مغزى قمة جدة! - معتمر أمين - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 9:54 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مغزى قمة جدة!

نشر فى : الإثنين 11 يوليه 2022 - 7:35 م | آخر تحديث : الإثنين 11 يوليه 2022 - 7:35 م
تضع زيارة الرئيس الأمريكى لمنطقة الشرق الأوسط واجتماعه بعدد من القادة العرب، ومنهم المؤثرون، المنطقة أمام أسئلة حرجة، أهمها سؤال حول تغيير موقف العرب من روسيا. ويستدعى تغير هذه المواقف عدة أمور منها: رفع سقف إنتاج البترول بغرض السيطرة على سعره للحد من التضخم الذى ألم باقتصاديات الغرب بطريقة غير مسبوقة، وضخ مزيد من الغاز الطبيعى المسال إلى أوروبا لتعويض الإمدادات الروسية التى تحولت إلى سلاح ضاغط قد لا تستطيع أوروبا الصمود أمامه فى الشتاء المقبل، وشراء الحبوب، لاسيما القمح، من أسواق أخرى على حساب الصادرات الروسية بغرض ضرب الاقتصاد الروسى. وحتى الآن فشل الغرب فى محاصرة روسيا اقتصاديا، وانقلبت العقوبات على الغرب نفسه. ولو تحولت مواقف الدول العربية المؤثرة، وأهمها مصر، والسعودية، والإمارات من الإمساك بالعصا من المنتصف والوقوف على مسافة واحدة من الطرفين إلى الانحياز للغرب والرضوخ لمطالب الرئيس الأمريكى فإن الموقف الاستراتيجى سيتغير.
وحال عدم استطاعة الرئيس الأمريكى الخروج من لقاء جدة بهذه النتائج الحاسمة، فأضعف الإيمان أنه سيحاول تفرقة مواقف الدول العربية المؤثرة لتقف كلها أو البعض منها ضد مصالح روسيا، أو على الأقل ضد مصالح حلفاء روسيا فى المنطقة. بمعنى آخر، سيشغل المنطقة بشئونها الخاصة حتى تصبح جبهة أخرى لمحاصرة روسيا اقتصاديا، ولو أمكن سياسيا. ولعل التصعيد المتبادل بين الجزائر والمغرب مؤشر على هذا الشقاق. وقد ينتقل التصدع لأماكن أخرى فى العالم العربى. منها مواجهة متوقعة فى الخليج، ومنها مواجهة معقدة فى شمال سوريا والعراق، ومنها ما لا يخطر على البال من منافسة بين العروش. على أى حال، مطلب زحزحة الدول العربية المؤثرة لا يتم فقط بالضغوط ولكن بالوعود أيضا، لاسيما المرتبطة بالجوانب الأمنية، والتى تقتضى عدم إتمام صفقات تسليح بعينها، وأهمها صفقة المقاتلة الروسية السوخوى ــ35، مقابل تنفيذ صفقات أخرى تشمل المقاتلة الأمريكية أف ــ35. ومن الوعود ما يمس تحسين أو ترميم صورة بعض الحكام المؤثرين.
• • •
الشاهد أننا فى لحظة خلل فى النظام الدولى، يكون فيها الطرف الذى يبدو قويا فى حقيقته بمنتهى الضعف، ويكون الطرف الآخر فيها قويا بأوراق يملكها إذا أحسن اللعب. وكل المطلوب هو حسن تقدير الموقف. فالولايات المتحدة فى الوقت الراهن لا تملك ما تمنحه ولا حتى القدرة على تطويع إرادة معارضيها. فلماذا فى مثل هذه الظروف ترضخ الدول العربية المؤثرة؟ راجع مثلا علاقة الولايات المتحدة بالدول العربية منذ الثورات العربية عام 2011. إنها لم تقدم مساعدات إلا وهى مشروطة، ومنعتها عن الشعب الفلسطينى وهم فى أشد الحاجة إليها. ثم استكملت بعض المنح التقليدية لبعض البلدان، ولكن شطبت منها أجزاء. علما بأن قيمة المنح التى تقدمها لا تقيم اقتصادا ولا تسعف وقت الأزمات، وذلك لأن اقتصاديات الدول تنمو، بينما المنح تنكمش. وحتى عندما توفر الولايات المتحدة بعضا من المساعدات العسكرية، فإنها تأتى مشروطة بمواقف سياسية وقيم غربية مغايرة لقيم المنطقة تشمل مثلا الترويج للمثلية، كما لا تسمح باستخدام السلاح إلا بموافقتها، وتستخدم قطع غيار المعدات العسكرية، لاسيما للمقاتلات كأداة لفرض شروطها على الدول المستفيدة. فلماذا إذن الانصياع لمثل هذه الشروط المجحفة؟
إن حالة التمرد فى النظام الدولى ضد هيمنة الغرب تزداد تعقيدا، ووصلت لمرحلة متقدمة من الخطورة بعد العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا. يلى ذلك حالة الترقب من جميع الأطراف لمجريات الأمور فى الشرق الأقصى، لاسيما التوتر بين الكوريتين، والحملة الصينية المتوقعة لضم جزيرة تايوان إلى الوطن الأم. وتأتى هذه التطورات فى ظل عدم قدرة الناتو، بأعضائه الثلاثين وحلفائه عبر العالم، من وقف التصعيد الروسى، أو احتواء الصعود الصينى، أو حتى عقد اتفاق نووى ملزم لإيران. فكيف فى وسط هذا الفشل الغربى فى أصعدة مختلفة تنحاز بعض الدول العربية للموقف الغربى؟ هل زيارة الرئيس الأمريكى تكفى؟ ولنتذكر أنه فى السابق كان الرئيس الأمريكى يأتى للمنطقة من بوابة القاهرة، ثم يزور عددا من العواصم ليس من بينها إسرائيل على أى حال. والآن تغير الشكل وأصبح يأتى للمنطقة لزيارة إسرائيل، ثم ينطلق منها بمسار طائرته فى طرق لم يسبقه إليها أحد؛ فيخرج من مطار بن جوريون لينزل فى مطار الملك عبدالعزيز. ثم يلتقى مع بعض قادة الدول العربية معا.
• • •
بعد استعراض هذه الجوانب، يتبادر سؤال حول ما هو المطلوب من الدول العربية المؤثرة؟ هل المطلوب منها توسيع حالة التمرد والانحياز لجهود روسيا التى تزعزع النظام الدولى؟ والإجابة عن هذا السؤال ليست هينة، بل تحتاج لاستعراض جوانب أخرى عديدة. منها مثلا، أن كل الضربات الإسرائيلية الجوية ضد أهداف فى سوريا تجرى فى ظل موافقة روسية. ومنها أن موقف روسيا من سد النهضة موقف منحاز لمصالح إثيوبيا بدليل تصويت روسيا فى مجلس الأمن العام السابق. ومنها أن روسيا هى أكبر حليف استراتيجى لإيران، وهى الفزاعة التى تستخدم طيلة الوقت ضد دول الخليج. وسبق وقامت روسيا بدور غير مكتمل فى ليبيا، أدى أو فتح الباب لتواجد تركى بداخل ليبيا. راجع أسماء الدول المذكورة فى هذه الفقرة فستجد كل الدول غير العربية التى تتبنى سياسات مناوئة للدول العربية. فكيف للدول العربية أن تنحاز لجهود روسيا أيا كانت النتائج المتوقعة ضد الغرب؟
لكن وقبل أن نفكر فى الانحياز شرقا أو غربا، لماذا لا نفكر فى الانحياز للذات، للموروث الحضارى، ونبع المنطقة الثقافى، الذى يشكل هويتها وتوجهها التلقائى والطبيعى. هل مشروعات التنمية التى تنحصر أو تقتصر على تحسين جودة الحياة هى فقط المشروعات التى تشير للتنمية؟ هل كل ما نحتاجه هو طريق أوسع، ومبانٍ تعليمية، وصحية، وخدمية أكبر؟ هل أهم ما ينقصنا هى المادة التى تحرك الاقتصاد؟ لماذا ترتبط مؤشرات التنمية وبناء المدن الذكية بشروط مجحفة فى حق الشعوب؟ وماذا عن الناس وما يشعرون وما يأملون؟ ألا يوجد مشروع سياسى نابع من المنطقة لصالح المنطقة؟ لماذا يغيب المشروع المحلى من وسط الاختيار؟ هل هذا طبيعى أم مقصود؟
معتمر أمين باحث في مجال السياسة والعلاقات الدولية
التعليقات