فرامل الطوارئ - محمد المخزنجي - بوابة الشروق
الخميس 2 مايو 2024 9:03 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فرامل الطوارئ

نشر فى : الخميس 11 أبريل 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 11 أبريل 2013 - 8:00 ص

استلهاما من موهبة الخفافيش فى استخدام ظاهرة «الصدى المكانى» فى الاهتداء إلى أهدافها بدقة متناهية فى الظلام، سواء طيرانها عند حلول المساء أو اصطياد فرائسها وهى طائرة أو الإياب إلى مآويها فى المغارات والكهوف والمناجم والأبنية المهجورة، ابتكرت إحدى شركات السيارات العالمية، نظاما لإيقاف الشاحنات العملاقة عند الاقتراب من عوائق خطرة أو الوشوك على التورط فى حادث مرورى جسيم، وهذا النظام المسمى «فرامل الطوارئ» يعمل على مراحل، أبكرها ظهور إشارة تنبيه ضوئية حمراء أمام السائق تقول له احترس انت تقترب من مشكلة، وإذا لم يبطئ السائق من سرعة الشاحنة ويظل على اندفاعه، تتقطع إشارة التنبيه الضوئية ويصاحبها صوت إنذار متقطع يتسارع ويعلو بحيث يصعب أن يتجاهله السائق، أما إذا كان السائق لاهيا أو غير مقدر لخطورة الموقف، فإن نظام فرامل الطوارئ يعمل بشكل آلى ويوقف الشاحنة.

 

 نظرية فرامل الطوارئ هذه تعمل عبر وسيلتين، فإضافة إلى كاميرا حساسة تلتقط صور ما تقترب منه الشاحنة ويحدد مدى خطورتها برنامج حاسوبى متطور، يوجد جهاز «سونار الكترونى» يعمل كما «السونار الحيوى» لدى الخفاش، فهو يطلق حزمة من الموجات فوق الصوتية التى لاتسمعها الأذن البشرية، أى بدرجة أعلى من 20 ألف ذبذبة فى الثانية الواحدة، وبعدما تصطدم هذه الحزمة فوق الصوتية بما تقترب منه الشاحنة، سواء كان عائقا مروريا أو سيارة متوقفة فى الطريق، ترتد فى صورة حزمة من الصدى يلتقطها جهاز السونار الالكترونى، ويحسب التغيُّر فى طبقة صوت الصدى المرتد الذى يُقدَّر بعدد الذبذبات فى الثانية الواحدة ويُعبَّر عنه بتسمية «إزاحة دوبلر»، ومن هذا التغير الذى يتزايد مع اقتراب الشاحنة من الخطر، تتغير درجات الإنذار ارتفاعا ثم تعمل الفرامل الالكترونية من تلقاء نفسها إن لم يستجب السائق للإنذارات.

 

 هذا النظام للفرامل يُعتَبر فتحا فى تدابير الأمان وإجراءات السلامة على الطرق السريعة لأن إحصاءات الموت على الأسفلت تشير إلى أن الشاحنات هى المساهم الأكبر فى هذا النوع من كوارث الطرق، وهو نظام لا يكتفى بتحاشى الاصطدام بما أمام الشاحنة بل ينبه ما وراءها من سيارات بإشارات ضوئية مبكرة لتبطئ من سرعتها وتحافظ على اتساع المسافة الفاصلة وتتوقَّى مخاطر الاصطدام بمؤخر الشاحنة الذى يجر إليه عادة أكثر من سيارة ويكون ضحاياه بالتالى أكثر. وقد بدأ انتاج هذا النظام بالفعل وتزويد الشاحنات من طراز هذا العام به، بل إن طرازات جديدة لشركات سيارات عالمية مختلفة بدأت فى مسايرته كما تُظهر الفيديوهات المثبتة روابطها على الانترنت فى نهاية هذا المقال.

 

 فرامل الطوارئ الإلكترونية هذه ما هى إلا نموذج لاستلهام عبقرية التصميم الإلهى للمخلوقات الحية فى تقديم تصميمات تكنولوجية بشرية غير مسبوقة، وهذا ما يؤكده علم جديد يمزج بين البيولوجيا والتكنولوجيا ويسمَّى «محاكاة الأحياء» ويترجمونها أحيانا «محاكاة الطبيعة «BIOMIMICRY، وهذا الاستلهام لا يقف فى رأيى عند حدود التكنولوجيا بل يقدم رؤى مُنقذة للمجتمعات البشرية مما تنحدر إليه من كوارث سياسية واقتصادية واجتماعية لا تهدد سلامة هذه المجتمعات فقط بل تهدد وجودها ذاته، وهذا حادث لدينا بشكل يقطع بأن من يقودون شاحنة هذا الوطن فى حاجة لإنذار متصاعد وفرامل قسرية إن مضوا فى غيهم المندفع باتجاه ما يتصورونه تمكينا لجماعتهم بلا مبالاة غبية بسائر الأمة مما لا ينبئ عن أى خير للأمة أو لهم فى نهاية المطاف لو أنهم يتبصرون.  

 

  ما يكتبه الكُتَّاب وما يعرضه الإعلاميون وما يقوله السياسيون الوطنيون يمثل نوعا من درجات التنبيه الأوَّلى لتحاشى الاصطدام الحتمى المدمر إن سارت الأمور على ماهى عليه من تفتيت للدولة الوطنية بإدارة فاشلة وحكم أنانى وازدراء للقانون وتمكين لأهل الجماعة لا أهل الكفاءة وتجارة بالدين وصلت بمجلس شورى مُختلِس لحق التشريع إلى حد تقنين استخدام الشعارات الدينية فى الدعاية السياسية لصالح تربحهم الانتخابى فى لعبة صناديق مفصلة بقوانين على هواهم وبتشريع فاسد ممن لم ينتخبهم أحد للتشريع. مقامرات قصيرة النظر تكرس لشق وحدة الأمة وخلق حالة ضارة جدا من مزايدات المتاجرة بالدين فى أمور الدنيا مما يزكى إشعال شرارة الاقتتال الطائفى واستباحة الأقباط  وحتى المسلمين المختلفين مع متخشبى الإخوان وغلاة المتسلفين .

 

 أخشى أن هذا الاندفاع الإخوانى يبدو أكثر غطرسة أو تعاميا من أن توقفه تحذيرات حضارية كان آخرها إعلان المعارضة عن استعدادها للمشاركة فى الانقاذ الوطنى على قاعدة تحقيق شروط بديهية لايختلف عليها إلا مكابر وتمثل الحد الأدنى للضمانات الديموقراطية فى اللحظة الراهنة، وهى: إقالة النائب العام المعين بطريقة فظة والذى أبطل شرعيته القضاء، وتعديل قانون الانتخابات بما يضمن تكافؤ الفرص بين الفرقاء، وتغيير الحكومة التابعة والفاشلة بحكومة توافق وطنى كفؤه ومحايدة لإيقاف التدهور الحادث فى كل مناحى الحياة المصرية وضمان نزاهة الانتخابات البرلمانية المزمعة لإرساء مبدأ المشاركة لا المغالبة. هذه كلها مرحلة فى ترشيد ذلك الاندفاع الأعمى الذى حتما سيتم إيقافه جبريا بأمر من اثنين : إما حدوث فوضى لن يربح فيها الإخوان كما قد يتصورون بل سيكونون أبرز ضحاياها لأنهم سيكونون هدفا لكل الفرقاء حتى الذين يبدون الآن حلفاء للحكم الإخوانى وهم أكثر من الإخوان تعصبا وانغلاقا وغوغائية وتعطشا للعنف. أو تَدَخُّل قوة متماسكة كالجيش وسيكون ذلك لإنقاذ الجيش نفسه من الانشقاقات الخطرة والمدمرة لوحدته إن أوشكت الدولة على الانهيار.

 

  طبعا نتمنى أن يفقه من يندفعون بشاحنة الوطن نحو مصير الكارثة أن الوصول إلى مرحلة التوقيف القسرى لاندفاعهم المتعامى بالوهم أو بسوء التقدير سيكون مريرا عليهم وعلى الأمة وربما على الجيش الذى جرب مرارة الدخول فى مستنقع الحياة السياسية والذى لا نرجو منه عودة إلى الحكم بل أن يكون حَكَما رادعا للجنوح والمقامرة بوحدة البلاد ومستقبلها، وفى ذلك يوجد مثال بسيط هو أن يرفض الجيش تأمين أى انتخابات أو فعاليات لا تتسم بالنزاهة والنهوض على مقومات عادلة ومنطقية وطامحة لتمثيل حقيقى لكل أطياف الأمة. فلا طاعة لحكم مهما كان منتخبا إذا كان ينقلب على مقومات الأمة التاريخية ويعرض تماسكها وأمنها القومى للخطر وينحدر بها إلى هُوَّة الدولة الفاشلة، الانهيار الكبير، أو الاصطدام المروع، ومن ثم لابد أن تعمل فرامل الطوارئ، ونتمنى أن تكون طوعية ومأمونة لا جبرية وعالية المخاطر، وهل هناك ما يستحق إعمال الفرامل أخطر مما وصلنا إليه فى فتنة «الخصوص» وخسة استباحة المسيحيين المصريين وكاتدرائيتهم وما أعقبها من شحن طائفى منحط تحت قبة البرلمان المزيف؟        

 

شاهد على اليوتيوب :

 

 youtube.com/watch?v=ridS396W2BY

 

www.youtube.com/watch?v=jSQSueFrxzI

محمد المخزنجي كاتب مصري كبير ، وطبيب أمراض نفسية ، ولد في المنصورة ، وعمل في مجلة العربي الكويتية ثم تفرغ ككاتب حر ، يُعتبر من أبرز كتاب القصة في العالم العربي ، وله إسهامات متفردة في الكتابة العلمية وأدب الرحلات والمقال الصحفي .