إنهم يرتعدون - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الأربعاء 1 مايو 2024 11:45 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إنهم يرتعدون

نشر فى : الأحد 13 يونيو 2010 - 10:52 ص | آخر تحديث : الأحد 13 يونيو 2010 - 10:52 ص

 كانت هذه القصة مفاجأة لى عندما استمعت إليها من زوج بطلتها. فلم أكن أعرف أن سادة العالم وحكامه يفعلون مع بعضهم البعض كما يفعلون مع أبناء دولنا الغلبانة. كنت أعرف عشرات القصص لممارسات شديدة الفظاظة مارسها الأمن الأمريكى مع مصريين وعرب أثناء وصولهم إلى مطارات الولايات المتحدة ولم أكن أتصور أن مثل هذا يمكن أن يحدث مع بريطانيا.

كانت المفاجأة أنها لم تكن فقط إنجليزية وإنما موظفة كبيرة تعمل فى المؤسسة الحكومية البريطانية «تيت جاليرى» Tate Gallery وهى إحدى أكبر المؤسسات الثقافية فى العالم.

كما أنها ليست شابة هوجاء وإنما امرأة تبلغ من العمر الخمسين، وهى ليست سوداء البشرة حتى يذهب تفكيرى فى اتجاه الممارسات الأمريكية العنصرية وإنما بيضاء ذات أصول إنجليزية قحة، أى بعرف أحمر كما كنا نطلق عليهم أيام الاحتلال. وهى ليست امرأة جاهلة بل تجلس فى راحة على أريكة الثقافة البريطانية المتسعة، تعمل فى الفن التشكيلى طوال حياتها وزوجها شاعر إنجليزى كبير.

سافرت إلى الولايات المتحدة فى عصر بوش الابن لحضور اجتماع عمل تابع لمؤسسة «تيت جاليرى» فى لوس أنجلوس لمدة أربعة أيام. وعند وصولها إلى مطار لوس أنجلوس اكتشفوا أن جواز سفرها انتهى منذ شهرين. اقتادوها إلى غرفة صغيرة وقاموا باستجوابها لمدة أربع ساعات، ثم أخذوا منها هاتفها المحمول وأشياءها الصغيرة وبدأت القصة.

نتيجة لفارق التوقيت لم يعرف زوجها بما يحدث لزوجته إلا فى اليوم التالى. اتصل بها فلم ترد. اتصل بالفندق وجاء الجواب أنها لم تصل. اتصل بالشركة فى الولايات المتحدة ولكن لم تكن لديهم أى معلومات عنها. اتصل بالمطار وبعد محاولات عدة عرف أنه تم القبض عليها واقتيادها إلى سجن.

وأعطوا له اسم السجن. والسجن هناك لمن لا يعرف من القراء هو سجن خاص. شركة خاصة يمتلكها أفراد تدير سجنا. المهم أنه اتصل بالسجن فقالوا له إنها انتقلت إلى سجن آخر أو إلى شركة خصوصا أخرى تدير سجنا آخر ولكنهم لا يعرفون اسم هذا السجن. وهنا انقطع الخيط الرفيع وظل أيام يبحث عن زوجته حتى عرف اسم السجن الذى تقطن فى إحدى زنازينه. وبعد عشرة أيام تم ترحيلها إلى إنجلترا.

حاولت فى سجنها الأول أن تشرح لهم أنها بكل بساطة لم تلاحظ أن جواز سفرها قد انتهى، بينما كانوا يردون بسيل من الأسئلة عن تفاصيل حياتها وأفكارها منذ ولدتها أمها وحتى هبوط طائرتها فى مطار لوس أنجلوس. وبعد الاستجواب الطويل قاموا بترحيلها إلى السجن الآخر. وهناك تعاملوا معها من اللحظة الأولى باعتبارها مجرمة.

قاموا معها بجميع الإجراءات الاعتيادية لدخول السجن. قاموا بتصويرها من جوانب وجهها الثلاثة. ثم خلعوا ملابسها بالكامل وطلبوا أن تلقى بها خلف خط أصفر مرسوم على الأرض، وقفت كما حواء وبدأوا يفتشون فى جسدها. ثم ألبسوها ملابس السجن البرتقالية ووضعوا فى معصمها سوارا بلاستيكيا يحمل صورتها واسمها. طلبت أن يعيدوا إليها ساعتها ومصاغها ولكنهم رفضوا بحدة ووقاحة. أدخلوها زنزانة بلا نوافذ، لا يوجد بها أى مصدر لإضاءة طبيعية. نيون فى السقف يفرش فى الهواء لونا مزرقا مضاء ليل نهار مما يجعل من المستحيل معرفة التوقيت.

وبالطبع لا توجد ساعة أو نتيجة معلقة على أى حائط. قاموا بإلغاء الزمن. كان معها فى الزنزانة هندية فى الخامسة والعشرين من العمر، جاءت هى الأخرى فى مهمة عمل ولم تفهم المسكينة سبب القبض عليها ولكنها رجحت أنه تشابه فى الأسماء. وكان معها عدد كبير من الصينيات اللاتى كن يلعبن لعبة البينج بونج على أرضية الزنزانة. كانت المعاملة معها ومع الجميع فظة وكأنها مجرمة حرب.

وفجأة وبدون مقدمات أخرجوها من السجن فى سيارة مصفحة توجهت من فورها إلى المطار ومن هناك تم الإلقاء بها على طائرة متوجهة إلى لندن. بعد أن نامت لمدة أسبوع فى فراشها واطمأنت أنها فى مأمن كان تعليقها الوحيد أن هؤلاء الأمريكان خائفون. مما هم يرتعدون؟ لا تعرف. ولكنهم يرتعدون. فالفزع لا يفرق بين أبيض وأسود.

بين بريطانية وبين مصرى. كما لو أن تاريخهم الأسود بدءا من إبادة الهنود الحمر ثم الممارسات البشعة ضد العبيد ثم مجازر العصر الكولونيالى الأمريكى فى العالم بعد الحرب العالمية الثانية قد أطلقت أشباح ضحاياهم من القبور، يصرخون فى آذانهم حتى أصبحوا غير قادرين على النوم.

حالة هوس رعب يتم تغطيتها بمزيد من العنف داخل الولايات المتحدة وفى العراق وفى مناطق أخرى من العالم. فأمريكا هذا العملاق المرعب الشرس يرتعد خوفا. فهم فى الحقيقة ضعفاء. هؤلاء الأباطرة يخافون وإلا ما مارسوا كل هذا العنف. وعندما استمعت إلى هذه القصة فكرت أن الحال واحد فلو كان من يحكموننا أقوياء ما احتاجوا إلى تزوير للانتخابات ولا لقانون طوارئ. نعم فسادة العالم الجدد وأتباعهم من حكام عالمنا يرتعدون ويجب علينا أن نعرف مكمن قوتنا التى بسببها ترتعد فرائصهم.

خالد الخميسي  كاتب مصري