عيد بلا ثلج - منى أبو النصر - بوابة الشروق
الأربعاء 17 أبريل 2024 1:57 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عيد بلا ثلج

نشر فى : الإثنين 14 يناير 2019 - 8:55 م | آخر تحديث : الإثنين 14 يناير 2019 - 8:55 م

كثيرا ما تُفسد الأسئلة اللحظة النادرة، تضطرك مثلا أن تنفض ترنيمة تعلق في أذنك في هذا الوقت من العام "تلج تلج شتّي خير وحب وتلج"، تترك فيروز ومشهد الثلج الذي يرتبط لديك بأحلام العام الجديد، وأنت تتأمل من يؤرقهم حولك السؤال: لماذا يرتبط الثلج بعيد الميلاد، والعام الجديد؟ لماذا وهو لا يسقط أصلا في هذا الوقت؟

بالنسبة لنا، فالثلج لا يسقط في هذا الوقت ولا غيره، نألفه ربما عبر سُحب الأغنيات، والسحر العابر إلينا من بلاد الثلج، ولكن في بريطانيا مثلا، بات يؤرقهم سؤال يتزامن مع هذه الفترة من العام منذ سنوات، حول تلك الصورة الذهنية الخاطئة التي تربط بين عيد الميلاد وسقوط الثلج، وبريطانيا لم تعهد سقوط الثلج قبل سنوات طويلة جدا في ديسمبر من الأساس، من هو السبب في هذا الترسيخ الخاطئ؟

آخر تلك "المُحاكمات"، كانت عبر موقع BBC Future بالتزامن مع أعياد هذا العام، الذي قاد بحثا حول جذور تلك الصورة الذهنية، وجاء عنوان قصتها حاسما للشخص المُتسبب في ذلك، فتساءلت "كيف جعل ديكينز العيد أبيض؟" وديكنز المقصود هو العملاق "تشارلز ديكينز".تستهل القصة بصورة مشهدية لطفل يهرع لنافذة غرفته في صباح يوم العيد، الخامس والعشرين من ديسمبر، آملاً في أن يجد في انتظاره عالماً يكسوه لون الثلج، لكن بمجرد أن يزيح الستائر، تتجدد خيبته بمجئ كريسماس جديد بلا ثلج.

تتساءل القصة إذا كان هذا الطفل كالآلاف في بريطانيا عبر السنين الذين مرّ عليهم الكريسماس بلا ثلج، إذا فمن أين أتت الصورة الذهنية الراسخة للعيد؟ ولما تحمل البطاقات البريدية صورا للمملكة المتحدة وهي مُرصعة بالثلوج في عيد الميلاد؟ ففي بريطانيا لا تسقط الثلوج عادة في ديسمبر، وإنما تبدأ في الفترة من يناير إلى مارس منذ سنوات، تتساءل: لماذا لا نزال نرسم في أذهاننا صورة "عيد الميلاد الأبيض" طالما لم يكن ذلك متحققاً في بريطانيا لفترة من الزمن؟
تشير القصة بإصبع الاتهام الرئيسي في ذلك لـ"تشارلز ديكينز" وتحديدا قصصه القصيرة وروايته القصيرة "أنشودة عيد الميلاد"، التي كتبها عام 1843، وحفلت بلوحات تصوّر الحياة وقد توجتها الثلوج خلال عطلة عيد الميلاد، ومعها الألق والكمال.

ليست هي المرة الأولى التي يُشار فيها بإصبع الاتهام لديكينز، ففي عام 2011، وفي خضم الاحتقال باقتراب 200 عام على ميلاد ديكينز آنذاك، نشرت دورية بريطانية تقريرا حول أبرز ما ترك ديكينز للعالم الحديث بخلاف كنوز الأعمال الأدبية، وكان "الكريسماس الأبيض" على رأس تلك الموروثات، وذهب عندها عدد من المعلقين إلى أن ديكينز هو الرجل الذي "اخترع" عيد الميلاد، ليس بالطبع بمرادفه الديني، ولكن من ناحية المظاهر الثقافية الشعبية التي باتت تحيط به.
ورجح عندها الكاتب الانجليزي الشهير جي. كي. تشيسترتون أن العظيم تشارلز ديكينز استطاع عبر أدبه نقل رومانسيات عيد الميلاد إلى جميع أنحاء العالم.
نقل تقرير "بي بي سي فيوتشر"، الذي احتفى به كذلك الموقع العربي، كلمة لعالم الأنثروبولوجيا بريان فيغَن في كتابه "العصر الجليدي المُصغر" يقول فيه إن ديكنز "نشأ خلال العقد الأكثر برودة في إنجلترا، منذ العقد الأخير من الـ17، وبها كان الطقس بالفعل قارس البرودة في بواكير حياة ديكنز، إلى حد أن مياه نهر التايمز تجمدت تماما في فبراير من عام 1814، وهي السنة التي احتفلت فيها لندن بآخر كرنفال لـ "التايمز المتجمد"، ما جعل التقرير ينحاز إلى أن ديكينز إذا لم يُسهب في الكتابة عن سقوط الثلج في موسم العيد من فيض خياله، وإنما لا بد أنه تجربة "الكريسماس" بالنسبة له كطفل وُلِدَ عام 1812، كان تجربةً شديدة البرودة، ومُرتبطة بسقوط الثلج، لذا فعندما عكف على كتابة "أنشودة عيد الميلاد" كان آنذاك يحتشد بذكريات فترة عيد الميلاد في طفولته.

التقرير ترك في غُمرة بحثه الجاد، سؤالا لا يبحث عن إجابة بقدر ما يتسع للتأمل وهو: كيف يتأتى لكتابات رجلٍ واحد أن تُغير فهمنا الجماعي لظاهرة مُناخية؟

منى أبو النصر صحفية مصرية
التعليقات