موعد مع سبيلبيرج.. تاجر الأحلام في القاهرة - خالد محمود - بوابة الشروق
الإثنين 13 مايو 2024 9:15 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

موعد مع سبيلبيرج.. تاجر الأحلام في القاهرة

نشر فى : السبت 12 نوفمبر 2022 - 8:45 م | آخر تحديث : الأحد 13 نوفمبر 2022 - 12:48 م

تجىء ضربة البداية لمهرجان القاهرة السينمائى الـ 44 الذى يفتتح اليوم، مختلفة وقوية بفيلم سيرة ذاتية لواحد من أهم مخرجى العصر وهو ستيفن سبيلبيرج، والذى لم يخجل فى فيلمه الجديد «فابلمانز» من نسج عناصر من تاريخ عائلته وتأثيرها فى أفلامه وكيف شكلت قصص والده فى الحرب العالمية الثانية عام 1941 خياله فى صناعة أفلام مثل «إنقاذ الجندى رايان»، وأيضا «إى تى» وأن فيلم «لقاءات قريبة من النوع الثالث» نما إليه من آلام طلاق والديه.
ما نلمسه فى أحداث فيلم سبيلبيرج ــ الفائزبالجائزة الكبرى وجائزة الجمهور لمهرجان تورونتو السينمائى ــ مذكرات جزئية، وهو بمثابة جزء من قصيدة ألهمت خياله ليقدم أفلاما قوية، بحث فى جذور العائلة التى ساعدته فى جعله صانع أفلام محبوب لم يفقد لمسته السحرية.
يوضح سبيلبيرج عبر مشاهد متعددة كيف أن «الفيلم السينمائى» لديه القدرة على التحكم وتوجيه ما هو فوضوى ومربك فى الحياة عبر دراما حميمية، حتى المشاهد الأكثر إيلامًا تبدو مليئة بلحظات صادقة وحقيقية من قلب الحياة الواقعية.
الحنين الموجود هنا، بالنسبة لنا كجمهور محاط مرة أخرى بتألق سبيلبيرج وهو يصيغ قصته الأصلية، ربما يكون افتتان المخرج بأصله يثقله بشكل لا مفر منه بالانغماس فى الذات والعاطفة.
لكن علامة سبيلبيرج النهائية للتألق فى «فابيلمانز» تأتى من اكتشاف جابرييل لابيل، الصورة الجميلة المبنية على حياة ساحرة تأملية وحالمة، أبهرتنا فى تلك المشاهد التى يعيد فيها المخرج الأمريكى شغفه بحب ذكرياته الأولى فى صناعة الأفلام ويأتى اكتشاف جابرييل لابيل، الذى يلعب دور المخرج نفسه، بمثابة اختيار رائع وهو يعيش احلام واحباطات سبيلبيرح، وميشيل ويليامز وبول دانو فى دور الأبوين، اللذين طُلب منهما السير على حبل مشدود رقيق، لتقديم صورة عن زواج غير كامل لكنه يفطر القلب فى حنانه.
فى سن الخامسة والسبعين، يضع سبيلبيرج العديد من التفاصيل الأخرى عن طفولته فى الخمسينيات من القرن الماضى فى نيو جيرسى، منذ اللحظة التى اصطحبه والداه له للسينما، فى أجواء رائعة مليئة بالشجن والمواقف الإنسانية والمضحكة أيضا، يظهر مخرجنا باسم «سامى فابلمان»، نشاهده وهو يصور أفلام الوحوش مع أخواته الصغار، باستخدام الكاتشب كدم مزيف؛ لاحقًا عندما كان مراهقًا فى أوائل الستينيات، سيخرج سامى عددًا قليلا من الأفلام القصيرة الرائعة، منها صورة حرب.
تمنح صناعة الأفلام سامى بعض الاستقرار فى خضم الاضطرابات فى حياته الأسرية، حيث كان والده «بيرت» مهندسا كهربائيا يعمل فى صناعة الكمبيوتر، يتنقل دائما على مر السنين من نيوجيرسى إلى فينيكس، وأريزونا، وكاليفورنيا الشمالية، بينما عانت الام «متزى» من عدم الاستقرار والتى تلعب دورها ميشيل ويليامز فى أداء مفعم بالحيوية والعاطفة فى نهاية المطاف؛ حيث تُظهر لنا انزعاجها، وأسفها العميق على التضحية بمسيرتها كعازفة بيانو من أجل تربية أسرتها، بينما تحث سامى على متابعة أحلامه فى صناعة الأفلام، رغم أن الأب يتمنى أن يفعل شيئًا أكثر عملية، مثل الحوسبة أو الهندسة.
هنا يظهر عم سامى الأكبر «بوريس» ويجسده جود هيرش، وهو ممثل سيرك سابق يشجع سامى محذرًا: «سيمنحك الفن تيجانًا فى السماء وأمجادًا على الأرض، ولكن أيضًا، سوف يمزق قلبك.. الفن ليس لعبة! الفن خطير مثل فم الأسد.. سوف يعض رأسك».
يحب سامى صناعة الأفلام جزئيًا؛ لأنها تمنحه وهْم السيطرة، بينما يصور بكاميرا 8 ملى متر، ويقطع المشاهد معًا يدويًا، يكتشف أنه يستطيع تعديل الواقع وفقًا لإرادته بمرور الوقت، يتعلم سامى أن الكاميرا يمكنها رؤية الأشياء التى تفتقدها العين البشرية، ويمكنها كشف الأسرار المؤلمة.
إذا كنت من عشاق السينما أو من محبى سبيلبيرج، فإن فابيلمانز هو فيلم مؤثر للغاية يجب مشاهدته كقطعة مذكرات قوية ورسالة حب صادقة لصناعة الأفلام، أن هناك ما هو أكثر فى الأفلام من التخيل، ودعونا نتساءل من قلب العمل.. كم عدد القصص التى شاهدتها عن شخصيات رائدة تجرأت على أن تحلم بأحلام كبيرة؟
يمكن أن تكون الأحلام نعمة أو نقمة بسبب الخط الرفيع بين الحلم والهوس، وسبيلبيرج غاص فى الاحلام وكشف أن أعظم أداة لأسطورة صناعة الأفلام هى رؤيته الجامحة، وإنه تاجر أحلام يظهر المستحيل على الشاشة ويتابع هواجسه.

خالد محمود كاتب صحفي وناقد سينمائي
التعليقات