التحولات التركية.. الشعب فى صلب دينامية التغيير - مواقع عربية - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 10:57 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التحولات التركية.. الشعب فى صلب دينامية التغيير

نشر فى : السبت 13 أبريل 2024 - 5:55 م | آخر تحديث : السبت 13 أبريل 2024 - 5:55 م

 نشر موقع 180 مقالًا للكاتب محمد أبوطالب، ذكر فيه أهم العوامل التى تسهم فى إحداث تغيير اجتماعى -قوى ومتين- فى تركيا، هذا التغيير الذى يجسد نفسه فى العديد من المناسبات، وأهمها الانتخابات البلدية الأخيرة، التى فرض فيها الشعب رأيه، معلنا انتقاده لأداء وسياسات السلطة الحاكمة، بقيادة أردوغان.. نعرض من المقال ما يلى: تركيا بلد التحولات والتفاعلات والتناقضات والمفارقات. هى مزيجٌ من كلّ شىء، من الشّرق والغرب، من الإسلام والمسيحية، من الدين والعلمانية، من الديكتاتورية والديمقراطية، من حب فلسطين والتودد لإسرائيل.

انقضى قرن على قيام الجمهورية التى ثبت دعائمها مصطفى كمال. صحيح أن مصطفى كمال استطاع شقّ المسار العام لتلك الدولة، لكنه لم يحد بشكل مطلق عن روح السياسة العثمانية ومؤسساتها التى سبقته، بل بنى عليها، وصبغها بلون الجمهورية الجديدة.

من يظن بانقطاع كامل ما بين العثمانية والكمالية، على الأرجح لم يقرأ التاريخ، تمامًا كمن يعتقد بأن (الأردوغانية) تُمثّل انقطاعًا تامًا عن الكمالية. هناك سياقات وتراكمات تاريخية؛ الثابت فيها هو السعى للنهوض بتركيا إلى مصافى الدول القوية، أما المتغير فيتصل بالأدوات والوسائل والأولويات.. والوجوه طبعًا.

• • •

يتكلم هاينتس كرامر فى كتابه «تركيا المتغيّرة تبحث عن ثوب جديد» عن ثلاثة عوامل مترابطة ذات تأثير حاسم فى مسار عملية التغيير الاجتماعى: التنمية الاقتصادية أولا، الريادة السياسية ثانيًا، والتحديث الإيديولوجى ثالثًا.

فمنذ أواسط خمسينيات القرن الماضى، تمكنت تركيا مُعتمدة على سلسلة من الخطط التنموية الليبرالية والدولية ذات الدوافع السياسية، من أن تُصبح اقتصادًا صناعيًا متنوعًا، وفى سبيل ضمان استمرار نموّها الاقتصادى اضطرّت تركيا إلى بذل جهود جبّارة لزيادة وارداتها من الطاقة.

أما فى عقد الثمانينيات الماضية، أى فى عهد رئيس الوزراء تورغوت أوزال، ونتيجة لخطط اللبرلة الاقتصادية السائدة، حقّق الاقتصاد التّركى نجاحًا ملحوظًا على صعيد قدرته التنافسية على المستوى العالمى فى ميادين الإنشاءات والنسيج والملبوسات وتصنيع الأدوات المنزلية.

وقد استمر ازدهار الصادرات التركية فى التسعينيات، ثم جاءت الألفية الجديدة مع وصول حزب العدالة والتنمية ليشهد الاقتصاد التركى انفجارًا حقيقيًا بمعناه الإيجابى، وذلك بموازاة تجديد البنية التحتية للبلاد.

الهدف هنا هو القول بأن التحولات الاقتصادية كانت تترافق مع تحولات سياسية واجتماعية. هذا التحول الاقتصادى كان من الضرورى أن يرفده توسيع هامش الحريات والعملية السياسية الداخلية نتيجة انفتاح السوق العالمى على البلاد، وتطور وسائل النقل والاتصالات والخدمات، ومهما حاول الجيش ضبط إيقاع العملية السياسية، غير أن تبعات تدخلاته كانت ترتد سلبًا على سطوته وقوته. فقيادة الجيش، كما يشرح كرامر، لم تنجح قط فى إحداث تغيير جذرى فى النظام السياسى الذى أثبتت ديناميته الداخلية المتأصلة قدرة أسطوريّة على الثبات والاستمرار.

فبعد انقلاب عام 1960 ازداد الانقسام السياسى حدة، خاصة مع صعود تيار اليسار، ثم بعد انقلاب عام 1971 صعد التيار الإسلامى، أما بعد انقلاب عام 1980 فقد انفتحت البلاد بقوّة على الخارج بفعل التحول الليبرالى، ثم جاء انقلاب عام 1997 على الإسلام السياسى ليعود بزخم أكبر عام 2002، أمّا انقلاب عام 2016 فقد أدى إلى تحول جذرى على صعيد موازين القوى المحلية داخل النظام السياسى التركى.

• • •

حين أفضت لبرلة الاقتصاد التركى وتدويله فى الربع الأخير من العقد الماضى، إلى قدر أكبر من اللامساواة الاجتماعية، وإلى هجرة متنامية من الأرياف إلى أطراف المدن، كانت قوى الإسلام السياسى سبّاقة فى احتضان ورعاية الخاسرين فى عملية التحديث، وكان حزب الرّفاه هو الطرف الرّابح سياسيًا. ذلك أن الوافدين الجدد إلى المدينة من أهل الريف التركى، هم عادة أكثر التزامًا بالعادات والتقاليد التى يشكل الدّين أحد أهم أعمدتها، إضافة إلى أن تمركز الحضور العلمانى غالبًا ما يكون فى المدن، وإن لامس الأرياف فإنه يصل ضعيفًا. كما أن شعارات العدالة والنزاهة التى رفعها حزب الرفاه الإسلامى، مقابل الأحزاب التقليدية التى تآكلت سمعتها جرّاء الفساد حينها، دفعت الجمهور للتوجه نحو تجربة حزب جديد لم يكن قد تلطخ بمثالب السلطة بعد.

هناك عامل حاسم مهّد الطريق أمام صعود التيار الإسلامى وهيمنته بشكل تدريجى على المشهد السياسى فى تركيا، هو برنامج التربية والتعليم. فخلال فترة الستينيات، سعى أعضاء “حوزة إسكندر باشا” العائدة للطريقة النقشبندية، بزعامة شيخهم ميمت قوتقو، من أجل التسلل إلى وزارتى التعليم والداخلية.

كانت عملية ضم المنظمات الإسلامية إلى النظام السياسى فعّالةً عن طريق توحيد أحزاب يمين الوسط، والجماعات الإسلامية، وقيادة الجيش، فى الحرب ضد اليساريين والشيوعيين الذين كانوا يُعتبرون "خطرًا جديًا يُهدّد النظام الجمهوري" فى عقدى الستينيات والسبعينيات، وهو الأمر الذى أفضى مع بداية الثمانينيات إلى مرحلة جديدة فى عملية التفاعل بين سياسة الدولة الرسمية والإسلام، والتى يُطلق عليها كرامر عمليّة "أسلمة النزعة العلمانية".

فعملية "الأسلمة" الزّاحفة كانت قد تمّت فى ظل نجم الدين أربكان، حين اشترك حزب الخلاص القومى تحت قيادته فى حكومات الجبهة القومية الائتلافيّة بزعامة سليمان ديميريل خلال النصف الثانى من عقد السبعينيات، والذى بنتيجته تم تقسيم المؤسسات العامة وفقًا للأفضليات الحزبية، حيث استطاع حزب نجم الدين أربكان من خلال موظفين سبق أن غُرسوا فى مؤسسات النظام، من توجيه نظام التعليم فى تركيا نحو إيلاء المزيد من الاهتمام للدّين، وهو مسار بدأ مع توسيع التعليم الدينى منذ مطلع خمسينيات القرن الماضى وبلغ ذروته مع دستور عام 1982 الذى جعل تعليم الإسلام إلزاميا فى المدارس من الابتدائية إلى الثانوية. والملفت للانتباه خلال تلك الفترة، خاصة منذ أوائل عقد التسعينيات، أنّ فتح الله جولن وأتباعه أصبحوا أبرز الممثلين الإسلاميين للتركيبة التركيّة الإسلامية، وحققوا سمعة واسعة بوصفهم قوّة إسلاميّة معتدلة معارضة لحزب الرّفاه الأكثر أصالة ووضوحا.

• • •

كثر من لبنان والعرب شعروا بالخذلان العميق من موقف حزب العدالة والتنمية تجاه مظلومية الشعب الفلسطينى، خاصّة لجهة تناقض الخطاب الشعبوى مع المسار المادى والواقعى فى العلاقة مع الكيان الإسرائيلى.

لكن إعادة التفكير بالخطاب الرسمى والشعارات الشعبوية قد تمنح البعض أملًا فى المستقبل القادم، وهذا ما يمكن استشرافه ربّما من باب الإيجابيّة والتفاؤل. أحيانًا أنت ترفع شعارات كبيرة وعميقة، لكنّ سلوكك يكون تمامًا على النقيض منها، غير أن بناء أجيال جديدة ومتتالية تكبر على سماع هذه الخطابات سيحولها مع الزمن إلى مبادئ ثابتة وراسخة وقوية.

فمثلا، رفع أتاتورك شعار الحرية والديمقراطية وأحدث انقلابا جذريا فى فهم الفرد التركى لمكانته الذاتية وتحرره من المقدسات التى نشأ تاريخيًا عليها، على اعتباره تابعًا لسلطة السّلطان (مرّة جديدة، كان برنامج التربية والتعليم أساس هذا التحول)، مع كونه قد أصبح بعد فترة وجيزة جدًا من وصوله إلى رأس السلطة متفردا بالقيادة، وراح يتخلّص حتى من أقرب أصدقائه الذى خاضوا معركة التحرّر معه.

لكنّ الديناميات التى أطلقها أتاتورك فى المجتمع، سياسيا وثقافيا، تحولت مع مرور الزمن من مجرد شعارات جذابة رنانة إلى حقوق مقدسة لا يجوز المس بها.

ما يزيد هذه الفكرة مقبولية ومعقولية، هو وجود إرادة شعبية فاعلة ومؤثّرة فى تركيا، تُبرهن عن نفسها فى الكثير من المناسبات وأهمها الانتخابات، ولذلك يمكن التعويل على أهمية خلق جوٍ عامٍ معاد لسياسة الولايات المتحدة الأميركيّة الاستكبارية وربيبتها إسرائيل، على عكس بعض الأنظمة “اللاديموقراطيّة” والمتسلطة، التى استطاعت بطرفة عين، أن تقلب العداء الشكلى للصهاينة إلى تحالف وثيق! أحيانا تطلق فكرة أو تُنفذ عملا لهدف ما، لكن هذه الفكرة أو العمل، قد تبقى لفترة أطول بكثير من صاحبها إذا كانت قوية ومتينة، ثم تتأقلم مع دورها الجديد بمرور الزمن.

فكرة العداء لظلم الكيان الصهيونى قوية ومتينة، وسياسة السعى نحو الاستقلالية السياسية والعسكرية والاقتصادية ستعطى تركيا هامشا من الحرية أوسع، كما ستدفع نحو تحوّلات داخلية جديدة، تحديدًا كما حدث فى الانتخابات البلديّة الأخيرة، حيث أجبر الجمهور الحزب الحاكم على إعادة تقييم موقفه وأدائه من الحرب على غزّة، لذلك، فإن المتوقع هو أن يتغير أداء الدولة التركية مع القادم من الأيام، من الخطاب إلى الفعل، ولو أن التأخر على مدى ستة أشهر من حرب غزة كان مكلفًا جدًا لأردوغان وحزبه..

النص الأصلي: 

 

 

التعليقات