الأرق والقلق والخوف والاكتئاب كلها أمراض نفسية عرفها الإنسان حديثا فلا تذكر الكتب الطبية القديمة إلا الاعتلال النفسى كما كان يحلو لشيخ الأطباء ابن سينا أن يصف الكآبة والاكتئاب بمفهومهما الحالى. تعقيدات الحياة العصرية وصراع الرزق والكسب جعلت من تلك المفردات حقائق يعانى منها الرجل والمرأة فى آن واحد. جعلت أيضا البحث عن علاجها أمرا ميسورا فى عدد ضخم من الأدوية الكيميائية والتى من أصول عشبية ويمكن أن تجدها على «الرف» كما يطلق عليها الأمريكيون.
كلما تكاثرت هموم الأوجاع النفسية تنوعت علاجاتها وأنواع ما يستخدم لعلاجها من عقاقير فهل كانت دائما الحل الأمثل؟
دراسة كندية حديثة أجريت فى مونتريال عن أثر الأدوية المعالجة للأرق والمضادة للقلق بأنواعها المختلفة تؤكد أنها ترفع احتمالات الوفاة لدى ٣٦٠ بالمائة ممن يستخدمونها. الدراسة الموسعة أجريت على ١٤ ألف رجل وامرأة كنديين تراوحت أعمارهم بين الثامنة عشرة إلى من تخطو المائة بعامين.
الدراسة اختارت أن تستبعد كل من لديه عوامل أخرى قد تقود للوفاة مثل إدمان الكحوليات والمدخنين وأصحاب الأمراض المزمنة إلى جانب استثناء حالات الاكتئاب المرضية التى تحتاج لأدوية بانتظام.
ولكن كيف أمكن لتلك الدراسة تحديد نسبة الستة وثلاثين بالمائة وما معناها؟
عدد من التفسيرات وضعتها الدراسة منها أن تلك العقاقير تؤثر على سرعة ردود الفعل وتناسق حركة أعضاء الجسم الأمر الذى يؤدى إلى حوادث السقوط التى تختلف فى نتائجها ومضاعفاتها ومنها حالات كسور الحوض التى غالبا ما تكون نذير النهاية خاصة عند كبار السن.
تؤكد الدراسة أيضا أن تلك الأدوية تحمل فى طياتها ما هو أخطر: تدفع الإنسان للتفكير فى الانتحار.
الرسالة هنا ليست فقط لمن يعانون الأرق والقلق والخوف وحالات الكآبة التى تختلف عن الاكتئاب المرضى والهوس. الرسالة أيضا للأطباء الذين يعالجون الإنسان على أنه بالقطع مريض فلا ينصتون إليه أو يفسحون له من وقتهم ما يجعلهم أقرب وبالتالى أقدر على الحكم. هل يحتاج هذا الإنسان لقائمة أدوية تحيله إلى كيان مسلوب العقل والإرادة أم أنه يحتاج لجلسات استماع يمكن منها توجيهه للخروج من نفق الكآبة والقلق والخوف المظلم؟
أخشى ما أخشاه أن يتصور من يقرأ مقالى اليوم أننى فى المطلق أجاهر بعدم قبولى لمبدأ علاج بعض أمراض النفس باستخدام العقاقير الطبية.. الواقع أن تطور المعرفة بأمراض النفس والعقل قد حقق قدرا عظيما من التقدم البحثى العلمى حتى إن هناك العديد من الأمراض العقلية والتى كان من المحكوم عليهم بقسوة مبالغ فيها فى عصور قديمة قد تم التحكم فيما يعانون من أعراض وأصبح دمجهم فى المجتمعات المختلفة علاجا ناجحا لهم.
جلسات الاستماع والتحليل النفسى بداية صحيحة لعلاج أمراض النفس تقود الطبيب الحكيم إلى الطريق الصحيح للعلاج: إذا كان من الضرورى اللجوء للعقاقير فالطبيب وحده هو المسئول عن اختيارها ومتابعة تطورات حالة الإنسان النفسية والذهنية. الحذر بالطبع واجب عند تحديد جرعات العلاج ومدى استخدامها.. ومتى يجب أن تتوقف أو لماذا يجب أن تستمر مدى الحياة؟