لما خيبتم.. خيبنا - إسعاد يونس - بوابة الشروق
الإثنين 20 مايو 2024 6:52 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لما خيبتم.. خيبنا

نشر فى : الخميس 12 مارس 2009 - 5:31 م | آخر تحديث : الخميس 12 مارس 2009 - 5:31 م

فى جلسة عائلية أنيقة التقيت سفيرا جليلا لإحدى الدول العربية الشقيقة بشمال أفريقيا وسألته ما الذى حدث لديكم؟ لماذا ظهرت لديكم تلك الردة الثقافية بعد أن كنتم عنوانا للتميز والرقى الحضارى؟ قال: عليكى أن تعلمى أننا على مدى التاريخ كنا نتبعكم كنا نتعلم منكم ومن ثقافتكم التى تصلنا عبر أفلامكم السينمائية وعندما كنتم تسافرون إلينا لتعرضوا مسرحياتكم نسمع أغنياتكم ونصفق لمطربيكم كنا نقرأ أدبكم ونستنير بمفكريكم كنا نسير على خطاكم ونقلدكم ونزهو بأننا فهمنا الدرس.


قلت: ثم ماذا حدث؟ قال: لما خيبتم خيبنا.. فمصر هى الكبيرة ومادامت مصر قد تحجبت شكلا وموضوعا ولبست النقاب يبقى لازم نمشى وراها، الحجاب اشتهر لما وصل مصر والنقاب أصبح له منطق مادامت المصريات لبسنه والفكر السلفى وصلنا من عندكم وليس من مكان تصديره أولستم القدوة؟.


أصبت بالبلم.. وظلت جملته تقطع فى أحشائى.. لما خيبتم خيبنا.


فى كمية المظاهرات والوقفات الصامتة والصاخبة والاعتصامات إلى آخر تلك الأساليب فى التعبير تظهر بشدة حالة الزحام التى يعانى منها الوطن وبالذات فى تجمعات العاملين البسطاء خصوصا إذا ما تصدر كاميرات التليفزيونات بعض الأشخاص الصارخين والمعبرين عن شكاواهم.. فتتكرر عبارات مثل «أنا مرتبى ميتين جنيه من 15 سنة ومعايا تمن عيال!!!»


ويتبادر إلى ذهنى مباشرة السؤال الأبدى كيف أنجب ثمانية أولاد وهو بنفس الراتب منذ خمسة عشرة عاما؟ بل كيف أنجب الولد الثانى وهو لا يزال بنفس الدخل؟ (ده حتى ما اخدش علاوة إنجاب) ما هو المنطق الذى يجعل الناس تصر على الإنجاب رغم الظروف الصعبة كيف يمكن لأفراد الطبقات البسيطة أن يتمسكوا بمنطق «العيل بييجى برزقه» وسط هذا الكم من المعاناة؟ خصوصا إذا لم يتحسن الموقف أو الحال مع إنجاب كل طفل جديد بل إن المعاناة تزيد والهموم تتكاثر.


وأتذكر فى السبعينيات يوم تبنت الدولة حملات تنظيم الأسرة وانظر حولك وحسنين ومحمدين ورصدت لها ميزانيات ضخمة ودعمت طرق ووسائل تنظيم الأسرة بحاجة ببلاش كده وإن باءت كلها بالفشل بدليل تعدادنا الذى وصل إلى ثمانين مليونا وهو ما بدأ يظهر بوضوح شديد وتكرار مزعج من حالات التذمر والضيق بسبب زحام وكثافة الناس وبالتالى ضيق الرزق والسؤال:  ماذا كان دور رجال الدين فى هذه المشكلة؟ ماذا كانت إسهاماتهم مع الدولة؟ هل لجأت إليهم الدولة ليتحدوا معها فى هذا النوع من التوجه؟ هل شعر المسئولون وقتها بأنهم يجب أن يتعاملوا مع رفض العامة لهذه الحملة من منظور دينى؟ هل كانت مقاومة الناس موجهة من قبل أى فكر سلفى؟.


طيب إذا افترضنا أن كل هذا لم يحدث هل هناك أمل فى أن يحدث الآن؟ يعنى فيه أمل أن نشعر بشكل إيجابى بأن رجال الدين يصنعون شيئا مفيدا لهذا البلد بدلا من الصراعات التى بدأت تظهر على السطح بين رجال الأزهر ودعاة الفضائيات مثلا؟.


سؤال.. مع كل نجومية الأستاذ عمرو خالد لماذا لم يستجب الناس للحملة التى قادها من داخل راديو وتليفزيون العرب بأن سرقة الدش حرام واللى يعمل السلكة ويضرب الاشتراك حايخش النار؟.
كان الرهان على شعبيته ونجوميته وعدد أتباعه ومريديه حتى دول باعوه عشان يتفرجوا على الماتشات!.


لماذا تخيب حملات وتنجح أخرى؟ مش حد يرصد الموضوع ده يا جماعة؟ لماذا تخيب حملة تنظيم الأسرة؟ وتخيب حملة احسبها صح تلاقيها صح وتنجح حملة الضرائب حتى لو انقلب الناس عليها فيما بعد عندما هدد شومان (نجم الحملة) الناس بالحبس مشيرا إلى أن الدكتور بطرس صحيح لذيذ ودمه خفيف ووزير مالية شاطر بس حايحبسكوا حايحبسكوا.


وزارة الداخلية أصبحت طرفا معنا فى كل أعمالنا السينمائية إذا أردنا أن نصور فى الشوارع بات علينا أن نستصدر إذنا من الداخلية كان فى السابق إذن أو تصريح واحد ثم تحول إلى تصريح لكل يوم ولكل شارع والسبب عدم الاقتراب والتصوير من الأماكن الحساسة اللى هى إيه بالظبط؟ ما حدش عارف الله يرحم محطة المطار السرى، والأماكن الحساسة محدودة ومعروفة ونحن من أنفسنا لا نقترب منها ونعلم أنها حساسة لأنها محاطة بأجهزة حساسة حاول أن تقترب فقط وتنحنى لتعقد رباط الحذاء كده سوف تشعر فورا بالحساسية خصوصا وأنت فى وضع الانحناء لعقد الرباط فلأنك أمام مكان حساس يصلك الشلوت فى مكان حساس وتبقى حفلة حساسية.


بل أصبحت هذه التصريحات كثيرا ما تقف عائقا أمام المنتجين لإتمام عمل ما لأنها فجأة ارتبطت بجهاز الرقابة على المصنفات الفنية ثم فجأة ارتبطت أيضا بتصاريح النقابات الثلاث التمثيلية والسينمائية والموسيقية فأصبحت الداخلية طرفا فى منازعاتنا أو خلافاتنا أو عدم اتفاقنا أو حتى اتفاقنا مع نقاباتنا وجهاز رقابتنا وأصبحنا نذهب إلى الداخلية لنحل مشكلة نقابية بحتة ليس لها أى علاقة لا بالرقابة ولا الداخلية. ثم أصبحت شريكا مع جهاز الرقابة فى التصريح بالسيناريوهات فأى سيناريو به شخصية ضابط شرطة بأى رتبة طيبة كانت أو شريرة يجب أن يمر على الداخلية وأصبح لها القرار النهائى فى التصريح بالفيلم من عدمه وأصبحنا نقرأ فى الصحف أخبارا عن منع فيلم أو حذف مشاهد من فيلم بواسطة الداخلية.


وأنا أفهم جيدا أن الجهاز الإعلامى بالوزارة يحاول أن يحد من الهجوم غير المبرر أحيانا على جهاز الشرطة وأفهم جيدا جدا حجم الهم والضغوط التى يعانى منها جهاز الشرطة خصوصا أنه من وجهة نظرى أصبح مسئولا عن كل شىء فى الشارع وزاد وغطى على هذا المجهود المرورى المضنى وتأمين المواكب وتأمين الشوارع من تجاوزات المسيرات والوقفات والمظاهرات والتأمين المكثف لقاعات المحاكم فى قضايا الرأى العام التى كثر عددها للأسف.


وأعلم علم اليقين أن الوزارة تعانى أيضا من بعض تجاوزات أعضائها والتى نقرأ عنها أيضا فى الصحف بل ونراها أحيانا على كليبات الموبايلات ولذلك هى تحاول علاج هذه الظواهر السلبية بين غرفها دوائر تفتيشها، ولكنى لا أوافق على سياسة الحجب بل أرى أن هناك طرقا أخرى لعلاج صورة الداخلية لدى الشعب وهى الصورة التى نحتاج جميعا إلى تصحيحها فى ذهن المواطنين جميعا وهنا أعود مرة أخرى إلى التوجيه السليم الذى نفتقده


إن رجل الشرطة شريك معنا نحن الجماهير فى حياتنا اليومية هو يحتك بنا فى كل ظروف حياتنا هو ليس شخصية سرية ولا ينجز عمله من داخل غرف مغلقة وبالتالى هو مثلنا تماما لطيف مثل بعضنا سخيف مثل الآخر شريف كمعظمنا فاسد أحيانا مثلنا؛ ولذلك اقترح أن تعيد الداخلية النظر فى الخطة الإعلامية لإعادة الثقة لدى الشعب بأن تتعاون معنا نحن قطاع الفنانين والسينمائيين على وجه الخصوص بأن نقول الحقيقة لا أن نحجبها بأن تمدنا بالبطولات التى لم تفرج عنها بعد فى القضايا المتعلقة بأمن الدولة وإنقاذ الوطن من مخاطر الإرهاب والمخدرات وما إلى ذلك قضايا بعينها أبطالها أشخاص حقيقيون وأن تمنحنا التسهيلات لتصوير تفاصيل هذه القضايا ونحن على أتم استعداد لتنفيذ هذه الأفلام فورا.


ولكن فى نفس الوقت تعطينا الحق فى النقد وإظهار الشخصيات السلبية والفاسدين بل وأتمادى فى اقتراحى بطلب ملفات الفاسدين منهم لتكون القضايا حقيقية ومعبرة عن قوة الجهاز الواثق من نفسه.
كنا قد تواعدنا الأسبوع الماضى على فتح ملف المنتقبات فى ماسبيرو ووعدتكم أن أعود إليه بعد الفاصل.. عفوا الفاصل لسه ما خلص.

 

إسعاد يونس  فنانة ومنتجة سينمائية مصرية
التعليقات