اعتبار حركة فتح قائدة منظمة المقاومة الموحدة، حصر العمل الفدائى داخل الأراضى المحتلة، تعهد الأردن بأن يوفر للفداء الحماية وحرية العمل بحسب اتفاقيتى القاهرة وعمّان، تعهد الفدائيين بإحترام سيادة الأردن، وجوب صيانة كرامة المواطنين الأردنيين من قبل الفدائيين، ووجوب صيانة كرامة الفدائيين من قبل السلطات الأردنية».
• • •
وفى السابع من يوليو 1971 جاء فى أعلى الصفحة الأولى من صحيفة «الدستور» الصادرة فى عمّان «أسس الاتفاق بين الحكومة الأردنية والفدائيين»، وأوردت التفاصيل الآتية: «استقبل السيد صائب سلام رئيس وزراء لبنان السيد عمر السقاف وزير الدولة السعودية للشئون الخارجية الذى وصل إلى بيروت مساء أمس الأول قادما من دمشق، وقد أطلع السيد السقاف السيد سلام على تفاصيل المحادثات التى أجراها فى كل من عمّان ودمشق وزعماء منظمات المقاومة، وأجاب السقاف عما إذا كان بالإمكان كشف النقاب عن بعض الأسس التى يتفق عليها الطرفان الحكومى والفدائى فقال إن الجانبين يقبلان بالعمل الفدائى ويعتقدان أن نقطة الإنطلاق هى الأرض المحتلة، ولكن لا بد من دورة أخرى تشمل القاهرة وعمّان ودمشق وبيروت».
معروفة هى المآلات التى آلت إليها وقائع الأردن، وسقطت معها الوساطة اللبنانية ونظيراتها العربيات، لكن لبنان كان حاضرا كنجم فى السماء فى حراكاته الدبلوماسية ومبادراته ووساطاته ومحاولاته ومساعيه، بل كان رياديا فى خلق الأفكار والمبادرات، فلا يُستثنى لها دور ولا يعيش على قارعة الحواشى.

النص الأصلي

التعليقات