أزمة «مرام»! - خالد سيد أحمد - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 8:12 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أزمة «مرام»!

نشر فى : الجمعة 11 فبراير 2022 - 8:50 م | آخر تحديث : الجمعة 11 فبراير 2022 - 8:50 م
«هل يعقل أن تقوم وسيلة إعلامية تنادى بالحريات بفصل موظفة لديها لأنها انتقدت حرية التعبير فى أوروبا؟». السؤال السابق للصحفية الفلسطينية مرام سالم، التى كانت تعمل فى شبكة «دويتشه فيله» الألمانية، قبل أن يتم الاستغناء عنها بعد شهرين من التحقيق معها ضمن موظفين عرب آخرين بتهمة معاداة السامية وإسرائيل.
أزمة «مرام» الفلسطينية التى تم فصلها مع زميلتها الأردنية فرح مرقة، تبدو محزنة إلى أبعد مدى، ومثال حى على أن الادعاء بعدم وجود سقف لحرية التعبير وحقوق الإنسان فى الغرب، ليس أكثر من وهم كبير، إذا ما تعلق الأمر بانتقاد ممارسات دولة الاحتلال الصهيونى وجرائمها المروعة ضد الشعب العربى الفلسطينى.
تقول «مرام» فى منشور لها على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»: «إن ما حدث معى هو انتهاك واضح لحرية التعبير، ذلك الشعار الذى ترفعه دائما (دويتشه فيله)، وفى حالتى، فإن المنشور على صفحتى الخاصة، لم يكن يحتوى على أى تعبير معادٍ للسامية، ولم يذكر إسرائيل، بل تحدث عن حرية التعبير فى أوروبا فقط».
هذه القضية تثير الكثير من الشجون، خصوصا عندما تلجأ مؤسسة إعلامية كبيرة فى أوروبا مثل «دويتشه فيله» إلى التفتيش فى الحسابات الشخصية لموظفيها على مواقع التواصل الاجتماعى، بحثا عن أدلة لمعاقبتهم على آرائهم الخاصة فى القضايا السياسية المطروحة على الساحة، أو على الدفاع عن قضيتهم العادلة المتمثلة فى رفض وإدانة ممارسات المحتل لأراضيهم، وهى بذلك لا تختلف كثيرا عن المتطرفين الذين يهرعون دائما إلى التفتيش فى الضمائر والنوايا، لكى يبرروا الأحكام القاسية والعنيفة التى يصدرونها ضد المختلفين معهم فى الرأى والتفكير والتوجهات.
كان من الممكن تقبل قرار الشبكة الألمانية ضد «مرام» بصدر رحب، إذا كانت قد قصرت فعلا فى أداء المهام الوظيفية الموكلة إليها، أو أنها استغلت وجودها داخل صالة التحرير فى التلاعب بالمعلومات، أو قلب الحقائق وتلوين الأخبار وفق هواها خدمة لقضيتها أو الترويج لما تؤمن به من أفكار، وبشكل يضر بسمعة ومصداقية وحيادية شبكة «دويتشه فيله» على المستوى الدولى.
ما يثير الشجون والحسرة كذلك فى هذه القضية، أن هذه المؤسسة الإعلامية الألمانية البارزة، التى ترصد وتنتقد كل شاردة وواردة فى انتهاكات حقوق الإنسان والقيود المفروضة على حرية الرأى والتعبير فى الدول العربية ــ وهى بالفعل موجودة ولا يستطيع أحد الادعاء عكس ذلك ــ، تسارع إلى ارتداء عباءة الأنظمة القمعية المستبدة، وتعلق المشانق لموظفيها لمجرد أنهم عبروا عن آرائهم وقناعاتهم ومواقفهم الخاصة على حساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعى، بدعوى معاداة السامية، رغم تأكيد بعض الذين تم فصلهم من الشبكة الألمانية على خلو منشوراتهم من هذه التهمة، وهو أمر لا يمكن هضمه أو قبوله، لأنه يتنافى مع القوانين والمواثيق الدولية التى تنص على حرية الأشخاص فى التعبير عن آرائهم وأفكارهم بدون خوف أو رهبة من العقاب، طالما لا يحرضون على التطرف أو العنف أو الكراهية.
من حق «دويتشه فيله» الانحياز لإسرائيل كما تريد، وحتى الصمت على جرائمها ضد الشعب الفلسطينى وتبرير احتلالها للأراضى العربية.. هذا قرارها واختيارها ولا يستطيع أحد أن يجادلها فيه، لكن ليس من حقها بعد ذلك أن تعطى دروسا للآخرين فى حرية التعبير وحقوق الإنسان.. فمن يسقط فى اختبار المصداقية والحيادية، ومن يعاقب من يعبر عن رأيه بـ «بوست على فيسبوك»، لا يحق له أن ينصب نفسه حاميا ومدافعا عن حقوق الإنسان!.
قصة «مرام» وتجربتها الصعبة مع «دويتشه فيله»، تؤكد لنا مجددا أنه لا يوجد إعلام حر مائة فى المائة، سواء فى الدول القمعية المستبدة أو حتى فى الدول التى توصف دائما بأنها واحة للحريات والديمقراطية، لأن أى وسيلة إعلامية تعبر بالضرورة عن مصالح من يمتلكها أو يسيطر عليها، ودائما ما تعمل وفق خطوط حمراء مرسومة لها سلفا، سواء من جانب أنظمة الحكم القائمة، أو من جانب المتحكم فى التمويل، وهو ما يعمق أزمة المصداقية فى وسائل الإعلام التقليدية، ويدفع الناس دفعا للهروب إلى العالم الافتراضى للتعبير عن آرائهم بحرية تامة لا تخضع لقيود المواءمات السياسية.
التعليقات