ْإحياء الشرق الأوسط القديم.. السيناريو التركى - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 6:03 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ْإحياء الشرق الأوسط القديم.. السيناريو التركى

نشر فى : الأربعاء 11 نوفمبر 2009 - 10:31 ص | آخر تحديث : الأربعاء 11 نوفمبر 2009 - 10:31 ص

 
بعد أن هدأت الزوابع التى أثارها غير المأسوف عليه بوش الصغير وربيبته كونداليزا رايس حول ما سمياه تارة «الشرق الأوسط الجديد» وأخرى «الشرق الأوسط الكبير»، ودعاوى فرض الديمقراطية بوصاية أمريكية حتى تلحق دول المنطقة بالنموذج الأوحد الذى انفردت به الشريكة الإستراتيجية إسرائيل، وتصبح جديرة بأن تنضم إليها فى تجمع إقليمى تحت زعامتها، انصرفت الأنظار إلى محاولة أوباما تحسين الوجه القبيح لأمريكا والتصالح مع الدول ذات الأغلبية المسلمة.

وهو ما أثار ارتياحا للاعتقاد بأن الولايات المتحدة صرفت النظر عن ذلك المشروع، الذى وفر مظلة لاحتلال العراق وتمزيق أوصال دول عاشت فى سلام قرونا عديدة وتشريد من بقى من أهلها على قيد الحياة. ويدعونا هذا الأمر إلى التساؤل: هل كانت «الشرق أوسطية» ومشروعاتها العديدة نزوة من نزوات المحافظين الجدد، وخرجت من دائرة اهتمام أمريكا الأوباماوية؟

إن الإجابة المباشرة والوحيدة هى أن الشرق أوسطية تمثل إحدى المقومات الأساسية للتعامل مع المنطقة العربية، منذ تقرر إلغاء مركز تموين الشرق الأوسط الذى استخدمته بريطانيا أداة لإعادة رسم اقتصادات دول المنطقة أثناء الحرب العالمية الثانية، ورأت أمريكا ــ الآمر الناهى للحلفاء الذين ظلوا فترة يعيشون على إحساناتها بعد أن أنقذتهم من طغيان كل من النازية والفاشستيه، إغلاقه لتبقى المنطقة ساحة حرة لأطماعها الاقتصادية والسياسية. وسرعان ما أطلق أيزنهاور دعواه بأن الشرق الأوسط يعانى فراغا، يجب أن يملأ وإلا وقع لقمة سائغة فى يد حليف الأمس وعدو اليوم والغد..

الاتحاد السوفييتى وشيوعيته البغيضة، لكيلا يمتد هذا المذهب اللعين حتى يلتحم بأتباعه فى جنوب وشرق آسيا وعلى رأسهم الصين الشعبية.

وابتُدع جلف بغداد الذى يبدأ بمجموعة تضم تركيا والعراق وإيران وباكستان، ليمتد غربا وجنوبا وشرقا، من أجل حماية شبكة المواصلات الحيوية، ومواصلة السيطرة على منابع البترول، وإدارة أى عمليات خارج النطاق الواقع تحت إشراف حلف الأطلنطى.

ولسنا فى حاجة للتذكير بموقف ثورة يوليو 1952 من ذلك الحلف وانحساره عن العراق بعد ثورة فى عام 1958، ولا بالدور الأمريكى الذى لعبته أمريكا مع مصدق وتثبيت أقدام الشاه العميل إلى أن أزاحته الثورة الخومينية ليهيئ له الرئيس السادات ملاذا أمينا.

وتحول الحلف إلى حلف مركزى لا كيان له، وأقامت تركيا وإيران وباكستان تنظيما اقتصاديا يدعى «التعاون الإقليمى للتنمية» يتولى إنشاء مشروعات مشتركة، وسرعان ما تداعت أركانه، لتحل محله «منظمة التعاون الاقتصادى» تعثرت بقيام الثورة الإيرانية، ولم تتمكن من إحياء التعاون الإقليمى حتى بعد أن سعت إلى ضم جمهوريات انفرطت عن الاتحاد السوفييتى.

من جهة أخرى دخلت باكستان فى نزاع مع الهند وسابقتها فى امتلاك السلاح النووى الذى اعتبر بعض السذج أنه «إسلامى»، بينما انشغلت تركيا بمحاولاتها اليائسة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبى، بعد حلف الأطلنطى، وبالصراع بين علمانية الجيش وتمسك الشعب بالتوجه الدينى.

وإذا كانت الولايات المتحدة قد حاولت تعبئة دول الشرق الأوسط العربية ضد الشيوعية بدعوى أنها تقوم على الإلحاد، فقد تحولت بعد زوالها إلى افتعال صراع مع الإسلام عامة والعرب خاصة. وكانت قد أقامت تحالفا إستراتيجيا مع إسرائيل شدد أوباما على أنه غير قابل للزوال. ومن ثم تقطعت أوصال الشرق الأوسط القديم، فتعرضت المشاريع الشرق أوسطية المتتالية للانهيار، الواحد تلو الآخر، خاصة أن إسرائيل، وهى بصدد توسيع الرقعة التى تلتهمها منه كانت عازفة عن ترتيبات تتطلب بالضرورة أن تتحول إلى دولة عادية، محددة الحدود ومستقرة الأوضاع، وهو ما لم يكن فى جدول أعمالها الإجرامية.

وإذا صدقت نية أوباما فى أن يحقق استقرارا فى المنطقة ويزيل أسباب التوتر فيها، فإن هذا لابد وأن يتم فى إطار النظرة الإستراتيجية للمنطقة، وهى نظرة لا توجد مبررات أو مؤشرات على تغيرها. وبالتالى فإن اختفاء الحديث عن فرض نظام أمريكى عليها تحت ستار دفعها إلى ديمقراطية ترسم هى لها معالمها بغض النظر عن توافر الأسس الموضوعية لقيامها واستمرارها، لا يعنى إلا أنها تشق طريقا آخر نحو تحقيق الهدف الإستراتيجى يحظى بقبول الأطراف المتنافرة فى المنطقة، فتطوع لتنفيذه راضية مرضية.

وإذا كان أوباما أعلن عزمه على مخاطبة العالم الإسلامى وإزالة الرواسب والمخاوف من نفوس أهله، فإنه فعل ذلك بعد أن بنى تصورا مستقبليا يقنع به أركان النظام الذى اعتلى قمته. فكانت الزيارة الأولى لتركيا سابقة بالضرورة لخطابه القاهرى العام. ولم تقتصر تلك الزيارة على خطابه فى البرلمان التركى، بل كان الداعى الأساسى لها هو الاطمئنان إلى أن الحكومة التركية سوف تمضى معه فى برنامج إعادة إحياء الشرق الأوسط القديم فى ثوب قشيب، إلى جانب موضوعات أخرى حيوية تتعلق بأوروبا وحلف الأطلنطى، وبروسيا ومخلفات الاتحادين السوفييتى واليوغوسلافى.

ووجدت تركيا، التى عانت الكثير من تعنت الاتحاد الأوروبى ومزاعمه حول حقوق الإنسان، فرصة سانحة إلى تحسين وضعها الدولى وتعزيز علاقتها بالقوة الأولى المهيمنة على العالم، وبخاصة الشرق الأوسط الذى يشكل جوارها الإقليمى. ثم توالت الأحداث.

فإضافة إلى دور الوسيط بين سوريا وإسرائيل الذى تعثر بمجزرة غزة، بنت تركيا علاقات وثيقة مع إسرائيل، التى تعتمد فى توثيق علاقاتها مع دول عديدة بما فيها الصين، على تزويدها بمنتجات صناعات حربية تطورها بالتعاون مع أمريكا أو بالتجسس عليها. وفى ظل الصعوبات الاقتصادية، التى تعرضت لها دأبت تركيا على تحسين علاقاتها الاقتصادية الخارجية بدءا بالدول العربية.

وهكذا أصبحت تركيا نقطة صالحة لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط على النحو الذى ترجوه الولايات المتحدة. وكان من ثمار هذا المنهج الجديد أن استعانت مصر بها فى جهودها لإعادة ترتيب البيت الفلسطينى.

وحتى ترتفع درجة قبولها فى أى ترتيبات تضم دولا عربية، قام أردوجان بتوجيه اللوم علنا إلى بيريز أثناء لقاء دولى ثم أعلنت مؤخرا إيقاف مشاركتها إسرائيل فى مناورات عسكرية، وهو ما لقى استحسانا عربيا، ورضخت له إسرائيل وابتلعته على مضض.

وأعقب ذلك بناء جسور مع إيران التى يملأ نظامها العالم ضجيجا حول بالونة نووية تغطى على مشكلاتها الداخلية فى الحقول السياسية والاجتماعية والإثنية والتنموية، وهى أمور تزداد تعقيدا كلما تأجلت مواجهتها بصورة ناجعة.

وتمثل تركيا طوق النجاة الذى يعيد ترتيب أوراق المشكلة الإيرانية للعالم الخارجى وللداخل الإيرانى.

وفى سياق ملهاة حل مشكلة فلسطين من خلال مفاوضات لن يطول الزمن أمام بلوغها حدا ينهيها، إما سلبا أو إيجابا، يصبح من الأولويات المطروحة على دول المنطقة، بما فيها العراق وباكستان، ضرورة التعاقد على اتفاق يكفل صون الأمن والسلام فى المنطقة، وهو ما يعيدنا إلى المريع الأول فى الشرق أوسطية.

وبديهى أن الصيغة الأمنية، التى تحمى إسرائيل أولا وأخيرا، تغذيها علاقات اقتصادية تبنى على نحو تعود فيها الجوائز الكبرى على إسرائيل والعراب التركى..
لترفع القبعات إذن لكل من أوباما وأردوجان..

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات