مبادرة الأزهر - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 1:53 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مبادرة الأزهر

نشر فى : السبت 14 يناير 2012 - 9:15 ص | آخر تحديث : السبت 14 يناير 2012 - 9:15 ص

من بين عديد من الوثائق والمبادرات التى صدرت بعد الثورة، تأتى وثيقة الحريات الأساسية التى أعلنها الأزهر أخيرا، بمشاركة عدد من العلماء والمثقفين وبرعاية الإمام الأكبر.. لتطرح جملة من المبادئ والضوابط الحاكمة لهذه الحريات، ولكى تكون أساسا للدستور الجديد. فى وقت تحتدم فيه الرؤى والآراء حول القواعد الحاكمة للدستور. وتدخل الساحة أفكار ودعوات من جماعات تنتمى إلى التيار الإسلامى، تمس حرية العقيدة. مما يعتبر تدخلا فى الحريات والتفتيش فى الضمائر واتهام المخالفين فى الرأى بالكفر أو الخروج عن الدين. وقد ظهرت هذه الاتجاهات بعد أن سيطرت أغلبية إسلامية على مقاعد مجلس الشعب.

 

تأتى هذه الوثيقة فى الوقت المناسب، لتقف فى وجه الدعوات المغرضة التى تتذرع بحجة الدعوة إلى المعروف والنهى عن المنكر، وفى وقت تحتاج فيه البلاد إلى وحدة الكلمة والفهم الوسطى لصحيح الدين. وذلك من منطلق الإيمان بأن شعوب مصر والدول العربية، باتت تتطلع ــ مع ثورات التحرير التى أطلقت الحريات ــ إلى علماء الأمة ومفكريها، لتحديد العلاقة بين المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية السمحاء، ومنظومة الحريات التى أجمعت عليها المواثيق الدولية.

 

ارتكزت الوثيقة على فهم عميق واسع لمعنى الحريات، بما فيها حرية العقيدة والرأى والتعبير والبحث العلمى والإبداع الأدبى. وربطت ربطا وثيقا بين حرية العقيدة وحقوق المواطنة للجميع، على أساس المساواة فى الحقوق والواجبات، باعتبارها حجر الزاوية فى المجتمع الحديث.

 

ويترتب على ذلك تجريم أى مظهر للإكراه فى الدين، أو الاضطهاد والتمييز بسببه. فلكل فرد أن يعتنق من الأفكار ما يشاء دون مساس بحق المجتمع فى الحفاظ على الأديان السماوية. وهى نظرة ليبرالية تسبق كثيرا من المبادئ التى تطبقها دول الغرب. وتؤكد حرية الفرد الكاملة فى إقامة شعائرها دون إخلال بالنظام العام. وهذا هو الأساس الذى قامت عليه مشروعية التعددية وحق الاختلاف والمساواة بين المواطنين على أساس تكافؤ الفرص فى الحقوق والواجبات. ويلزم عن ذلك رفض نزاعات الاقصاء والتكفير. ورفض الاتجاهات التى تدين عقائد الآخرين ومحاولة التفتيش فى ضمائرهم.

 

ومن أقوى العبارات التى جاءت فى الوثيقة، اعتبار حرية التعبير والرأى أم الحريات. وفى ذلك أبلغ رد على محاولات تقييد حرية الصحافة والحصول على المعلومات. أو وضع عوائق أمام التعبير الحر بمختلف وسائل الإنتاج الفنى والتواصل الرقمى. وهى مظهر الحريات الاجتماعية التى تشمل الأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى. على أنه ليس من حق أحد أن يثير الفتن الطائفية والنعرات المذهبية باسم حرية التعبير. فحرية التعبير هى المظهر الحقيقى للديمقراطية. ولابد من تنشئة الأجيال الجديدة على ثقافة الحرية.

 

ومن أكثر ما يلفت النظر اهتمام بيان الأزهر بالبحث العلمى فى العلوم الإنسانية والطبيعية والرياضية. اعترافا بأنه قاطرة التقدم البشرى. وبشرط أن تمتلك مؤسسة البحث العلمى حرية أكاديمية فى إجراء التجارب. أما حرية الإبداع فقد دعا البيان إلى الاهتمام بها فى مختلف فروع الدراما والسينما والفنون التشكيلية والإبداع الأدبى.

 

وقد كان طبيعيا أن تسفر هذه الوثيقة عن «بيان وطنى للأمة» توافق عليه الإمام الأكبر والبابا شنودة ورئيس مجلس الوزراء ومرشد الإخوان المسلمين وعدد كبير من مرشحى الرياسة ورؤساء الأحزاب والقوى الثورية.. يدعو إلى استكمال أهداف الثورة، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، وسرعة المحاكمات، واستكمال علاج المصابين، ومنع المحاكمات العسكرية. وكلها مطالب ترددت فى مظاهرات ومليونيات ميدان التحرير. وهى خطوة إلى الأمام فى سبيل لم الشمل وتحقيق الاجماع الوطنى.

 

فى اعتقادى أن الوثيقة والبيان قد حسما أوجه الخلاف، وحددا طبيعة الأولويات التى ينبغى التمسك بها. وقطع الطريق على الذين يعبثون بكتابة الدستور ليعيدوا عجلة الثورة إلى الوراء.. فلم تعد هناك حجة لهؤلاء الذين يثيرون من التشويش واللجج أكثر مما يطرحون من أفكار ومبادئ!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات