ثلاث ملاحظات حول منتدى شباب العالم - عاصم أبو حطب - بوابة الشروق
الأربعاء 6 نوفمبر 2024 11:55 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ثلاث ملاحظات حول منتدى شباب العالم

نشر فى : السبت 10 نوفمبر 2018 - 8:20 م | آخر تحديث : السبت 10 نوفمبر 2018 - 8:20 م

انتهت فاعليات منتدى شباب العالم 2018؛ ولم تنته حالة الجدل التى صاحبته منذ اليوم الأول للإعلان عنه مرورا بمراحل تنظيمه وخلال ورش عمله وحلقاته النقاشية وحتى جلسته الختامية. وقد أتاحت لى دعوة وزارة الهجرة وشئون المصريين بالخارج فرصةً للمشاركة فى فاعليات المؤتمر لأرصد عن قرب عددا من الملاحظات التى صاحبت فاعليات المنتدى وشكلت مادة خصبة للجدال ــ أو العراك ــ بين المصريين على مواقع ومنصات التواصل الاجتماعى، والذى اتسم بالاستقطاب الشديد بين النظام وأنصاره والمعارضة وحلفائها؛ لتتشكل صورتين متباينتين حول المنتدى يصعب فى ضوئهما تكوين وجهة نظر دقيقة محايدة حول جدواه ونجاحه وعوائده. وفى هذا المقال، أعرض ثلاثا من هذه الملاحظات التى أثيرت حول المنتدى، محاولا تحليلها بإيجازٍ فى سياقٍ يتخطى المنتدى ذاته ــ كفاعلية ــ ليركز على أبعادها المجتمعية الكلية وانعكاسات ملامح المشهد العام السياسى والاجتماعى والاقتصادى فى مصر التى ساهمت فى تأجيج حدة الجدل حولها.
***
الملاحظة الأولى: تتعلق بما أثير حول مسألة تكلفة تنظيم المنتدى ومصدر هذه النفقات. فبشكلٍ عامٍ، كال معارضو المنتدى اتهاماتٍ مباشرةٍ وضمنيةٍ للحكومة تركزت حول الجدوى الاقتصادية تحديدا والعوائد المباشرة من تحمل خزينة الدولة لتكاليف تنظيمه فى وقت تئن فيه الميزانية من عجزٍ مزمنٍ ونقصٍ شديدٍ فى مخصصات بنودٍ أكثر أهميةً كالصحة والتعليم، وتتزايد فيه وتيرة الاقتراض الخارجى كمًّا وعبئا، وتعانى فيه شرائح مجتمعية واسعة من مستويات غير مسبوقة من التضخم وارتفاع نفقات المعيشة. فى المقابل، تمحورت دفوع أجهزة الدولة الرسمية والقائمين على تنظيم المؤتمر حول التأكيد على عدم تحمل الدولة أى تكاليف متعلقة بالمؤتمر وأن الجهات الراعية من مؤسسات القطاع الخاص هى من تحملت تغطية هذه النفقات. وفى وجهة نظرى، فإن اتهامات المعارضة ودفوع الحكومة قد جانبهما الصواب. فمن ناحيةٍ، أرى أن هناك قصورا شديدا فى رؤية وتصور معارضى هذا المنتدى لمفهوم «الجدوى» بشكل عام؛ حيث إن تقييم الجدوى وكفاءة الأداء، سواء للمشروعات أو الأنشطة على اختلاف مجالاتها، لا ينبغى أن يُختَزَلَ فى الجوانب الاقتصادية والعوائد المالية؛ وإنما هناك أبعادٌ أخرى يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، لا سيما عندما يتعلق الأمر بتنظيم مؤتمر دولى وحدث قومى وليس بمشروع اقتصادى ربحى تنظمه منشأة فردية أو مؤسسة خاصة. فهناك على سبيل المثال أبعاد سياسية وأمنية وثقافية وترويجية لا تقل أهميةً ــ إن لم تزد ــ عن النواحى الاقتصادية، حتى وإن كان يصعب فى كثير من الأحوال تقدير عوائدها المالية فى المدى القصير. ومن ناحية أخرى، أرى أن دفوع الدولة ممثلة فى ردود منظمى المنتدى حول مسألة تكاليف تنظيمه قد افتقرت للحكمة والنضج والتوازن الذى يفترض أن تتسم به البيانات الرسمية فى مثل هذه الأحوال. فلقد ركزت البيانات الرسمية على الدفاع المستميت عن فكرة عدم تحمل الدولة لأية تكاليف متعلقة بالمنتدى، والحق هو أن الدول حين تُقدِمُ على تنظيم منتديات عالمية بمثل هذا المستوى والأهمية لا تتخذ قراراتها بناءً على طبيعة «مصدر التمويل» كونه حكوميا أو غير حكومى، ولا يحكم توجهاتها منطلق «أبو بلاش كتر منه» أو «اطبخى يا جارية كلف يا سيدي»، وإنما ينبغى أن يكون الأساس الذى تبنى عليه عملية صنع القرار هو «الرشادة» من خلال ترتيب الأولويات ودراسة البدائل المتاحة وتقييم جدواها بمفهومه الشامل؛ لضمان تعبيرها عن توازنات القوى والمصالح القومية وتعظيم المنافع وتحقيق الأهداف العاجلة والآجلة.
أما الملاحظة الثانية، فلقد كان من الملفت للانتباه ذلك القدر الكبير من المبالغة الذى اتسمت به التغطية الإعلامية للمنتدى وتصريحات المشاركين فيه والتى شرعت فى الإشادة بالنجاح «الباهر» للمنتدى قبل حتى أن تنتهى فاعلياته! بل وتمادت فى إطلاق العنان لخيالاتها بالحديث عن «نجاح» المنتدى فى استعادة «القوة الناعمة» لمصر وقدرتها على التأثير فى محيطاتها الإقليمية والدولية!. ولنتوقف قليلا هنا ولنكن صرحاء مع أنفسنا ونعترف أنه ليس لدينا قوة ناعمة بالمفهوم العصري؛ وإنما نحن نعيش على أنقاض قوتنا الناعمة التى بنيناها فى الخمسينيات والستينيات من خلال علماء وأساتذة ومفكرين وأدباء وفنانين ومؤسسات ثقافية وتعليمية عظمت قدرة مصر التأثيرية فى محيطاتها الإقليمية والدولية. وقد تراجع النموذج المصرى الجذاب سياسيا واجتماعيًا واقتصاديا وثقافيًا خلال العقود التى أعقبت ذلك؛ فلا الأدب أنتج نجيب محفوظ، ولا الشعر أنتج أحمد شوقى، ولا الأزهر أخرج عبدالحليم محمود، ولا الفن أخرج أم كلثوم، وتراجع ترتيب جامعاتنا ومؤسساتنا العلمية وهجرتها العقول النابغة واستطاعت الجامعات الإماراتية والإثيوبية أن تتفوق عليها. وخلال السنوات الأخيرة تزايد معدل تآكل البقية الباقية من قوتنا الناعمة فى ظل حالة عدم الاستقرار السياسى والأزمات الاقتصادية الخانقة التى مرت بها البلاد وتضاءلت مقومات قوتنا الناعمة. وأمام هذا الوضع المهترئ، تصبح مسألة بناء وإعادة تفعيل قوتنا الناعمة تحديا ضخما يتعدى بكثير مجرد تنظيم المؤتمرات وحملات العلاقات العامة، وإنما يحتاج مبادرة وطنية لإعادة بناء قدرات الإنسان المصرى ذاته من خلال أدوات معاصرة تتفاعل وتستجيب للمتغيرات والخصائص الاقتصادية والاجتماعية لعالم اليوم؛ ليكون لدينا ــ من جديد ــ مصنع مصرى يصدر منتجاته لأوروبا والدول العربية، وسوق تجارية للمنتجات المصرية فى إثيوبيا، ومطعم مصرى فى الصين، وفيلم سينمائى مصرى يعرض فى نيويورك، ولوحة فنية لرسام مصرى تعرض فى باريس، ولاعب مصرى متألق فى الدورى الإسبانى، وأساتذة وعلماء مصريون يدرِّسون ويحاضرون فى مؤسسات تعليمية وجامعات عالمية. تلك كانت عناصر قوتنا الناعمة حين كانت لنا قوة ناعمة.
***
أما الملاحظة الثالثة: فتتعلق بآراء معارضى المنتدى والتى لم تكن أقل مبالغةً وتطرفا عن آراء مؤيديه. ففى ظل تمترس المعارضين خلف موقفهم الرافض للنظام الحالى، هيمنت على رؤيتهم للمنتدى نظرة نقدية غير منصفة لا ترى فى الورد إلا شوكا حتى وإن بدا الندى فوقه إكليلا. ففى بلدٍ يمثل فيه الشباب (الفئة العمرية 15ــ 34) حوالى 35% من جملة السكان، وتصل مساهمتهم (الفئة العمرية 18ــ 29) فى قوة العمل إلى حوالى 46%، ويقدر معدل البطالة بينهم بحوالى 26%، نكون أمام فرص واعدة وتهديدات محتملة فى ذات الوقت. ومن ثم، تصبح مساعى الدولة لتمكين الشباب ضرورة مُلحة وليست ترفا أو إهدارا للموارد، ولا يمكن مطلقا أن يُتصور أن يكون موقف المعارضة «الوطنية» من أى جهد حكومى لفتح منابر للحوار مع هذه الشريحة المجتمعية، وتوفير مساحات لها للتفكير فى حلول للمشكلات المجتمعية وتمكينها فى عملية صنع القرار الوطنى، بهذا القدر من النقد اللاذع الذى لا يبرز إلا كل ما هو سلبى ويترصد السقطات والزلات ولايقدم أية تصورات أو رؤى بديلة يمكن البناء عليها والتطوير من خلالها. وفى هذا السياق، فإننى وبقدر اختلافى مع موقف المعارضة، أرى أن إصلاح وإعادة بناء قوى المعارضة الوطنية وتفعيلها لصالح القضايا الوطنية هو مسئولية الدولة وأجهزتها وحدها ــ على الأقل ــ حتى حين. فلا تخطئ عين بصيرة ولا أذن واعية إدراك التقهقر الشديد الذى تشهده ملفات الحريات وحقوق الإنسان، لا سيما فى أوساط الشباب. فأمام التضييق المتزايد على حريات التعبير وإغلاق منابرها وقنواتها الشرعية، والممارسات القمعية وتجاوزات بعض أجهزة الدولة وجدنا أنفسنا أمام عزوف قسرى للشباب عن المشاركة الفعالة فى الحياة السياسية والشئون المجتمعية، وساهم ذلك فى استدراج شرائح كبيرة منهم إلى صفوف جماعات المعارضة السلبية، لا سيما على شبكات ومواقع التواصل الاجتماعي؛ ما جعل مهمة الدولة فى التواصل مع هذه الفئات أكثر صعوبة بسبب عدم وجود أطر وكيانات تنظيمية لها، فبدت الدولة وكأنها تحارب طواحين هواء فى ظل جهلها بطبيعة وخصائص هذه الجماعات؛ ومن ثم عجزها عن استخدام الأدوات والقنوات والرسائل المناسبة للتواصل معها. وخلاصة هذه الملاحظة، نحن بحاجة ملحة لإعادة فتح ذلك الملف المنسى الذى أدرجه الفريق (آنذاك) عبدالفتاح السيسى فى إطار خارطة الطريق التى أعلنها فى الثالث من يوليو عام ٢٠١٣ والذى أكد فيه على ضرورة «تشكيل لجنة عليا للمصالحة الوطنية، من شخصيات تتمتع بمصداقية وقبول لدى النخب الوطنية وتمثل مختلف الاتجاهات». نحن الآن أحوج ما نكون إلى مصالحة وطنية حقيقية مع أطياف القوى الوطنية فى مصر تؤسس لتعددية سياسية سليمة وتؤطر لبناءٍ ديمقراطى متين، يضمن حرية التعبير ويحمى الحقوق وينظم الواجبات، ويجمع ويوجه جهود هذه الطوائف على اختلافها موالاةً ومعارضةً نحو تحقيق التنمية المستدامة والمصلحة الوطنية.
وأخيرا، فلا يفوتنى أن أتوجه بالتحية والتقدير للشباب المصرى الرائع والواعد الذى تطوع للعمل فى اللجنة المنظمة للمنتدى، وتحمل مسئولية الإعداد لحدث قومى بهذا الحجم والأهمية، ونجح فى إخراجه بصورة راقية وحضارية مشرفة. شكرًا لكم!

أستاذ مساعد بقسم الاقتصاد بالجامعة السويدية للعلوم الزراعية
الاقتباس
نحن الآن أحوج ما نكون إلى مصالحة وطنية حقيقية مع أطياف القوى الوطنية فى مصر تؤسس لتعددية سياسية سليمة وتؤطر لبناءٍ ديمقراطى متين.. يضمن حرية التعبير ويحمى الحقوق وينظم الواجبات ويجمع ويوجه جهود هذه الطوائف على اختلافها موالاةً ومعارضةً نحو تحقيق التنمية المستدامة والمصلحة الوطنية

عاصم أبو حطب أستاذ مساعد بقسم الاقتصاد بالجامعة السويدية للعلوم الزراعية
التعليقات