القمة الثلاثية المصرية الإريترية الصومالية التى انعقدت فى مدينة أسمرة يوم الخميس الماضى ستكون واحدة من أهم التحركات السياسية والاستراتيجية المصرية فى السنوات الأخيرة، إذا تمكنا من البناء عليها وتنشيطها وتفعيلها وألا تصبح مجرد زيارة واحدة وينتهى مفعولها.
يوم الخميس الماضى، فاجأت مصر «منطقة القرن الإفريقى»، بانعقاد هذه القمة التى جمعت الرئيس عبدالفتاح السيسى والرئيس الإريترى أسياسى أفورقى والرئيس الصومالى حسن شيخ محمود.
أن يزور الرئيس السيسى العاصمة الإريترية فهذا خبر مهم، أما أن يتحول اللقاء الثنائى إلى لقاء ثلاثى فهذا هو الخبر الأهم.
قد يسأل سائل ويقول، وما أهمية هذه القمة، وما هو الجديد أو المثير فى لقاء رؤساء ثلاث دول إفريقية حتى لو كانت مصر وهى أكبر وأهم دولة إفريقية مشاركة فى القمة؟ بل قد يزيد آخر ويقول: ما هى الأهمية فى ظل الصعوبات الاقتصادية الشديدة التى تعانى منها إريتريا، والصعوبات الاستراتيجية بل الوجودية التى تهدد الصومال، ناهيك عن انشغال وانهماك مصر فى مواجهة العدوان الإسرائيلى على المنطقة خصوصا قطاع غزة وأوضاعها الاقتصادية الصعبة؟
كل ما سبق أسئلة أو تساؤلات منطقية، والإجابة ببساطة أن أهمية هذه الزيارة تكمن فى مكانها وتوقيتها والظروف المحيطة بها، والأهم ما الذى سيترتب عليها إذا تم تفعيل البيان الثلاثى الذى صدر عقب نهاية القمة.
كان يفترض أن يكون هذا التنسيق الثلاثى منذ فترة طويلة خصوصا بعد ثورة ٣٠ يونيه ٢٠١٣، ولكن وكما يقولون فأن تأتى متأخرا أفضل من ألا تأتى أبدا.
ثم إن إريتريا لم تكن تدرك أن الجار الإثيوبى بهذا القدر من الحقد والغل والكراهية، وأن هدفه الفعلى هو السيطرة والهيمنة.
تعود مصر بقوة إلى منطقة القرن الإفريقى بعد طول غياب أو حضور ولكن بلا تأثير، تعود مصر ليس للهيمنة أو السيطرة بل لعلاقات تقوم على تحقيق مصالح الشعوب الثلاثة وكل من يريد أن يساهم فى التعاون المشترك.
بعد تجارب كثيرة أدركت إريتريا أن الجار الإثيوبى لا يشغله إلا الهيمنة والسيطرة والإخضاع، وأن المطامع الإثيوبية بلا حدود.
المفترض أن تدين أديس أبابا لأسمرة بالكثير، خصوصا أن الأخيرة دعمت حكومة آبى أحمد وجيشه فى معركته المهمة التى خاضها ضد إقليم التيجراى فى الفترة من ٤ نوفمبر ٢٠٢٠ وحتى ٢ نوفمبر ٢٠٢٢.
ولولا إريتريا ما تمكنت الحكومة المركزية من الانتصار فى هذه المعركة الحيوية.
نفس الأمر فى الصومال، فالحكومة الشرعية هناك استعانت بالقوات الإثيوبية لحفظ السلام، ومساعدتها ضد الجماعات المتطرفة منذ عام ٢٠٠٧. لكن مقديشيو اكتشفت وتفاجأت بأن أديس أبابا وهى المقر الرئيسى للاتحاد الإفريقى، التى يفترض أن تدافع عن سيادة الدول، تقوم بالاعتراف الفعلى بإقليم «أرض الصومال» المنشق عن الدولة الصومالية منذ النصف الأول من تسعينيات القرن الماضى، لكى تقيم ميناء وقاعدة عسكرية قبالة ميناء عدن على البحر الأحمر.
نفس الأمر حدث مع الفارق مع جيبوتى التى كانت إثيوبيا ــ وهى دولة حبيسة ــ تقوم باستئجار أحد موانئها للتصدير والاستيراد، لكنها تركته رغم أنه الأقرب متجهة إلى «أرض الصومال» مما ترك آثار صعبة على اقتصاد جيبوتى.
إثيوبيا تحاول أن تستخدم جنودها الموجودين فى قوة حفظ السلام للسيطرة على الصومال، التى طلبت من الاتحاد الإفريقى إجراء تغييرات فى طبيعة وتشكيل هذه القوة بحيث يمكن الاستعانة بقوات من دول شقيقة وصديقة مثل مصر.
هذا الأمر تم بموافقة وإشادة الاتحاد الإفريقى نفسه الموجود فى أديس أبابا. وبالتالى فالسؤال الذى يوجهه كثيرون لإثيوبيا ولا يجدون له إجابة هو: ما الذى يزعجكم من العلاقات الطبية بين مصر والصومال، وما الذى يقلقكم من وجود قوات مصرية قليلة جدا فى إطار قوات حفظ السلام مقارنة بآلاف الجنود الإثيوبيين المتواجدين فى الصومال منذ عام ٢٠٠٧. ويشكلون العمود الأساسى للقوة الإفريقية؟!.
التحرك المصرى السلمى فى القرن الإفريقى مهم وحيوى واستراتيجى ومن المهم إظهار العين الحمراء بوضوح لكل من يفكر فى محاولة التأثير أو الإضرار بالمصالح الاستراتيجية المصرية وكما يقولون فإن مصر تفعل وستفعل ذلك فى إطار القانون الدولى.
هذا الموضوع شديد الأهمية ويستحق نقاشا مفصلا فى قادم الأيام خصوصا لما جاء فى البيان الثلاثى الذى أعقب القمة الثلاثية فى أسمرة.