روسيا والاقتصاد العالَمى الجديد - العالم يفكر - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 3:04 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

روسيا والاقتصاد العالَمى الجديد

نشر فى : الأربعاء 13 مارس 2019 - 11:25 م | آخر تحديث : الأربعاء 13 مارس 2019 - 11:25 م

نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا للكاتب «عدنان كريمة» ــ المُحلِل الاقتصادى اللبنانيــ يتناول فيه
السياسة الخارجية الروسية ورغبتها فى أن تصبح شريك مهم فى النظام العالمى.. ونفوذها القوى فى سوريا والذى يمكنها من لعب دور فاعل فى منطقة الشرق الأوسط.

فى سياق الخلاف السياسى والصراع الاقتصادى بين موسكو وواشنطن، وفى ردٍ منها على العقوبات الأميركية والأوروبية، بسبب أزمة أوكرانيا، تُحاول روسيا الهروب من الدولار فى علاقاتها الدولية وتبادُلها التجارى وتعامُلها المالى والمَصرفى، والاعتماد تدريجا على عملات أخرى، مثل الروبل واليوان، وذلك بنِسب مُتفاوِتة وفق تطوُر مَصالِحها وخِططها الاستراتيجية، وقيادتها مع الصين مجموعة دول «البريكس«؛ فى الوقت الذى يُجمِع فيه معظم المُراقبين على أن الحرب العالَمية الثالثة مرشَحة لتكون «اقتصادية بامتياز»، الأمر الذى يُفسِر مدى أهمية سيطرتها السياسية والعسكرية على سوريا، لسنواتٍ طويلة، والتوسُع فى استثماراتها المالية فى منطقة الشرق الأوسط (وهى الأغنى فى العالَم) لترسيخ نفوذها وضمان مَصالحها، تمهيدا للعب دَورٍ مستقبلى مؤثِر وفاعل فى مسيرة الاقتصاد العالمى الجديد. هل تستطيع روسيا تحقيق أهدافها؟
اتَخذ البنك المركزى الروسى سلسلةَ إجراءاتٍ تهدف إلى فك الارتباط تدريجا بالدولار، على أمل أن تُسهم فى التخفيف من تأثير العقوبات على الاقتصاد الوطنى. وقد طُلب من المصارف العاملة داخل البلاد اعتماد الروبل فى حساباتها. وكَشفت مديرة البنك المركزى إلفيرا نابيولينا عن تدابير تنظيمية وصفتها بأنها «تجعل التعامل بالروبل أكثر ربحية»، ولكنْ يبدو أنها لم تُدرِك أن تحقيق هذا الهدف ليس بالأمر السهل، لأنه حتى يُصبح الروبل جذابا للحسابات، يجب أن توفَر له الثقة بأن قوته الشرائية لن تنخفض، وأنه يَمتلك عوامل استقرار، وأن يكون التضخم عند مستويات متدنية. وبما أن الروبل يعانى من نقاط ضعف، ولا يمتلك مقومات الصمود والاستقرار، يقول رئيس غرفة الحساب الروسية أليكسى كودرين إن «الانتقال لاعتماد الروبل فى الحسابات أمرٌ محفوف بمَخاطر نقدية عالية».
وعلى الرغم من المُعارَضة الشديدة، تابعَت روسيا إجراءاتها بالتخلى تدريجا عن الدولار، فعمدت إلى الانسحاب من الاكتتاب فى سندات الخزينة الأميركية، ليتراجَع امتلاكها لديون الولايات المتحدة بنحو 84 فى المائة خلال شهرَين فقط. ففى العام 2010، كانت تمتلك نحو 176 مليار دولار، وقد تراجَع الرقم إلى 105 مليارات نوفمبر 2017، ثم إلى 96 مليار دولار فى مارس 2018، واستمرَ بالتراجُع إلى أن أصبح 14,9 مليار دولار فقط. وحرصا من حكومة موسكو على تنويع احتياطاتها لدى البنك المركزى والبالِغة حاليا نحو 454 مليار دولار، لدعم النقد الوطنى، عمدت إلى شراء كميات من الذهب. ووفق معلومات مجلس الذهب العالَمى، اشترت روسيا فى النصف الأول من العام 2018 نحو106 أطنان من الذهب بقيمة 78 مليار دولار، وفى الربع الثالث اشترت 92 طنا، وبذلك ارتفعت حصة المعدن الأصفر الثمين فى الاحتياطى الدولى الروسى إلى 2036 طنا، وهى كمية جعلت روسيا تصعد إلى المرتبة الخامسة على قائمة الدول التى تمتلك أكبر كميات من الذهب، مع العِلم أن الولايات المتحدة تتصدَر القائمة فى المرتبة الأولى، بكمية 8133,5 طن، تأتى بعدها ألمانيا بـ 3369,7 طن، ثم إيطاليا بـ 2451,8 طن، وفرنسا فى المرتبة الرابعة بـ 2436 طنا، ولا يُستبعد أن تتقدَم روسيا على فرنسا، فى حال استمرَت فى شراء الذهب.
مدفوعات التجارة
يضيف الكاتب أن فكرة «فك الارتباط بالدولار»، جاءت على خلفية مُواصلة إدارة الرئيس الأميركى دونالد ترامب نَهج العقوبات، وتلويح الكونجرس بتشديدها، وازداد التركيز على هذه الفكرة بعد اتخاذ عقوبات ضد شخصيات روسية، تسبَبت لهم بخسائر تزيد على 16 مليار دولار فى يومٍ واحد؛ وبدأت الحكومة الروسية بوضْع خطة عمل للبدء بالتنفيذ. وفى مطلع أكتوبر الماضى، أَوضحت فى بيانٍ رسمى أن «الحديث لا يدور حول التخلى عن الدولار، ولكن الفريق المالى ــ الاقتصادى فى الحكومة، يدرس مسألة التخفيف من ارتباط اقتصادنا بالعملة الأميركية، بما فى ذلك توفير حوافز وآليات للتحول فى التجارة الخارجية نحو العملات الوطنية». وفى الوقت نفسه، أعلن وزير التنمية الاقتصادية مكسيم أوريشكين أن «هذه العملية انطلقت فى التبادُل التجارى مع الصين ودول أخرى»، مُشيرا إلى « نمو المدفوعات مع تلك الدول بالعملات الوطنية». وقد وقَعت روسيا مع الصين فى نوفمبر الماضى 10 اتفاقيات تجارية عكست رغبتها بتعزيز حضور مُنتجاتها فى السوق الصينية، وإلغاء قيود تجارية صينية بوجه المُنتجات الروسية، وتم الاتفاق معها على صيغة لاعتماد الروبل واليوان بين البلدَين، على أساس أن التعامُل بالعملات الوطنية سيُخفِف بشكل كبير من المَخاطر المتصلة بالعقوبات، وكذلك من ارتباط العلاقات التجارية بالدولار الأميركى.
وتسعى روسيا والصين للتعامل بعملتَيهما مع دُول تكتل «البريكس» الذى يضمهما مع ثلاث دول أخرى هى الهند، والبرازيل، وجنوب أفريقيا، وخصوصا أن لدى هذا التكتُل فرصة ليكون أقوى تكتل اقتصادى فى العالَم. ووفق بيانات البنك الدولى، بلغ حجم ناتجه الاقتصادى نحو 16.5 تريليون دولار. وبلغت احتياطاته من العملة المُشتركة نحو 4 تريليونات دولار، تحقَق نصفها فى السنوات الأخيرة؛ فضلا عن ذلك، يعمل البنك الآسيوى للاستثمار فى البنية الأساسية، بجانب بنك التنمية الجديد الذى أسَسته المجموعة فى العام 2014، كبديل واضِح ومُنافِس للبنك الدولى وصندوق النقد الدولى اللذَين تُهيمن عليهما الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.
البوابة السورية
أثبتت التجارب ووقائع التطورات السياسية منها، وحتى العسكرية، على مر التاريخ، ولعقود عدة خَلت، أن العلاقات الدولية تكون دائما مرهونة باستخدام «الاقتصاد» من أجل تحقيق أهداف «السياسة»، مهما كان نوعها وتوجهاتها. وعندما بدأت روسيا تدخلها العسكرى فى سوريا فى 30 سبتمبر 2015، كانت الاعتبارات السياسية محفزها الأساسى، أكثر من تلك الاقتصادية. ولكنْ مع ترسيخ موطئ قدمها تدريجا، وجدت أمامها فرصة كبيرة لتوسيع نفوذها. فالحرب السورية شكَلت لها بوابة العودة إلى الإقليم والعالَم لاستثمار هذا النفوذ الكبير والقوى لضمان مصالحها، وذلك تنفيذا لنصيحة القيصر بطرس الأكبر (وهو من أعظم القياصرة الروس) منذ نحو 400 عام. وتقول النصيحة إذا أرادت روسيا أن تبقى أمة قوية عظيمة، عليها أن تُحقِق ثلاثة شروط فى سياستها الخارجية: أولا، عليها أن تصل إلى المحيط الهادى، حتى لو اضطرت إلى الصراع مع الإمبراطورية الفارسية. ثانيا، عليها أن تصل إلى المياه الدافئة فى البحر المتوسط، حتى لو اضطرت إلى تقويض الإمبراطورية العثمانية. وثالثا، عليها أن تُقيم أفضل العلاقات والتحالُفات مع سوريا، نظرا لمَوقعها «الجيوستراتيجى» الذى يربط قارات آسيا، وأوروبا، وأفريقيا. لذلك تُعتبر سوريا أهم حليف استراتيجى لروسيا فى المنطقة، منذ أكثر من ستين عاما، وتُدير موسكو من خلالها جزءا مُهما من سياستها الخارجية فى الشرق الأوسط، وهى (أى سوريا) تمثِل قاعدة مهمة للمَصالح الاقتصادية والعسكرية الروسية.
إن حوض البحر المتوسط، هو بين المناطق «الأغنى» فى العالَم بالغاز، ومَن يملك سوريا، يملك الشرق الأوسط، وبوابة آسيا، ومفتاح بَيت روسيا (بحسب كاترين الثانية)، وأول طريق الحرير (بحسب استراتيجية الصين)، فهو يستطيع أن يتحكَم بالنظام الاقتصادى العالَمى. ومن هنا يُمكن مَعرفة الأسباب الحقيقية لتمسُك روسيا بوجودها فى سوريا، وهى مُستعدة لخوض حرب عالَمية من أجل استمرار نفوذها والحفاظ على مصالحها فى هذه المنطقة الحيوية. ووفق تقرير المؤسسة العربية لضمان الاستثمار، تصدَرت روسيا قائمة أهم المُستثمرين فى البلدان العربية بقيمة 32,8 مليار دولار فى العام 2017. وفى هذا المجال يُمكن قراءة السياسة الخارجية الروسية على أنها لا تقوم على المُواجَهة بقدر ما تطمح إلى أن تكون شريكا فاعلِا فى النظام السياسى والاقتصادى العالَمى الذى يجرى العمل حاليا على بلْورته وتشكله. لذلك فهى تركِز على اعتماد الصداقة فى علاقاتها مع دول المنطقة. ويُلاحَظ أن قاعدة علاقتها مع إيران، والتعاون العسكرى الثنائى، والنظرة التقاربية مع سوريا، والاستفادة من المُواجَهة الإيرانية ــ الأميركية، ومع تركيا، محورها الاقتصاد وخطوط أنابيب الغاز، والإشراف على مفاعلَين نوويَين تركيَين، وتنظيم الخلاف التركيــ الإيرانى حول سوريا. ومع السعودية، التنسيق فى مجال النفط وضبْط إنتاجه، ولاسيما أن البلدَين يتصدران قائمة الإنتاج العالَمى بمعدل 10 ملايين برميل يوميا لكل منهما. ومع إسرائيل، يشكِل الأمن القومى فضاء روسيا وهدفا فى تفاصيل علاقاتها معها. وهكذا تُحاول روسيا الاستفادة من مظلة الصداقة مع دول المنطقة، على الرغم من وجود تناقضات كثيرة، وخلافات سياسية ونزاعات أمنية وعسكرية بين هذه الدول.
وأخيرا يشير الكاتب إلى أهمية التنسيق القائم بين موسكو والرياض حول إنتاج النفط وأسعاره، والذى حصدت روسيا نتائجه بدخلٍ إضافيٍ على موازنتها قُدِر بنحو 30 مليار دولار فى العام 2018، يُضاف إليه مبلغ 5,3 مليار دولار نتيجة انخفاض سعر صرف الروبل، الأمر الذى حوَل هذه الموازنة من عجزٍ، كان مقدَرا فى بداية العام بنحو 23 مليار دولار، إلى فائض كبير يُعادل 2,1 فى المائة من الناتج المحلى الإجمالى. وما يزيد من إيجابية هذا الفائض، أنه تحقَق فى وقتٍ يعانى فيه الاقتصاد الروسى من ركودٍ شديد، اعترف به الرئيس بوتين نفسه، من جراء العقوبات، بسبب أزمة أوكرانيا.

النص الأصلى:من هنا

التعليقات