ليس أطباء مصر وحدهم مسئولين عن أزمة الصحة - مصطفى النجار - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 1:40 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ليس أطباء مصر وحدهم مسئولين عن أزمة الصحة

نشر فى : الجمعة 12 يونيو 2015 - 9:05 ص | آخر تحديث : الجمعة 12 يونيو 2015 - 9:05 ص

كان المشهد كوميديا بامتياز ووسائل الإعلام تنقل تفاصيل الزيارة (المفاجئة) لرئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب، الذى وصفته بأنه قام بالتسلل لمعهد القلب القومى ليفاجئ الأطباء والعاملين بالمعهد ليكشف التقصير والإهمال بالمعهد، الذى يستقبل مرضى من كل أنحاء الجمهورية. ورغم أن الزيارة مفاجئة فإن كل وسائل الإعلام كانت حاضرة لتأخذ اللقطة للرجل الطيب المدافع عن الفقراء فى وجه الأطباء الفاسدين والمقصرين الذين يبحثون عن مصالحهم الشخصية وعياداتهم الخاصة.

كنا نتمنى أن نرى (لقطة) للرجل الطيب محامى الفقراء وهو يدافع عن طبيبة شابة باستقبال مستشفى الدمرداش بجامعة عين شمس ــ على سبيل المثال – وقد قام أهالى طفل مولود حديثا بالاعتداء عليها وتهديدها بالقتل لعدم وجود مكان بحضانات الأطفال لوليدهم، كنا نتمنى أن نرى إقدامه فى حماية الأطباء من العدوى بفيروس سى وغيره من الأمراض، التى قررت حكومته أن بدل العدوى للأطباء يتراوح ما بين 19 و30 جنيها فقط، بينما منحت بدل عدوى لمهنة أخرى لا علاقة لها بالطب ومخاطره ثلاثة آلاف جنيه.

كنا نتمنى من الرجل الطيب أن يشكل فريقا لمطاردة القطط داخل المستشفيات المصرية حتى لا تتسلل لغرف العمليات، كنا نتمنى منه أن يقرر رفع رواتب الأطباء الذين يحتارون فى إنفاق الـ1200جنيه (نحو 157 دولارا) التى تمنحها حكومته لهم، وتطلب منهم الحضور للمستشفيات العامة يوميا وقضاء أوقات تقترب من 12ساعة يوميا، وقد تصل إلى 24 ساعة فى بعض الأحيان.

•••

فئة الأطباء فى مصر هى فئة بائسة مهضوم حقها، تتظاهر وتهدد بالإضراب ولا يعيرها أحد اهتماما فى نفس الوقت التى صارت فيه (ملطشة) الجميع الباحثين عن وهج إعلامى يداعب مشاعر الفقراء ويصور الأطباء كفئة مستغلة تتاجر بآلام الفقراء بحثا عن الربح المادى.

الواقع الذى ينكره المزايدون والفاشلون المتاجرون بآلام المصريين أن الطبيب المصرى إذا اعتمد على المقابل المادى الكارثى الذى تمنحه له الدولة سنراه يقف فى صفوف المتسولين فى إشارات المرور ليستطيع إطعام أهله وإنقاذهم من الجوع. التعامل مع ملف الصحة ــ الشديد التعقيد ــ بثقافة اللقطة وتسجيل الأهداف والتنصل من المسئولية، يمثل انعكاسا لسطحية إدارة الدولة واستمرار التردى فى تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين.

تحميل الأطباء مسئولية انهيار الخدمات الصحية فى مصر هو هروب من مواجهة الواقع الذى يقول أنه لا توجد أساسا منظومة متكاملة لإدارة ملف الصحة فى مصر وأن الأمور تسير بـ(البركة) باللغة الدارجة.

نحن نتحدث عن مسلسل لإهدار المال العام وتقنين الفساد بسبب سوء الادارة وغياب المتابعة والتقييم، نحن نتحدث عن فشل ذريع فى إدارة ثروة من الموارد البشرية من الكوادر الطبية الشابة، وكذلك تطفيش ذوى الخبرات والكفاءات. كل من يمارس مهنة الطب فى مصر يعرف القاعدة الطبية الشهيرة (علم نفسك بنفسك)، فمطلوب منك أن ترفع كفاءتك كطبيب بالاعتماد على اجتهادك ومالك وجهدك الشخصى فلا أحد سيساعدك كى تصير طبيبا ماهرا بل ستقف كل الظروف ضدك وستجد أنه لا مناص من ترك الوظيفة الحكومية والاتجاه للعمل الخاص لتصل لحد الكفاية المادية الطبيعية وكذلك الكفاءة العلمية، التى تجعلك طبيبا بحق.

زملاؤنا الأطباء الذين ما زالوا يعملون بالقطاع الصحى الحكومى هم جنود مجهولون يستحقون التحية من كل المصريين الذين يجب أن يدركوا أن غالبية هؤلاء يعملون فى ظروف غير آدمية، ويصرون على تقديم الخدمة الطبية فى ظل غياب الموارد المالية والإمكانات.

•••

الهجوم العشوائى على القطاع الصحى يجهض أى أمل فى تطوير المنظومة الصحية بمصر. ودخول ملف الصحة لمساحة المزايدات السياسية والتلميع الإعلامى لبعضهم يفاقم شعور الأطباء بالإحباط، ويدفعهم دفعا للانفصال عن هذا المستنقع الذى يعيشون فيه بإرادتهم من أجل خدمة الناس، وقد يأتى يوم لتتفاجئ الحكومة فى مصر أنها بحاجة لاستيراد أطباء من الخارج إذا بدأت استقالات جماعية ونزوح من الأطباء فى العمل بأى قطاع حكومى فى ظل استمرار السياسات الفاشلة وضعف الموارد وعدم وجود أى قدر من العدالة فى توزيع الميزانيات العامة بين الفئات والقطاعات المختلفة بمصر.

حين يصبح حجم الانفاق على الصحة فى مصر مقاربا لحجم الانفاق على الأمن والإعلام فلنبدأ الحديث عن منظومة صحية يمكن البدء فى بنائها، حين نتبنى المنهج العلمى فى إدارة ملف الصحة كمنظومة تبدأ بالوقاية المبكرة من الأمراض، وتنتهى بنظام جودة شامل يضمن كفاءة واتقان الخدمة الطبية المقدمة يمكننا حينها مساءلة الأطباء والأطقم الفنية المعاونة وحسابهم على أى تقصير.

تنجح شركات التأمين الطبى الخاص فى تقديم خدمات طبية جيدة وتحقيق أرباح كبرى لأنها تخلق المناخ الذى يعرف أن نجاح تقديم الخدمة الطبية الجيدة يتكون من معادلة أركانها مقدم الخدمة والبنية التحتية للمنشأة التى يتم فيها تقديم الخدمة والإمكانات اللازمة لتقديم الخدمة ووجود النظام الضابط لتحقيق المعايير الفنية الأساسية.

سيظل ملف الصحة فى مصر يتردى من سىء إلى أسوأ طالما استمرت سياسات (الفهلوة) وثقافة (اللقطة) التى يبحث بعضهم عنها دون جهد حقيقى لبناء منظومة علمية متكاملة تنقذ صحة المصريين، ولتستمر مواسم المزايدات على الأطباء، الذين سئموا هذا العبث وباتوا على وشك الانفجار.

مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات