أبو طارق تعيش انت - داليا شمس - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 8:45 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أبو طارق تعيش انت

نشر فى : الأحد 14 يوليه 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 14 يوليه 2013 - 8:00 ص

فى محاولة للهروب من الأحداث ومن تكرار بعض المشاهد السياسية التى تدل على خواء مريع، عكفت حوالى الساعة على قراءة مجموعة قصصية صدرت عن دار «دون» للنشر فى شهر إبريل الماضى وصارت فى طبعتها الثانية، وهى بعنوان «نقل عام»، وما شجعنى على الاختيار كون كاتبها ــ على هشام ــ لا يحمل بطاقة شخصية بعد، فهو فى السادسة عشرة من عمره.. أردت شيئا من الطزاجة وذهبت أبحث عنها لدى جيل أعلم أنه مختلف، فوجدت الكاتب الصغير الذى يقيم بمحافظة الشرقية ويمت بصلة قرابة للشاعر والمبدع صلاح جاهين يحكى قصة أب وابنه.. مشهد متكرر: كل يوم فى السابعة صباحا يقف الوالد فى النافذة وهو يحتسى شايا وسيجارة ليُذكر الابن بضرورة «انزال سنادات العجلة»، يجادل الأخير قليلا ثم ينفذ الأوامر، حتى جاء اليوم الذى مات فيه الأب فجأة ونُصب صوانا ضخما للعزاء. ردد الجيران: «البقاء لله.. أبوطارق تعيش إنت»، ولم يعد طارق يركب دراجته أبدا.

 

انتهت القصة التى كانت بالنسبة لى إعلانا عن نهاية النظام الأبوى ــ البطريركى من قِبل جيل يرفض ما ارتبط بهذا الأخير من تنظيم اجتماعى واقتصادى تقليدى، ومن قابلية على الاستمرار ومقاومة للتغيير، ومن محافظة على العصبيات والأعراف القديمة، ومن محاصرة لشخصية الفرد وثقافته، ومن تهميش للمرأة. بعبارة أخرى «طارق» سيعتمد على نفسه و يبدأ حياته دون «سنادات» أو على الأقل سيحاول حتى لو لم تكلل تجاربه بالنجاح، فالمهم أن يخطو خطاه، كما يقول الكاتب هو وزملاء آخرون على موقع «الباش مدون»، مستشهدين بأغنية لحمزة نمرة: «كتر الخطاوى تدلنا على حلمنا». 

 

القصص المنشورة ليست قصصا قصيرة بالمعنى التقليدى، بل أشبه بالتدوينات المبتكرة أو اللقطات السريعة المليئة بالسخرية والحس الفكاهى، كتبت بين عامى 2010 و2013، لأن على هشام كان قد نشر بعض المقالات والقصص فى صحيفة «الدستور»، وشجعه البعض على تجميع ما كتبه وطبعه بين ضفتى كتاب، فأصبح أصغر كاتب فى مصر كما كان أصغر مدون أيضا، إذ أنشأ مدونته «كباية» (kobbaya.com) وهو فى العاشرة، وأطلق عليها هذا الاسم عندما لفت انتباهه كلام المسئولين عن أهمية «النظر لنصف الكوب المليان»!، كما كان على هشام ضمن المجموعة المؤسسة لصفحة «ثورة معهاش بطاقة» على فيس بوك التى اهتمت بنشر أعمال إبداعية عن الثورة، وضمت أعضاء دون السابعة عشرة من العمر.

 

●●●

 

حافلة «النقل العام» تشبه مصر إلى حد كبير، فهى تصغير لهذا المجتمع الذى يتسع للجميع ويكون أحيانا أضيق من «خرم الإبرة»، إذ يجد راكب الأتوبيس نفسه محشورا بين الباب وخلفية سيدة فاضلة، كلما استأذنها فى إتاحة السكة له، قالت: «ما تتفضل يا أستاذ. واسعة اهيى، الله!».. داخل الحافلة أيضا يرتفع صوت المغنى تامر حسنى، نجم الشباب، وتأتينا من الخلف «أسماء الله الحسنى» بواسطة سماعات خربة لأحد الهواتف، أما فى الوسط فيجلس شخص يسمع أغانى الراب الأجنبية، ولا يفهم منها شيئا.. يطل علينا كذلك من خلال الكتاب، سائق التاكسى الهادئ، المهذب، الذى يردد هامسا كلمات الآذان، ثم يصرخ حينها فى وجه سائق آخر قد تجاوز حدوده: «يا ابن.. هو الشارع بتاع أهلك، تلاقى أمك اللى جايبهالك يا ابن..». أما فى منتصف الليل يوم رأس السنة، لحظة إطفاء الأنوار، يصيح آخرون على طريقة حكاية وراء كل باب: «أنا هجيب منين يعنى؟.. انتى طالق بالتلاتة.. حد قالك ماتجيش تقرا العداد.. الله يخرب بيوتكم زى ما خربتم بيوتنا».. تتداعى هكذا هموم شعب لم يعد يصدق ما يأتى فى الصحف، بخلاف صفحة الوفيات، «الوحيدة المتأكد من صحة أخبارها مائة بالمائة».

 

●●●

 

أهرب من أخبار الموت والقتل والاشتباكات على شاشات التليفزيون وفى الشوارع، فيلخص على هشام المسارات فى «قصة حياة» كالآتى: «التحق بمدرسة.. تخرج من المدرسة.. التحق بكلية.. تخرج من الكلية.. تزوج.. أنجب.. هرم ثم مات. الله يرحمه». وهناك من يسلك طريقا مختصرا: «التحق بالمدرسة.. لم يتخرج منها.. فقد قتلته رصاصة قناص.. ثم نسى.. كأن لم يكن». يحكى قصص من ماتوا وتحولوا لجرافيتى مرسوم على جدران التحرير، سيمحى بمرور الزمن، وكأن الموت أصبح الضيف الثقيل الذى لا يفارقنا هذه الأيام.

التعليقات