وماذا عن غزة؟ - إبراهيم الهضيبى - بوابة الشروق
الأحد 16 يونيو 2024 3:28 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وماذا عن غزة؟

نشر فى : الجمعة 14 سبتمبر 2012 - 8:05 ص | آخر تحديث : الجمعة 14 سبتمبر 2012 - 8:05 ص

تحدث الرئيس ــ خلال زيارته لإيران ــ بكلام أثلج الصدور عندما تناول الشأن السورى، تزامن مع خروج مظاهرات غاضبة أمام السفارة السورية بالقاهرة، فتصدر الحديث عن الموقف المصرى من الثورة السورية صفحات الجرائد، فيما توارى الحديث عن غزة حتى اختفى، رغم تعرضها للقصف المستمر الذى يخلف شهداء يوميا، وتهديد وزير الحرب الإسرائيلى باقتحامها.

 

●●●

 

الدعم الكامل للثورة السورية موقف أخلاقى لا يقبل التفاوض أو المزايدة، ولا يستطيع غيره من رأى سلاح بشار وحلفائه الإقليميين يتوجه صوب الشعب بدلا من قيل إن التحالف يستهدفهم، فقتل السلاح السورى فى سنة واحدة من العرب أكثر مما قتل السلاح الإسرائيلى فى عقود، ولم يعد حديث النظام السورى عن دوره فى «محور الممانعة» يقنع أولى الألباب، بل صار ومن يدعمه عبئا على المقاومة، وسبة فى جبينها بحديثه الدائم عنها.

 

ودعم الثورة لا يعنى بالضرورة (بل لا يعنى على الإطلاق) دعم «قياداتها» المزعومة، لا سيما قيادات الخارج، التى تتحدث باسمها فى كل منبر، وتقضى أيامها ولياليها فى فنادق الخمس نجوم بعواصم العالم المختلفة، متحدثة باسم من لا يعرف العالم أسماءهم، ويكتفى بمشاهدة جثثهم، وربط الموقف من الثورة بتلك القيادات تهرب من المسئولية الأخلاقية بدعم الثوار، وتجاهل لحقيقة أن الواقع يغيره المناضلون على الأرض، وأن الثورة ــ بالتعريف ــ انقلاب على موازين القوى القائمة، فلا يصح التذرع فى عدم دعمها بأنها تضرب توازن القوى الإقليمى على نحو يقلل من فرص نجاحها.

 

غير أن هذا الاهتمام بالثورة السورية لا ينبغى أن يقتطع من مساحة الاهتمام بالقضية الأم فى المنطقة، وهى القضية الفلسطينية، والتى أشار إليها الرئيس غير مرة فى كلمته فى إيران، غير أن جل تركيزه انصب على سوريا دونها، رغم أن قطاع غزة يتعرض منذ ما يزيد على أسبوع لقصف يومى يخلف فى كل مرة عددا من الشهداء والجرحى، ورغم أن وزير الحرب الإسرائيلى هدد بشن حرب جديدة عليها، فيما لا يزال أهالى القطاع يعانون ظروفا صعبة فى ظل الحصار المفروض عليهم منذ سنوات، وقد استجابت جل حركات المقاومة فى القطاع لمطالب الهدنة للتخفيف عن الأهالى، غير أن إسرائيل لم تخفف قبضتها، ولم تسمح برفع الحصار.

 

وهذه الأحداث لم تنتج ردود أفعال من الجانب المصرى، سواء على المستوى الشعبى أو الرسمى، فلم تخرج مظاهرات داعمة لغزة، فى ظل انشغال النخبة السياسية بصراعاتها البينية عن قضايا الأمن القومى والمسئوليات الإقليمية لمصر، وفى ظل التجاهل الإعلامى لما يحدث فى القطاع، ولم تتخذ القيادة السياسية أى موقف يتعلق بالتخفيف عن أهالى القطاع المحاصرين، سواء بفتح المعابر أو إمرار المعونات، ولا أى موقف يتعلق بالعلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، لا بطرد السفير الإسرائيلى واستدعاء السفير المصرى للتشاور، ولا حتى باستدعاء السفير الإسرائيلى وإبلاغه باحتجاج مصر على ما يجرى، وبعضها مواقف سياسية اتخذها حتى نظام مبارك أحيانا.

 

●●●

 

التفاوت فى الموقف المصرى إزاء سوريا وفلسطين له أسباب، منها أن الموقف الأخلاقى من الثورة السورية كلفته السياسية منخفضة لأنه ــ بالصدفة هذه المرة ــ لا يتناقض مع مواقف القوى الرئيسة المرتبطة بعلاقات مع مصر، والمتمثلة فى المحور الأمريكى ــ السعودى ــ الإسرائيلى، ومنها أنه موقف «كلامى» لا تترتب عليه مواقف عملية على الأرض، وأن ثمة مسافة تفصله عن مصر، بحيث إنها لا تتحمل بشكل مباشر مترتبات الأحداث الجارية هناك، ولا تضغط ــ بشكل مباشر ــ على أمنها القومى.

 

والوضع فى فلسطين ليس كذلك، فلفت الانتباه للقضية يستوجب اتخاذ مواقف عملية إزاءها، وهى مواقف لا ترضى المحور سالف الذكر، والذى تبدو القيادة السياسية الجديدة غير راغبة فى إدخال تغييرات جذرية على العلاقة به، كما أن القضية الفلسطينية ــ بسبب الملاصقة، وعمق الاتصال بالأمن القومى ــ تستدعى اتخاذ مواقف مركبة، تنبنى على رؤية شاملة، يبدو أنها لا تزال فى طور التشكل، وأن ثمة ما يعوق تمام استقلالها.

 

وتراجع الحديث عن فلسطين ــ خط المواجهة الرئيسى فى قضية الاستقلال ــ إنما يعكس بقاء الإرادة الوطنية المصرية أسيرة لمحور «الاعتدال»، الذى لا يمانع من مساندة الثورة السورية، ولكنه لا يرضى بدعم الشعب الفلسطينى وحقوقه المشروعة بأكثر من الكلام، ولا يمكن افتراض أن ثمة تغيرا حقيقيا فى الموقف المصرى بسبب تغير الخطاب أو البدء بزيارة الصين قبل الولايات المتحدة، فهذه الأمور وإن كانت لها دلالة رمزية مهمة فإنها تعنى زيادة محدودة فى هامش الاستقلال، بحيث يتجاوز ما كانت عليه مصر فى السنوات الأخيرة لحكم مبارك، ولكنه لا يتناسب مع ما ينبغى أن تكون عليه السياسة الخارجية بعد الثورة.

 

وأما الاستقلال الحقيقى فلا يكون إلا بتحرير الإرادة المصرية من أسر هذا المحور، وهو ما لا يمكن أن ينبنى على سياسات اقتصادية تؤدى لتآكل دور الدولة والقطاع العام، وتنامى دور المؤسسات المالية العالمية والشركات متعددة الجنسيات التى ترتبط مصالحها أكثر ما ترتبط بدول المحور سالف الذكر.

 

●●●

 

إن الممارسة السياسة من خلال كراسى الحكم تمثل اختبارا رئيسيا لشعارات كل طرف سياسى ومقولاته، والطرف الموجود فى الحكم اكتسب جزءا كبيرا من ثقة الناس فيه من مواقفه الوطنية إزاء القضية الفلسطينية، والجماعة التى ينتمى إليها الرئيس كان أعضاؤها يهتفون فى المظاهرات قبيل الثورة (على غزة رايحين شهداء بالملايين)، وثمة فرق ولا شك بين شعارات المظاهرات وسياسات الدول، بيد أن هذا الفرق لا ينبغى أن يصل لدرجة التضاد على النحو القائم.

 

إن الدعم الرسمى للثورة السورية ــ على أخلاقيته ــ يفقد الكثير من معناه إذا لم يتواز مع موقف أكثر استقلالا وحسما فى مواجهة استمرار العربدة الإسرائيلية فى غزة، لأنه إن لم يتواز معه يكون تلاعبا بالألفاظ تصنع به القيادة السياسية شعبية عن طريق صناعة وهم الاستقلال، وتبقى مصر فى الوقت ذاته أسيرة لمحور التبعية والاعتدال.

 

 

التعليقات