ساندويتش وتذكرة وأنبوبة - أميمة كمال - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 8:42 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ساندويتش وتذكرة وأنبوبة

نشر فى : الأحد 14 فبراير 2010 - 9:32 ص | آخر تحديث : الأحد 14 فبراير 2010 - 9:32 ص

يبدو أن الدائرة ستظل كما هى. عائشة عبدالهادى وزيرة القوى العاملة تصر على أن يستعين أصحاب مصانع النسيج والملابس الجاهزة بعمالة من إندونيسيا، بدلا من بنجلاديش. وتعقد لقاء بعد الآخر مع ممثلين من رجال الأعمال، لتخرج بعدها بتصريحات حول أهمية الاستعانة بالعمالة المصرية. وعلى الجانب الآخر يحضر أصحاب المصانع هذه اللقاءات مع الوزيرة ليخرجوا على الفور بتصريحات يتهمونها بالتعنت والتدخل فى حريتهم. فإذا كان العامل البنجلاديشى يكلفهم أقل فى أجره ومسكنه، فلماذا يستعينون بالأندونيسى الأغلى؟

ويتكرر المشهد.. لقاءات وتصريحات دون ملل، ودون أن يحاول أى طرف من الطرفين البحث عن السبب الحقيقى لإحجام العمال المصريين عن العمل فى المصانع، فى ظل معدل للبطالة يتجاوز 9% سنويا.

ممثلو أصحاب المصانع، فى ندوة عقدها المركز المصرى للدراسات الاقتصادية يوم الخميس الماضى، اتهموا العمالة المصرية بانخفاض إنتاجيتها مقارنة بالعمالة الآسيوية. وقالوا إن العامل البنجلاديشى ينتج قطعة الملابس فى نصف الوقت الذى ينتجها فيه المصرى. ولكن إذا عرفنا أن البنجلاديشى يحصل على أجر يتراوح ما بين 1000 و1200 جنيه فى الشهر لبطل العجب. لأن السبب هو أن الأجر المعروض على العامل المصرى والذى يبلغ فى أقصاه 700 أو حتى 800 جنيه بدون تأمينات، ولا معاشات، ومع إجباره على التوقيع على استمارة (6) التى تجعله فى الشارع، عندما يرى صاحب العمل مصلحة له فى ذلك، لا تجعله مقبلا على العمل.

أما إذا حسبنا تكلفة المواصلات، وساندويتشات الفول والطعمية التى عليه أن يأخذها معه، لأنه يقضى فى العمل ما لا يقل عن 9 ساعات، تمنعه من أن يعمل فى عمل آخر يزيد من دخله، لعرفنا على الفور أن ما يتبقى له من مرتبه لا يكفى لإعاشة أسرته، أو اكتفائهم ذاتيا من أنابيب البوتاجاز، ناهيك عن تعليم أولاده أو علاجهم. خاصة أن معظم ــ إن لم يكن كل ــ مصانع القطاع الخاص لا تسمح بأى وجود للجان نقابية داخلها، وهو ما يعنى استقواء صاحب العمل وانفراده بتحديد كل ظروف العمل، دون أى صوت للدفاع عن الطرف الأضعف فى المعادلة.

والحقيقة لا أعرف لماذا يتعجب رجال الأعمال عندما يهجر العمال المصانع، ويسارع عدد كبير منهم للعمل كسائقى توك توك ليحصلوا على 50 جنيها فى اليوم. فهذا يعنى أنه هو الحد الأدنى المقبول لمستوى الدخل الذى يرتضيه العامل، بعد أن وصل سعر أنبوبة البوتاجاز إلى 50 جنيها، وساندويتش الفول والطعمية إلى جنيه ونصف الجنيه، وتذكرة مترو الأنفاق إلى جنيه، ورسوم النظافة إلى ستة جنيهات.

والحقيقة لاأعرف إذا كان ما كنت أطالعه منذ أيام فى (الكتاب الإحصائى السنوى لجهاز التعبئة والإحصاء) فيه ما يقنع رجال الأعمال بأن العيب ليس فى العمال، أم لعلهم يكذبونه.

تقول إحصاءات الجهاز إن متوسط أجور العاملين الأسبوعية فى مجال الصناعة يزيد فى القطاع العام على الخاص بمقدار 112 جنيها فى عام 2007. ليس هذا فقط ولكن هذه الأجور زادت فى القطاع العام بمقدار 124 جنيها فى الأسبوع خلال الخمس سنوات السابقة. بينما هذه الزيادة لم تتعد 62 جنيها فى القطاع الخاص خلال نفس السنوات.

وإذا كانت أرقام جهاز الإحصاء لا تروق لرجال الأعمال، فلنأخذ أرقاما أخرى من وزارة صديقة لهم لا يستطيعون إطلاقا أن يشككوا فى صداقاتها أو صدق نواياها.

ففى تقرير دورى كانت تعده وزارة التجارة والصناعة بشكل ربع سنوى، ثم عدلت عنه (دون إبداء أسباب)، وجدت فيه كثيرا من الإجابات لمن يريد بحق الوصول إلى حقيقة هذه الظاهرة دون الالتفاف حولها.

الوزارة تقول إنه عندما ارتفع متوسط الأجر السنوى للعامل فى الصناعة ارتفاعا طفيفا مقداره أربعة جنيهات ونصف الجنيه فى الشهر خلال 4 سنوات من عام 2000 إلى 2004 أى بنسبة 3% خلال السنوات الأربع، ارتفعت إنتاجية العامل بمقدار 7500 جنيه فى السنة، وهو ما يعنى زيادة فى الإنتاجية قدرها 22% خلال نفس الفترة. أيكفى دليلا أكثر من ذلك؟ 3% ارتفاعا فى أجر العامل خلال 4 سنوات كان كافيا لرفع إنتاجيته بنسبة 22% خلال نفس الفترة.

يبدو أن الوزارة كانت على حق عندما أوقفت هذا التقرير. لأنه يكشف كثيرا من الحقائق حول أحوال الصناعة والصناع، ويفتح مجالا للبحث والتدقيق فيما يطلقه البعض على عواهنه. مما قد يحتاج معه من المسئولين بعض المحاسبة أوالمساءلة عما يحدث من الصناع فى حق الصناعة.

فلتوقف الوزارة مثل هذه التقارير كما شاءت، ولكن بشرط أن تعد العمال بساندويتش فول أو طعمية، وأنبوبة بوتاجاز، وثمن تذكرة المترو، وساعات عمل أقل تسمح لهم بالعمل بعد الظهر على التوك توك لإكمال مصاريف تعليم الأولاد، وعلاجهم. وبلاش مصاريف زواجهم، لأن هذا يصبح دلعا عماليا لا تحتمله ظروف الصناع.  

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات